منهاج التربية الصالحة
د. عبد الغني العايش حوبة*/ إن أمر التربية واسع وكبير، ومهم وخطير، تقصر عنه عقول كثير من الآباء والأمهات اليوم، وتتقاصر دونه جهودهم التوجيهية و الإرشادية ومجهوداتهم العملية في تقويم عوج الأبناء وتعديلاتهم السلوكية. والمتأمل في ما وصلنا إليه من إنحدار خلقي، و ضعف علمي، وتنافر اجتماعي راجع إلى هشاشة البنية الأسرية، وضعف تكوينها العلمي …

د. عبد الغني العايش حوبة*/
إن أمر التربية واسع وكبير، ومهم وخطير، تقصر عنه عقول كثير من الآباء والأمهات اليوم، وتتقاصر دونه جهودهم التوجيهية و الإرشادية ومجهوداتهم العملية في تقويم عوج الأبناء وتعديلاتهم السلوكية.
والمتأمل في ما وصلنا إليه من إنحدار خلقي، و ضعف علمي، وتنافر اجتماعي راجع إلى هشاشة البنية الأسرية، وضعف تكوينها العلمي وقلة زادها التربوي، مع نقص الوعي بالمسؤولية التضامنية، وعدم التضحية في سبيل القضية!
فلو حدثت الآباء والأمهات –مثلا – عن ضياع الأبناء وتهور البنات، لألقوا باللوم على الظروف، واتخذو من المنهج التسويغي ردا على كل المتكلمين، و إجابة لمجموع المنتقدين، وهذا يشبه بحث المحامي لموكله عن مخرج ومبرر كمانع من موانع المسؤولية أو سبب من أسباب الإباحة، لعل ذلك يبرأ ساحته من كل تقصير أو تجني، ويعفيه من توابع ذلك!!
قد تجد من الأبوين (أحدهما أو كلاهما) يقول بأنني قمت تربيتهم والاعتناء بهم، لكن حادوا عن الطريق، رغما عني، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ويبر الوالدان بحجج وأدلة منها أننا لم نحرمهم من شيء، ألم نكدح في طلب لقمة العيش، ليل ونهار!
ألم نوفر لهم ما لذ وطاب من الطعام والشراب!
ألم نقتني لهم من الملابس الثمينة ما يرضيهم!!
بلى وربي لقد قمتم بما ذكرتم و زردتم، وهذا يسمى رعاية، وعناية، وأما التربية فهي شيء آخر: إنها اامحافظة على الفطرة التي خلق الله تعالى عليها الإنسان، وفي هذا يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-:”ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو يمجسانه، أو ينصر انه”، الطفل صفحة بيضاء، تكتب فيها ما تشاء، والتربية منظومة فيها إعداد للجيل الصاعد وتنشئة له على التوازن في الشخصية بأبعادها العقلية والجسدية والنفسية والاجتماعية، ويدخل في مجال التربية اكتشاف مواهب الأبناء الكامنة، وصقل لمهاراتهم الناشئة، فكم ضاعت من مواهب لم تكتشف مبكرا، وكم خسرنا من طاقات ردمت بسبب الغفلة والحرص على التكاثر المادي، والتربية والتزكية والتهذيب والتأديب للإنسان مطلب شرعي وضرورة نفسية وحاجة اجتماعية للأفراد والمجتمعات إذا رغبوا في السع
النجاح الدنيوي والفلاح الآخروي. وأي كان الأمر التربية هي عملية ممنهحة منظمة، لها طرائقها واستراتيجياتها، وأهدافها وغاياتها، و وسائلها وتطبيقاتها، و تهدف دوما إلى استصلاح التربة، ورعاية النبتة، والسعي الحثيث لاقامة الشجرة، ويحدو المربين أمل في تحولها يوما ما إلى ثمرة!
ثمرة نافعة، وأي ثمرة صالحة في ذاتها، مصلحة لأخواتها، تصنع الفارق المطلوب، وتحقق الأثر المرغوب!!!
نلتقي بالأبناء ونلمس منهم الخير، لكنهم في أمس الحاجة للتعرف عليهم والاهتمام بهم، ومساعدتهم ومساندتهم والمرافقة التربوية لهم في كل مراحلهم حتى يتجازو مرحلة الخطر، وتنضجهم الحياة فيتزودون بالزاد ويعبئون للوقود، ونؤهلهم بالتربية والتعليم والتدريب حتى يصلب عندهم العود!
إن التربية الصالحة ليست عبثا ولا عشوائية ولا عفوية، بل تحتاج منك إلى وضوح خطة ومنهجية.
المنهاج التربوي أساسي لعدة أسباب أجملها فيما يلي:
1-لأننا مسلمون، وعندنا أفضل شرعة ومنهاج فدستورنا هدى القرآن الكريم وهدي النبي العظيم – صلى الله عليه وسلم-
وقد أثبت منهاجنا جدارته واستحقاقه، ومثاليته و واقعيه، وذلك عبر ممارسات للمسلم الإنسان في إطار زماني ومكاني.
2- لأن المنهاج يجعلنا رؤيتنا للدرس التربوي واضحة، ويجدد معرفتنا بأهدافنا المحددة، ويذكرنا بمراحله المتدرجة، كل خطوة تقودك للخطوة الموالية.
3- المنهاج يجعل هناك اتفاقا بين الوالدين واتساقا في الأوامر و النواهي، فما أقوم به من تصرف كطفل أو طفلة هو ممنوع، وفيه عقاب بالنسبة للوالد والجد والوالدة والجدة، وأي اختلاف في هذا فقد يتستسب في تذبذب وتناقض الأبناء، مما يؤدي بهم إلى الجموح أو الجنوح عن جادة الصواب!!
4-المنهاج من شأنه أن يبني شخصية متكاملة في جوانبها العقلية والجسدية والانفعالية والاجتماعية، شخصية متوازنة في علاقتها مع ربها عز وجل ومع نفسها ومع غيرها من البشر والحيوانات والنباتات وكل الكائنات..
5- المنهاج يوفر أدوات لتقييم السلوك والنمو بصفة مستمرة، مما يساعدنا على معرفة التقدم أو التأخر معللا بأسبابه.
6-يعطينا المنهاج القواعد والمبادئ و الضوابط التي تجعلنا كأبوين قادرين على التعامل مع المواقف التربوية بحكمة وثبات.
7- توطيد الصلات وبناء العلاقات مع البنين والبنات، وذلك من خلال منهج علمي وعملي واضح يستجيب الاحتياجات المتنوعة ، ويحل الإشكالات المتعددة، ويراعي المراحل العمرية.
8- إذا كان عندنا منهاج رباني، أصيل، فهذا يشعرنا بالثقة في صحة الطريق، و يمدنا بالوسائل المناسبة التي تتجاوز بها كل المعضلات..
9- يساعدنا هذا المنهاج الشامل والمتكامل على مواجهة التحديات المعاصرة من إلحاد وكفر وشذوذ وتفسخ.. ،
10- المنهاج الرباني يساعدنا على تحصين الأبناء من كل الآفات، فهو برنامج وقائي بالدرجة الأولى ثم علاجي بالدرجة الثانية، فلنحصن أبنائنا علميا وعمليا من كل الطفيليات الفكرية التي تتسرب إلى عقولهم و قلوبهم من مسلسلات وأفلام وإنمي ومباريات.. التعجل بالتحصين له دور حام بسياج متين.
وختاما، على الآباء والأمهات أن يلسكوا طريق التربية مع أبنائهم بالشمول والتدرج والرفق المراعاة، وذلك من خلال منهاج التربية الصالحة الأكبر وهو كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم – والله ولي التوفيق.
* أستاذ بجامعة الوادي