جامعة الدول العربية شاخت قبل أن تُصل

بقلم: آلاء أسيل بوالأنوار منذ تأسيسها في عام 1945، وُلدت جامعة الدول العربية كمحاولة لتوحيد الصف العربي ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية المشتركة، إلا أن ما كان يفترض أن يكون مظلة جامعة للإرادات الشعبية، تحول إلى نادٍ مغلق للأنظمة الحاكمة، بعيد عن نبض الشارع العربي وطموحاته في الحرية والديمقراطية والتنمية. ورغم التحولات العميقة التي شهدتها المنطقة، …

مايو 19, 2025 - 18:56
 0
جامعة الدول العربية شاخت قبل أن تُصل

بقلم: آلاء أسيل بوالأنوار

منذ تأسيسها في عام 1945، وُلدت جامعة الدول العربية كمحاولة لتوحيد الصف العربي ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية المشتركة، إلا أن ما كان يفترض أن يكون مظلة جامعة للإرادات الشعبية، تحول إلى نادٍ مغلق للأنظمة الحاكمة، بعيد عن نبض الشارع العربي وطموحاته في الحرية والديمقراطية والتنمية.
ورغم التحولات العميقة التي شهدتها المنطقة، من الاستعمار إلى الاستقلال، ومن المد القومي إلى الثورات الشعبية، بقيت الجامعة حبيسة هياكلها القديمة، وأسيرة حسابات الأنظمة، دون أن تُحدث أي مراجعة جوهرية لوظيفتها أو آليات عملها. وهنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح: لماذا لم يتم إعادة النظر في جامعة الدول العربية بما يحقق مبادئ الشعوب؟
إرادة سياسية غائبة
الجامعة لا تمثل الشعوب، بل تمثل الأنظمة. وهذه الأنظمة – في أغلبها – لم تُفرز ديمقراطيًا، وهي تخشى أي إصلاح حقيقي قد يفتح الباب أمام مشاركة أوسع للمجتمعات المدنية أو تمثيل سياسي حر. الإصلاح الجذري للجامعة يتطلب وجود إرادة سياسية صادقة من داخل الأنظمة نفسها، وهي إرادة غائبة في ظل بيئة سياسية عربية يغلب عليها الطابع السلطوي أو الاستبدادي.
بنية مؤسسية عاجزة
تعمل الجامعة وفق ميثاق تأسيسي قديم تجاوزه الزمن، لا يتضمن آليات إلزامية لتنفيذ القرارات، ولا يملك سلطة للتدخل الفعلي في النزاعات، ولا حتى أدوات ضغط مؤثرة على أعضائها. وتغيب عنها محكمة إقليمية، أو برلمان عربي فاعل، أو حتى نظام للتصويت يضمن التوازن بين الدول.
انقسام داخلي وتناقضات سياسية
تشهد الساحة العربية حالة انقسام حاد بين الدول، نتيجة اختلاف الأولويات والولاءات والتحالفات الخارجية. هذا التشرذم انعكس بوضوح في مواقف الجامعة تجاه قضايا محورية، كالأزمة السورية، والحرب في اليمن، والقضية الفلسطينية، ومؤخرًا تطبيع العلاقات مع إسرائيل. فكيف يمكن لمؤسسة تعجز عن تبني موقف موحد أن تكون أداة لتحقيق تطلعات الشعوب؟
غياب البعد الشعبي والمجتمعي
الشعوب العربية لا تشعر أن الجامعة تمثلها، والسبب واضح: لا وجود لمؤسسات تربط الجامعة بالمجتمع المدني، ولا آليات لمشاركة الأحزاب، أو النقابات، أو الجامعات، أو الإعلام المستقل. تبقى الجامعة جهازًا فوقيًا، يشتغل بمعزل عن التحولات الكبرى التي شهدها الشارع العربي، خصوصًا بعد موجات الحراك الشعبي التي انطلقت منذ 2011.
ضغوط خارجية وتبعية دولية
لا يمكن إغفال تأثير القوى الدولية والإقليمية في توجيه سياسات بعض الأنظمة العربية، وبالتالي التأثير على مواقف الجامعة. التدخلات الأجنبية، سواء من الولايات المتحدة أو من قوى إقليمية كإيران وتركيا، ساهمت في تعميق الانقسامات، وتحويل الجامعة إلى ساحة لصراعات الآخرين بدلًا من أن تكون إطارًا للتكامل العربي.
ماذا بعد؟
لقد أصبح من الضروري، أكثر من أي وقت مضى، التفكير في صيغة جديدة للجامعة، تأخذ بعين الاعتبار تطلعات الشعوب في الحكم الرشيد، وحقوق الإنسان، والتنمية، والاستقلالية السياسية. إصلاح الجامعة لا يمكن أن يتم بمعزل عن إصلاح الداخل العربي ذاته. فمتى تتغير الأنظمة، تتغير المؤسسات.
إن الرهان الحقيقي ليس فقط على تغيير في الهياكل، بل في الوظيفة والدور والمضمون. فجامعة تمثل شعوبًا حرة، ستكون حتمًا أكثر تأثيرًا من جامعة تمثل أنظمة خائفة من شعوبها.