جمعية العلماء الجزائريين في ذكراها الرابعة والتسعين وثباتها على نهج المصلحين (1)
أ. محمد مكركب نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، هي الرائدة في الثبات على المرجعية الدينية الراشدة، في الفكر، والإصلاح، والدعوة إلى الإسلام في الجزائر منذ 1931م. حيث بدأت الجهاد بالقرآن الكريم، والتربية والتعليم، بالمدارس والنوادي، قامت بالجهاد المقتضى ضمن مقاومة التحرير، بِنَشر الوعي، والسعي الجاد لإخراج المجتمع الجزائري والمغرب العربي …

أ. محمد مكركب
نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، هي الرائدة في الثبات على المرجعية الدينية الراشدة، في الفكر، والإصلاح، والدعوة إلى الإسلام في الجزائر منذ 1931م. حيث بدأت الجهاد بالقرآن الكريم، والتربية والتعليم، بالمدارس والنوادي، قامت بالجهاد المقتضى ضمن مقاومة التحرير، بِنَشر الوعي، والسعي الجاد لإخراج المجتمع الجزائري والمغرب العربي الإسلامي عموما، من الأمية بكل صنوفها، وتخليصه من التقاليد البالية، والخرافات، والشعوذة، والعجز، ومن الخضوع للأوروبيين المستعمرين حسيا ومعنويا. وبدأت جهادها الإعدادي الإصلاحي بتبصير الأمة، بأصول الهوية والشخصية الجزائرية. بالشعار المعبر عن المبادئ السامية: {الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا}. كان ذلك الجهاد الإعدادي الفكري الإصلاحي، ابتداء من سنة 1924م بتعاون نخبة من العلماء المصلحين المجاهدين منهم العالمان المفكران الفقيهان المربيان: {عبد الحميد بنُ باديس، ومحمد البشير الإبراهيمي} وغيرهما من العلماء الدعاة منهم: العربي التبسي، والطيب العقبي، ومبارك الميلي، والفضيل الورتلاني، ومحمد الأمين العمودي، ومحمد خير الدين، وابراهيم أبو اليقظان، وإبراهيم بيوض، وغيرهم كثير، الذين فقهوا مقاصد القرآن وعملوا به، وعلموا كيف يجاهدون بالقرآن، ويدعون إليه. قال الله تعالى: ﴿فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً﴾ (الفرقان:52) فلما رأت جمعية العلماء أن الفرنسيين الكافرين جاءوا بالصليب ليحاربوا الإسلام، بدعوة التكفير والتنصير والطمس والتمييع والتهجير، قال علماؤنا: {الإسلام ديننا}. ولَمَّا كشروا عن أنيابهم ليفرنسوا التعليم، وليدمروا العقول بالفرانكوفونية المقيتة، وبالفرانكفولية اللقيطة، قلنا لهم: {العربية لغتنا} وعندما تبين من كيدهم تفريق الشعب إلى شاوي، وبربري، وعربي، وميزابي، وترقي، وصحراوي، وشمالي، وجنوبي. قلنا لهم: نحن أمة جزائرية جمعها الله بالإسلام والقرآن، فلا ولن يفرقها الشيطان. ولما قالوا الجزائر فرنسية، قلنا: {الجزائر وطننا} وطن كل مواطن جزائري، يجمعنا الإسلام هوية وانتماء، ويحتضننا إقليم التراب الجزائري ديارا وموطنا. فقام جهادنا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، على هذه الثلاثية الجامعة العاصمة الحافظة للقيم الرافضة للهدم، ندعو للتجديد، ونحذر من التبديد. وهذه دعوة كل العلماء والمثقفين والمفكرين الجزائريين الوطنيين، المخلصين لوطنهم. فإننا نقول ونعمل، إن: {الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا} وعلى هذا قام جهادنا في مغربنا الكبير وكل الشمال الإفريقي. وعلى هذا تدوم دعوتنا ويدوم إصلاحنا وبناؤنا في جمعية العلماء المباركة. إلى اليوم وإلى أن يشاء الله رب العالمين. قامت الجمعية في عهد الاستعمار بأعظم جهاد، وأقدس إعداد، وأجل إمداد، ولاينكر دور جمعية العلماء في الجهاد الفكري والتربوي، والسياسي والاجتماعي، إلا حاسد عاطل، أو حاقد جاهل. فمن كان يستطيع أن يقف في وجه المستعمر الفرنسي الكافر، بعد احتلاله الاستيطاني للجزائر، مدة قرن من الزمان، من كان يستطيع أن يقف في وجهه ويقول له: {الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا} وقد كان المحتل الفرنسي، يومها يقول: (الجزائر قطعة من فرنسا) وقد كان يعتقد الفرنسيون، وأتباعهم المتواطئون معهم، كانوا يعتقدون أنهم لن يخرجوا من الجزائر؟ ومن الذي كان يستطيع أن يقول يومها للمستعمر وهو يسجن وينفي ويقتل ويدمر بلارحمة، ولا أدنى حياء من جرائمه، من كان يقدر أن يصارحه بأبلغ خطاب، وأصدق عبارات تهز الألباب. {شعب الجزائر مسلم…. وإلى العروبة ينتسب.. من قال حاد عن أصله …. أو قال مات فقد كذب؟} ومن كان يقول للشباب الجزائري يومها: {خذ للحياة سلاحها…. وخذ الخطوب ولا تهب} هكذا تحرك جهاد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في جزائر الجهاد والفداء، وجزائر العلماء والشهداء، وجزائر، وجزائر الشباب الذين ألهمهم الله الحكمة والذكاء. ومن يوم إعلان شعب الجزائر مسلم. بدأ إعداد الثوار والمجاهدين الذين لايجاهدون لشخصية ولا لزعامة ولا لجهة ولا لطائفة ولا لعصبية، وإنما جهاد في سبيل الله لإخراج المستعمر الكافر، وتطهير أرض الجزائر، من رجس لافيجري، وكلوزيل، ومن كل محتل فاجر، دفاعا عن القرآن، ولغة القرآن، وعن جزائر كل الجزائريين الأحرار. قالت جمعية العلماء يومها، وعملت بما قالت: من كان يبغي ودنا…. فعلى الكرامة والرحب… ومن كان يبغي ذلنا…. فله المهانة والحرب.} هذا البيان الجهادي الذي أعلنته الجمعية في الثلاثينيات هو الذي كان القاعدة والأساس للأربعينيات والخمسينيات، لإعداد الوقود الفكري الحقيقي للثورة التحريرية. فكان الهدف الذي تحركت على أساسه الجمعية والذي رسمته لثورة التحرير، هو: أن يجتمع الشعب حول قيادة واحدة، وأن لاينخدع بوعود المستعمر الفرنسي، والمستعمر الفكري المنهزم، فكانت الجمعية هي القيادة الفكرية والمرجعية الدينية والجهادية، ودعت إلى أن يلتف ويجتمع الشعب حول جبهة قيادية واحدة، وتحقق ذلك في جبهة التحرير الجزائرية. وأن يكون الجهاد تحت راية الإيمان وبشريعة القرآن، وأن نتوكل على الله تعالى وحده، وأن نُعِدَّ للحرب ما استطعنا متوكلين على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه. لأن العلماء من رجال الجمعية قرؤوا قول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.﴾ (آل عمران: 174) حاولت فرنسا أن تداهن الجمعية، فما أفلحت، وحاولت أن ترهبها فما زاد ذلك علماء الجمعية إلا إقداما وبطولة وثباتا، وعزما، ثم لجأ المستعمر كعادته إلى المكر والدسائس والخيانة، فدبرت فرنسا اغتيال (بن دالي كحول) واتهام أحد أبرز القيادات في الجمعية وهو (الطيب العقبي) وإلقاء القبض عليه، وأرادت فرنسا أن تضع الجمعية في قفص الاتهام لتنال منها ولتساومها من أجل التنازل عن أهدافها الدعوية والجهادية، وهي أهداف الشعب الجزائري، فما زادت تلك المحن الجمعيةَ إلا عزما وثباتا في طريق الجهاد. وهاهو خطاب ابن باديس 2 أوت 1936م {بسم الله الرحمن الرحيم، أيها الشعب الجزائري التاريخي القديم المسلم الصميم، الذي كلمته من كلمة الله، وقوته من قوة الله، أعددت مؤتمرا كما ينبغي أن يكون جلالا وروعة، فذلك أظهر إرادتك، وقوتك.. لقد كدت تكون مجهولا عندهم، لكن بأعمالك العظيمة، وبما قام به الوفد صرت معلوما، لدى من يعرف الحق، ويحترم الكريم، وينصف المظلوم… أيها الشعب لقد عَمِلْتَ وأنت في أول عملك، فاعمل، ودم على العمل، وحافظ على النظام، واعلم أن عملك هذا على جلالته ما هو إلا خطوة (البداية) ووثبة (الانطلاق)، ووراءه خطوات ووثبات، وبعدها إما الحياة وإما الممات.} انظر: (مظاهر المقاومة الجزائرية.م.ط.ع. ص:143 منشورات المتحف الوطني للمجاهد. للأستاذ محمد الطيب العلوي) والمقال القادم سيكون عن مواقف وأعمال الجمعية حاضرا وإعدادا للمستقبل إن شاء الله سبحانه. والحمد لله رب العالمين.