العقيد الطيب الجغلالي يعود هذا الأسبوع
الدكتور محمد بغداد ذات يوم ليس ببعيد تضخمت منصات التواصل الاجتماعي، بحملة اتصالية تجاوزت المستويات المعهودة في الحملات الالكترونية الممارسة عادة، كون هذه الحملة شنها شباب في بداية أعمارهم، شعروا أنهم أصيبوا. في كرامتهم، ولحقت بهم الاهانة في ذاكرتهم، وتم الاعتداء على شخصيتهم، نتيجة ما روجته إحدى القنوات القضائية المحلية لمقولات وتصريحات غير مسؤولة تمس …

الدكتور محمد بغداد
ذات يوم ليس ببعيد تضخمت منصات التواصل الاجتماعي، بحملة اتصالية تجاوزت المستويات المعهودة في الحملات الالكترونية الممارسة عادة، كون هذه الحملة شنها شباب في بداية أعمارهم، شعروا أنهم أصيبوا. في كرامتهم، ولحقت بهم الاهانة في ذاكرتهم، وتم الاعتداء على شخصيتهم، نتيجة ما روجته إحدى القنوات القضائية المحلية لمقولات وتصريحات غير مسؤولة تمس بشخصية قائد الولاية السادسة التاريخية العقيد سي الطيب الجغلالي، والمتمعن في مثل هذه الحملات ينتبه إلى تلك المضامين والقيم الخطيرة التي تضمنها خطاب هذه الحملة والتي استطاعت أن تجلب إليها التأييد غير المتوقع، وتكسب رهان التفاعل الذي يتوقع أن تنتجه تلك السلوكات والمفاهيم غير المحبذة، والتي تتصادم مع المسار العام للاستقرار الكلي للمجتمع.
يشكل تاريخ شهر جويلية 1959، المناسبة الأبرز لاستذكار تاريخ استشهاد قائد الولاية التاريخية السادسة العقيد سي الطيب الجغلالي القادم من زاوية في ضواحي مدينة العمارية وصولا إلى احد رموز قيادة الثورة التحريرية، فارقا مهما ليس على المستوى الاحتفالي بل فاصلة مهمة في فهم احد المنجزات التاريخية للثورة التحريرية والتي تتجاوز زمن الثورة إلى زمن الدولة، وهي الحالة التي أجاد في تفكيك معانيها الأديب العالمي المرحوم الطاهر وطار.
في كثير من الأحيان يكون الإقدام على اقتحام المجال التكنولوجي الاتصالي الجديد غير محسوم العواقب، ويتصور البعض أن الأمر يتعلق بمسايرة مستجدات الثورة التكنولوجية الاتصالية الزاحفة، ولكن الخطوات الأولى تظهر نتائج عكسية خاصة بالنسبة للشعوب التي تغامر عن غير وعي بالتورط في هذه الموجة الاتصالية، وسرعان ما تجد نفسها تواجه أزمات معقدة يصعب عليها امتلاك القدرة على مواجهتها وتصبح تتحمل تكاليف وخسائر غير متوقعة وبالذات عندما يتعلق الأمر بتلك الخسائر التي تمس كيانها وتهز قواعد انتمائها.
ومن هنا فإن الإقدام على وضع ذاكرة المجموعة الوطنية في دواليب الثورة الاتصالية الجديدة يكون في الغالب قرار محفوف بالمخاطر، ليس لذات القرار ولا لأبعاده، ولكن الخطر يكمن في تلك المنهجية المتبعة في التعامل مع الثورة التكنولوجية الزاحفة، والمتابع الفطن يدرك بسرعة ما تحملته بعض الشعوب المتخلفة والتي لم تستطع فهم أبعاد ونتائج فلسفة الثورة التكنولوجية الاتصالية، فتعاملت معها من زاوية (ثقافة المستهلك) وليس من زاوية (ثقافة المستوعب)، وهناك فرق كبير بين المستويين، خاصة وان الموضوع سرعان ما ينفلت من الأيدي ويوضع في مساحات تكون هذه الشعوب المستهلكة غير قادرة على التعامل معه.
يعد قائد الولاية التاريخية السادسة العقيد سي الطيب الجغلالي من النماذج البارزة (كغيرة من قادة الولايات التاريخية)، حالة تحتاج إلى الكثير من الجهد وبذل الوسع في الاجتهاد لفهم ظاهرة (قيادة الولاية التاريخية)، التي تعتبر من أهم ما أنجزته التجربة المجموعة الوطنية، فيما يتعلق بقيادة المجتمع وإدارة الشأن العام، وهي غير متصلة بحالة الثورة وإنما تتجاوزها إلى حالة المجتمع، ومن أفضل ما تنتجه الشعوب يتمثل في (القيادة)، وتمثل (قيادة الولاية التاريخية)، حالة فريدة من نوعها التي تفردت بها الثورة التحريرية المباركة، كونها متجاوزة للزمن الثوري وممتدة إلى زمن المجتمع، مما يجعل من عودة واحد من هذه الحالات سانحة للقيام بالمراجعة العميقة والانتباه للأبعاد المؤسسة لقواعد المجموعة الوطنية.
إن البعد الذي يغيب عن الأجيال الجديدة في هذه العودة تلك الرسالة القوية والمفعمة بالكثافة التاريخية والتي تقول أن الثورة التحريرية المباركة تجاوزت في فسلفة سلوكاتها الميدانية الحواجز التقليدية التي ذهب نحو تجسيد البعد الوطني الشامل من خلال إلغاء جاهلية الجغرافيا وحولتها إلى قوة تستند عليها وتفسح المجال لأبناء الوطن القيام بالواجب في مختلف الجهات دون أن يواجهها الموانع الجهوية أو الجغرافية، وهنا يكمن قرار قيادة الثورة في تولية العقيد سي الطيب الجغلالي قيادة الولاية السادسة التاريخية، وهو ما درجت عليها هذه القيادة من اليوم الأول من مسيرة نوفمبر، كون الجزائر لكل أبنائها وان القيادة والتسيير هو في النهاية موكل للكفاءة والجودة، مما شكل ردا ذكية على الثقافة الاستعمار التي زرعها الاستعمار منذ يومه الأول.
وفي حالة عودة قائد الولاية التاريخية السادسة العقيد سي الطيب الجغلالي على سبيل المثال والاستشهاد،يتجلى ذلك الملمح الذي يبرز الحالة التي تجلب الشفقة أولا وتحتاج إلى ضرورة الانتقال وبسرعة من مستوى (ثقافة المستهلك) إلى (ثقافة المستوعب)، فالمستوى الأولى يورث الكثير من الخسائر والتكاليف الباهظة، اقلها التخبط السلوكي والاضطراب الذهني والصدمات النفسية والانزواء المعرفي، من خلال قيادة الغوغاء لتلك الحملات الدعائية الهشة والمؤلمة، والمستوى الثاني يحتاج إلى مستوى متقدم من الذكاء الجمعي والخبرة المهنية والإدراك النوعي لعلاقة الذاكرة بالاتصال التكنولوجي، وهي الثانية التي ما يزال الاقتراب منها يمثل الحد العالي من المغامرة الساذجة.
إن قيادة الولاية التاريخية في الثورة التحريرية تمثل الحد الأعلى في الوعي الجمعي والأرفع في الانجاز المؤسساتي الذي ينسجم تماما مع نوعية التماسك الاجتماعي الذي وصلت إليها المجموعة الوطنية عبر الذكاء التاريخي والتراكم الزمني الذي استوعبته من خلال تاريخها الطويل، ومن هنا فان التعامل مع معطي(قيادة الولاية التاريخية) يبتعد تماما عن المفهوم الشخصي ويقترب من معاني الانجاز الجمعي الذي يفترض على النخب العلمائية أن تكون على دراية تامة بأبعاده ليس في حالة الزمنية للثورة التحريرية وإنما في المسيرة التاريخية للمجموعة الوطنية، التي يفترض أن تعمل النخب العلمائية على إثراءه وإعطائه الأبعاد المناسبة له، وبالذات تلك الأبعاد التي يمكن أن يتم استثمارها في التعامل مع المستجدات الطارئة اليوم.