الطلاق الصوري يقع وهو نوع من الاحتيال على المجتمع

الشيخ محمد مكركب أبران
mohamed09aberan@gmail.com/

الســــــــــــؤال
قال السائل: اتفق مع زوجته أن يطلبا الطلاق أمام القاضي، بالتراضي، ليحكم لهما بالطلاق، وفي نيتهما بقاء الزوجية، وسبب طلاقهما الصوري، للحصول على مصلحة تتحقق لهما بالطلاق، فإذا حصلا عليها، رجعا إلى توثيق الزواج من جديد. قال: فهل يجوز له ذلك؟ قال: وسأل فقالوا له: ذلك حرام. قال: ولم يقتنع. فما هو الحكم في ذلك؟

الجـــــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: كل عمل يقوم على الكذب والزور لا يصح: فالطلاق الصوري كما سأل السائل، كذب وغش، ثم إن الزواج والطلاق عقود، وفي العقود لا يعتد فيها بالنيات إنما بالأقوال. فالشهود، والقاضي، والكاتب، وأهل الزوج وأهل الزوجة، والناس، يتعاملون مع هذا الرجل وهذه المرأة بظاهر قولهما لا بما في نيتهما. فإن الطلاق باللفظ الصريح أمام القاضي يقع طلاقا ولو لم ينو الزوج. فانتبه لهذا. فالذي يظهر أن التحايل بالطلاق الصوري من أجل الحصول على مصلحة لا يجوز شرعا، فمن قال للزوجة طلقتك أو أنت طالق، أو أشهدكم أنني طلقت زوجتي فلانة، فقد تم طلاقها سواء في ذلك نوى، أم لا. وفي سنن ابن ماجة. عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: قَدْ طَلَّقْتُكِ، قَدْ رَاجَعْتُكِ، قَدْ طَلَّقْتُكِ] (ابن ماجه: 2017) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: الزواج قوامه ميثاق عظيم فلا يصح اللعب به: قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا. وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا.﴾ (النساء:20،21) فلا يجوز أن يلعب الناس بكتاب الله سبحانه. وقد يقول أحدهم: إنه في بلد أجنبي، ويتعامل مع محاكم أجنبية، فيقول أمام القاضي: أنا طلقت زوجتي فلانة، ويسأل الزوجة، وتقول: قبلت الطلاق. ثم بعد ذلك يقول مع نفسه ولأهل زوجته: كنت أكذب عليهم فما طلقتها بنيتي، إنما طلقتها رسميا على الأوراق!! فالزواج الصوري، والطلاق الصوري، كلاهما يقع بناء على تصريح الزوج وقبول الزوجة.
ومنه أؤكد للأخ السائل بأنه لا يجوز له البقاء مع الزوجة التي طلقها رسميا أمام القاضي فقد خرجت من عصمته، وبعد العدة تبين منه، وعليه بالاستغفار والتوبة. وليتعظ بالخبر السابق ذكره. [مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: قَدْ طَلَّقْتُكِ، قَدْ رَاجَعْتُكِ، قَدْ طَلَّقْتُكِ.] والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: أن القوانين الوضعية في البلدان الإسلامية لا يجوز مخالفتها: أذكر بهذا لأنه في البلدان الإسلامية قد يحدث ذلك الطلاق الصوري من أجل الاستفادة مما يمنعه القانون الوضعي. فكل مادة قانونية لا تعارض نصا شرعيا لا يجوز مخالفتها. لأن القانون العام ينظم الحياة المجتمعية، والحياة المجتمعية يحكمها العقد الاجتماعي المتفق عليه بين كل أفراد المجتمع. وبالنسبة للمسلمين فإننا مأمورون بطاعة أولي الأمر منا. قال الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء:59) فطاعة أولي الأمر في تنفيذ القوانين العامة. إلا ما استثناه الشرع. (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ). وأولو الأمر هم الأمراء والعلماء. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
رابعا: ورد في الخبر أن الطلاق يقع ولو كان بالمزح: ففي الحديث. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة] (الترمذي: 1184). وفي تحفة الأحوذي. (قال القاضي اتفق أهل العلم على أن طلاق الهازل يقع فإذا جرى صريح لفظة الطلاق على لسان العاقل البالغ لا ينفعه أن يقول كنت فيه لاعبا أو هازلا.لأنه لو قبل ذلك منه لتعطلت الأحكام وقال كل مطلق أو ناكح إني كنت في قولي هازلا فيكون في ذلك إبطال أحكام الله تعالى. فمن تكلم بشيء مما جاء ذكره في هذا الحديث لزمه حكمه)(تحفة الأحوذي:4/304) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.