يوم استرجاع السيادة الوطنية إنه يوم الحرية والثبات على الهوية الإسلامية
أ. محمد مكركب نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/ اليوم الخامس من شهر جويلية، ذكرى يوم استقلال الجزائر، يوم استرجاع السيادة للدولة الجزائرية، فهو يوم العزة الوطنية، والتحرر والكرامة، ويوم تطهير التراب الجزائري الْمَسْقِي بِمِدَادِ العلماء، ودماء الشهداء، ودُموع الأبرياء. دام الاحتلال الفرنسي بظلمه وفساده في الجزائر مدة مائة واثنين وثلاثين سنة. من: 1830م إلى …

أ. محمد مكركب
نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
اليوم الخامس من شهر جويلية، ذكرى يوم استقلال الجزائر، يوم استرجاع السيادة للدولة الجزائرية، فهو يوم العزة الوطنية، والتحرر والكرامة، ويوم تطهير التراب الجزائري الْمَسْقِي بِمِدَادِ العلماء، ودماء الشهداء، ودُموع الأبرياء. دام الاحتلال الفرنسي بظلمه وفساده في الجزائر مدة مائة واثنين وثلاثين سنة. من: 1830م إلى 1962م وكان هدف الاستعمار الفرنسي تغيير التاريخ في جزائر التاريخ، وهو بغبائه وطغيانه، كأنما كان يريد إطفاء ضوء الشمس، وهيهات، هيهات، فالشعب الحي بالإيمان لن ينال منه الأعداء مهما طال الزمان، ومهما تعاظم حجم الطغيان. فقد خططوا لضرب السيادة الوطنية، وطمس ثوابت الْهُوية الجزائرية، حيث كان هَمُّ الاستعمار الفرنسي، أن يُنْسِيَ الناسَ جميعا، الخريطة الجغرافية والتاريخية للأمة الجزائرية!! فقد حارب الفرنسيون في الجزائر الإسلام والعربية والتاريخ والوطن. حاربوا الإسلام ليقيموا الصليب والطقوس الكنسية التي خالفوا فيه التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم، وحاربوا اللغة العربية لغة القرآن، ولغة منطق الإنسان، ولغة أحسن بيان، وعَمِلُوا جهدهم على زرع فتنة العنصرية، بين أبناء الشعب الجزائري. حتى أيَّدَ الله سبحانه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لتقول لفرنسا، ولأتباع فرنسا، وللمتواطئين مع فرنسا:{الإسلام ديننا. والعربية لغتنا. والجزائر وطننا.} فيوم الاستقلال هو يوم الوحدة الوطنية، رغم دسائس الاستعمار القديم والجديد. ويوم الاستقلال هو يوم السيادة الوطنية، ويوم العزة والكرامة. ورغم كيد فرنسا، سيبقى شعب الجزائر مسلما مؤمنا، معتزا بإسلامه، ومعتزا بلغته العربية، لغة كتاب ربه، ومعتزا بوطنه المعروف في التاريخ والجغرافية، لا لشيء إلا لأن الله عز وجل أراد هذا للجزائريين، أن يكونوا شعبا متحدا ومُوَحِّدًا يسكن هذا الإقليم الذي هو منحة من عند الله سبحانه. ثم وبفضل الله سبحانه دائما، كان تحرير هذا الوطن الغالي الذي يُحْسَدُ عليه الجزائريون، كان التحرر والتحرير، بتضحيات كبيرة، وكبيرة جدا، باستشهاد الملايين من الجزائريين. بعد أكثر من عشرين ثورة، وانتفاضة، ومقاومة، شاء الله سبحانه أن يجتمع الجزائريون بتوفيق من الله عز وجل، وراء قِيَادَةِ نخبةٍ من أبناء الجزائر، بعد اجتهاد فكري كبير، وجهاد علمي دعوي عظيم، قام به علماء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. الجمعية التي تأسست في الخامس من شهر ماي 1931م. وهذا تصريح جمعية العلماء: {الأمة الجزائرية أمة متكونة موجودة كما تكونت ووجدت كل أمم الدنيا. ولهذه الأمة تاريخها الحافل بجلائل الأعمال، ولها وحدتها الدينية (وهي الإسلام) ووحدتها اللغوية (وهي العربية) ولها ثقافتها الخاصة، وعوائدها وأخلاقها، شأن كل أمم الدنيا. ثم إن هذه الأمة الجزائرية الإسلامية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو أرادت. بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد في لغتها، وفي أخلاقها، وفي عنصرها، وفي دينها، لا تريد أن تندمج. ولها وطن محدود معين هو الوطن الجزائري بحدوده الجغرافية الحالية المعروفة.} جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، عندما تصدر بياناتها التاريخية، كأنما تنظر بنور الوحي، وتنطق بالإلهام، وإليك ما جاء تصريح في بيان. سنة 1937م. {إن أعداء الأمة الذين تمثلهم الجرائد الاستعمارية الكبرى هنا وهنالك ويصدع بأمرهم كراسي متنوعة، ما فتئوا يوالون ضرباتهم، ويعيدون هجماتهم على الجمعية لأنهم يرون فيها حياة الأمة ويشاهدون فيها السد الحصين دون ما يرغبون من ذوبان الأمة وانحلالها، لإفنائها وابتلائها وتنقصها من أطرافها، فكل ما تجتازه الأمة اليوم وما تعانيه وما تلاقيه هو ما تجتازه الجمعية وما تعانيه وما تلاقيه على أبلغه وأشده، لأن الجمعية هي الأمة، والأمة هي الجمعية.} (آثار ابن باديس:3/359) فما هي العبر والعظات التي يستمدها الدارسون من تاريخ الثورة والاستقلال؟
أولا: أن الفساد الذي كان يعمل الاستعمار على نشره في مستعمراته مازال أتباعه يريدون نشره من بعد عن طريق الفلول والمخلفات في مستعمرات أخرى. وأن الخطر الذي كان يهدد به مازال دالا على صدق القرآن، الذي نقرأ منه: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون.﴾ (البقرة:217)
ثانيا: إذا كان المستعمر الفرنسي سعى وقت الاحتلال جاهدا لمحاربة العربية والقرآن والقيم الإسلامية، ومنه أنه كان يحول دون الاستقلال العسكري والسياسي، والاستقلال الثقافي والتربوي والفكري، فماذا ينتظر الجزائريون بعد ستة عقود من الزمن، لينهضوا النهضة التي تمكنهم من التخلص من التبعية الثقافية المقيتة، والقيود الاقتصادية الْمُمِيتة؟؟
ثالثا: أهو الشباب الجزائري الذي قاوم أجداده وآباؤه الحلف الأطلسي بالحكمة والذكاء والاتحاد والصبر، وجاهدوا بالنفس والمال، وبكل ما يملكون، حتى افتكوا حريتهم، وحرروا وطنهم، ألا يستطيع هذا الشباب بما منحه الله من العلم والنعمة، والكثرة والقوة، ألا يستطيع أن يقاوم التخلف وأسبابه، وأن يحرر وطنه من التبعية لغيره؟ إن يوم الاستقلال والسيادة والحرية، يتساءل عن آمال العلماء والشهداء؟ إنه تساؤل للتفكير والتطوير.
رابعا: إن ذكرى يوم الاستقلال، دعوة إلى اليقظة والانتباه بحذر، لكل ما يجري في العالم، ولكل ما يدبره الأعداء لإشعال نار الفتن بين أبناء الشعوب الإسلامية، ومنه فإن الوصية للشباب الجزائري، أربع وصايا:
الوصية الأولى: الثبات على الثوابت والقيم التي تمسك بها الشعب الجزائري، عبر تاريخه، أيام جهاده ضد الشيطان الاستدماري الذي كان همه أن يفرق الجزائريين إلى طوائف وجهويات، فلم يفلح، وذلك بتوفيق من الله تبارك وتعالى. فاثبتوا على الإسلام والأخوة، والوحدة الوطنية.
الوصية الثانية: فاحذروا من الدعوات الهدامة التي يريد بعض اليهود أن يبثوها بين بعض الشعوب، لصناعة العداوة بين المسلمين، فاستمسكوا بكتاب ربكم، ففيه السلامة، والأمن، والنجاة.
الوصية الثالثة: أن لا خضوع للكافرين، ولا تطبيع معهم، وكونوا مع الله عز وجل يكن معكم. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ (سورة هود:113)
الوصية الرابعة: توكلوا على الله سبحانه، واعقدوا العزم على أن تنهضوا نهضة ترفعون بها مكانة وطنكم، وتبنون مجد أمتكم، اجعلوا هدفكم أن يرضى عنكم ربكم، ويفرح بكم الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾
﴿والحمد لله رب العالمين﴾