وَحدةُ الأمةِ الإسلاميةِ لم تعد خيارًا بل ضرورةٌ وجوديةٌ
د.خديجة عنيشل/ السابعُ أكتوبر المجيد هو الحدَثُ الأكبرُ الذي يُغيِّرُ اليومَ وجهَ البشرية؛ فقد دقَّت غزةُ بابَ الحريّةِ الحمراء بيدِها المُضرّجةِ بالدم، وقدّمت في سبيلِ هذه الخطوةِ المُباركةِ الشجاعة ألوفاً من أبنائها قُرباناً للعزّةِ والانعتاقِ والكرامةِ الإنسانية، وظلت قرابةَ العامين تبذلُ أبحراً من الدماء دون أن تنكسرَ إرادتُها المُقاومِة التي كسرت غطرسةَ الدولةِ الصهيونيةِ المجرمة، …

د.خديجة عنيشل/
السابعُ أكتوبر المجيد هو الحدَثُ الأكبرُ الذي يُغيِّرُ اليومَ وجهَ البشرية؛ فقد دقَّت غزةُ بابَ الحريّةِ الحمراء بيدِها المُضرّجةِ بالدم، وقدّمت في سبيلِ هذه الخطوةِ المُباركةِ الشجاعة ألوفاً من أبنائها قُرباناً للعزّةِ والانعتاقِ والكرامةِ الإنسانية، وظلت قرابةَ العامين تبذلُ أبحراً من الدماء دون أن تنكسرَ إرادتُها المُقاومِة التي كسرت غطرسةَ الدولةِ الصهيونيةِ المجرمة، ودونَ أن يفتَّ عضدَها سيلٌ شيطانيٌّ بغيض من الخذلان والتثبيط والترجيف . ثم أوحت غزّةُ إلى إيران بأنَّ عالَم الاستكبارِ هذا لا ينفعُ معهُ سِلْمٌ ولا معاهدات ولا مُهادَنَة وإذ بالجمهوريةِ الإسلاميةِ الإيرانية تنخرطُ في المُواجَهة العَلنية للاحتلالِ الصهيوني لأوّلِ مرةٍ في التاريخ، فإيران كانت مصدراً رئيساً للدعمِ الجِهادي الذي استفادت منه المقاومةُ في فلسطين وهذا ما أكَّدَهُ كثيرٌ من قادةِ المقاومة الفلسطينية؛ إذ في تصريحاتٍ للشهيد يحي السّنوار -قائد حركة حماس في غزة- لأكثر من وسيلةٍ إعلامية كان دائماً يُشيدُ بالدعمِ الإيراني لحركةِ المقاومة في غزة، وفي كلمتِهِ التي شاركَ بها في المؤتمر الدولي لدعمِ الانتفاضةِ الفلسطينية في يومِ القدس العالمي قال: «لولا دعمُ إيران للمقاومة في فلسطين لما امتلكنا هذه القدرات ..لقد تخلت عنا أمّتنا في اللحظات الحرجة والصعبة ودعمتنا إيران بالسلاح والعتاد والخبرات» والشهيد العاروري كان يؤكِّدُ أيضاً عُمقَ الدعم الإيراني لحركة المقاومة بمختلفِ تشكيلاتها في فلسطين .. وكثيرون من القياداتِ الجهادية في حماس والجهاد وغيرهما كانت لهم نفسُ هذه القناعة. واليوم يدخلُ العالَمَ كلَّهُ منعطفاً تاريخياً كبيراً بإعلان إيران الحربَ ضد الكيان الصهيوني؛ فقد دكّت الصواريخُ الإيرانيةُ تل أبيب وحيفا وبئر السبع مستهدفةً نقاطاً عسكريةً واستخباراتيةً مهمة لم يكن يخطر ببالِ أحدٍ أن يسمعَ بها فضلاً على أن تطالَها نيرانُ إيران!!! وأصبحت أجواءُ الكيان المتغطرس بلا دفاعٍ لأولِ مرةٍ في التاريخ. وعلى الرغمِ من التعتيمِ الإعلامي الذي فرضتهُ الجبهةُ الداخليةُ لدولةِ الكيان والذي منعت بموجبه نشر وتداول صور التفجيرات ومواقع الضرباتِ الإيرانية إلا أنه ظهرت للعلن فيديوهاتٌ وصورٌ كشفت شراسةَ الهجوم الإيراني والعُمقَ الحساس الذي طالتهُ صواريخها؛ فقد ذكرت تقاريرُ أميركيةٌ بأن الصواريخَ الإيرانيةَ أصابت مجمع وزارة الدفاع الإسرائيلية (الكرياه) وسط تل أبيب، وتعرَّضَ معهدُ وايزمان للعلوم في منطقة رحوفوت قرب تل أبيب لقصفٍ شديد تسبّبَ في أضرارٍ جسيمة حيثُ قالت صحيفة نيويورك تايمز إنَّ صوراً لموقعِ التفجير أظهرت دماراً واسعاً جرّاءَ حريقٍ اندلعَ في أحد مباني المختبرات التابعة لمعهد وايزمان الذي يُنعَتُ بأنَّهُ العقلُ النووي لدولةِ الكيانِ الصهيوني. ولأوّلِ مرةٍ في التاريخِ تُقصَفُ مُدُنُ المحتل الغاشم: حيفا وقيسارية وتل أبيب ورمات غان وبيتاح تكفا وريشون لتسيون وبني براك وبيت يام … لتتحوّلَ دولةُ الإجرامِ والوحشيةِ والظلم إلى مكانٍ لا أمانَ فيه لأحد. ولأولِ مرةٍ في التاريخ استطاعَ العربُ والمسلمون أن يروا رأيَ العينِ بيوتَ الصهاينةِ مدمّرةً، ومبانيهم مُنهارةً وجيشَهم خائفاً مذعوراً لا تقدرُ قُبّتُهُ الحديديةُ اعتراضَ الوابلَ الصاروخيَّ الإيرانيَّ المُزلزل.
وينبغي للمسلمِ اليوم أن يرى في قوّةِ إيران مظهراً لقوّةِ الإسلام فإيرانُ دولةٌ مسلمة، وأن يرى في شجاعةِ إيران ضدّ الغطرسةِ الصهيونيةِ دليلاً على إمكانيةِ أن تعودَ الغَلَبةُ للمسلمين، وملمحاً يستشرفُ مقدرتَهم على امتلاكِ سلاحِ الرّدعِ الاستراتيجي الذي تحمي به الدولُ المسلمةُ نفسَها من الاستكبارِ العالمي الذي أمعنَ في إذلالِ المسلمين وقهرِهِم وإبادتِهم وحرقِ أطفالِهم.. لم يعد جائزاً اليوم أن نُثيرَ خلافاتِنا المذهبيةَ ونحيي النعراتِ الطائفية.. نحن نمرُّ بمرحلةٍ مفصليةٍ لن تتكرّر يمكنُ فيها أن ننعتقَ من إسارِ الذلّ والهوان الذي تمرّغنا فيهما طويلا حتى صرنا أضحوكةَ الشعوب. هذه فرصتُنا لتكونَ لنا كلمتُنا في هذا العالَم الذي يريدُنا ضعافاً مشرذمين متنافرين متطاحنين، هذه فرصةُ العالَمِ الإسلاميِّ لينبذَ كلَّ خلافاتِه ويتبرَّأَ من الفتنة الطائفية ويكونَ يداً واحدةً تمسكُ بزنادِ العزّة وتُرهِبُ العدوَّ .. هذه فرصتُنا لنستجيبَ لأمرِ الله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ}.
نحن في شرطٍ تاريخيٍّ واضحٍ ومصيري نتحمّلُ جميعاً المسؤوليةَ أمامه: إما أن نقفَ في وجهِ الصهيونيةِ المُجرمة يداً بيدٍ مع كلِّ حرٍّ يُحاربها وكتفاً بكتفٍ مع كلِّ قوةٍ تضربُها، وإما أن نكونَ صهاينةً لا فرقَ بيننا وبينهم. وإننا نستبشرُ خيراً بالعقولِ النيّرة التي فهمت هذه المعادلة وتقومُ اليوم بوظيفةٍ هامةٍ وشجاعة ألا وهي معركةُ الوعي وتصحيحِ المفاهيم حتى نُخرسَ ألسنةَ الفتنة ونقتلَ شيطانَ الشقاق ونردمَ كلَّ هوّةٍ حفرَها أعداءُ المسلمين من أجلِ أن يلتهمَهُم قاعُ الفُرقة والتناحر.. ولعلَّ ما قامَ به وزيرُ الدفاع الباكستاني السنيُّ الشجاع خواجة آصف من عملٍ نادرٍ في معركةِ الوعيِ هذه يستحقُّ الإشادة والتنويه؛ فقد صرخَ في وجهِ العالَمِ الإسلاميِّ عقبَ الهجومِ الصهيونيِّ على الجمهوريةِ الإسلاميةِ الإيرانيةِ صرخةَ المسلمِ الحرِّ الذي لا يرضى الدنيَّةَ في أمَّته ولا يرضى المَذَلّةَ والعجزَ لأبناءِ أمّته مُحذِّراً المسلمينَ من شياطينِ الفتنة والتعصّب المذهبي وأبالسة الفرقةِ والتناحر الطائفي الذين لا يخدمونَ إلا العدوَّ ومصالحه ؛ حيث أكَّدَ على وجوب تجاوز المسلمين لخلافاتهم وتوحيد صفوفهم في مواجهة عدوّهم وقال في خطابهِ أمام البرلمان بُعيدَ هجومِ الصهاينة على إيران : «إن باكستان تقف إلى جانب الجمهورية الإسلامية بكل الوسائل الممكنة .. إيران ليست فقط جارة لنا، بل تربطنا بها علاقاتٌ تاريخيةٌ تمتدُّ لقرون. في هذا الوقت العصيب، نقفُ مع إخواننا الإيرانيين، وسنحمي مصالحَهم ونشاركُهم الألمَ والحزن.. إن ما تقوم به (إسرائيل) من اعتداءاتٍ متكررةٍ على اليمن، وفلسطين، والآن إيران، يثبت أن وَحدةَ الأمة الإسلامية لم تعد خيارًا، بل أصبحت ضرورةً وجوديةً. إذا استمررنا في الانقسام والصمت، فلن يسلم أحد منا من هذا العدوان.. إنني أدعو الدولَ الإسلاميةَ إلى موقفٍ موحّدٍ لمواجهة الاعتـ.ـداءات (الإسـ.ـرائيلية) على إيران وفلسطين واليمن، وإلا فإن مصيرًا مشابهًا ينتظر الجميع إن لم يتحدوا الآن»
إنَّ كلماتِ وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف في هذا الظرف التاريخيِّ العصيب لهي تَصدَاقٌ لقولِ الحقِّ تبارك وتعالى:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.. إنها مدرسةٌ في تكريس الوعي وتصحيحِ المفاهيم المغلوطة التي زجّت بالأمةِ الإسلامية في أتونِ العجزِ والذلِّ والهوان وآنَ الوقتُ لزلزالٍ يصنعُ فينا وعياً مختلفاً يقومُ على حمايةِ الهويّة والاعتزاز بالذات وقَبول الآخر المُختلف والدفاعِ عن الحق ونُصرةِ المظلومين.