الممرات الاقتصادية: اللعبة الخطيرة

ربما لازال البعض في المغرب العربي وبصفة أشمل في الشمال الغربي الأفريقي، يعتقد بأنه في منأى عما يجري في الشرق الأوسط من دمار وخراب،ودوس على القانون الدولي وكافة الأعراف المتفق عليهاعالميا. إن هذه الحرب ما كانت لتكون في هذا الوقت بالذات وبهذا الحجم، لولا الخطوة التي أقدمت عليها الولايات المتحدة الأمريكية في قمة نيودلهي أواخر […] The post الممرات الاقتصادية: اللعبة الخطيرة appeared first on الشروق أونلاين.

مايو 7, 2025 - 16:26
 0
الممرات الاقتصادية: اللعبة الخطيرة

ربما لازال البعض في المغرب العربي وبصفة أشمل في الشمال الغربي الأفريقي، يعتقد بأنه في منأى عما يجري في الشرق الأوسط من دمار وخراب،ودوس على القانون الدولي وكافة الأعراف المتفق عليهاعالميا.
إن هذه الحرب ما كانت لتكون في هذا الوقت بالذات وبهذا الحجم، لولا الخطوة التي أقدمت عليها الولايات المتحدة الأمريكية في قمة نيودلهي أواخر سنة 2022، بإنشاء وتمويل الممر الجيواقتصادي الذي يربط أسيا بأوروبا عن طرق الهند وعبر مواني اليونان مرورا بفلسطين المحتلة حيث سيكون ميناء حيفا هو البوابة نحو البحر الأبيض المتوسط.تلك الخطوة التي تريد منها الولايات المتحدة محاصرة الصين وتدمير “خط الحرير” الذي استثمرت فيه بكين كل طاقتها في إطار الصراع على مناطق النفوذ ورسم حدود الجغرافية السياسية للعالم الجديد.
إن الفشل المزمن الذي يحصدها لمخزن بشأن تشريع احتلاله للصحراء الغربية بفضل صمود الشعب الصحراوي وتشبثه بقاعدة الحل المتفق عليه بين طرفي النزاع المتمثل في استفتاء تقرير المصير،دفعه الى الانتقال بالسرعة القصوى الى محاولة فرض الأمر الواقع الاستيطاني بتسليم المنطقة الى رأس المال العالمي من خلال الشركات المتعددة الجنسيات و بمباركة ودعم حكومات الدول الغربية في مقدمتها فرنسا و أمريكا واسرائيل، في هذا الإطار تأتي الواجهة الأطلسية أو ما يسمى “بالممر الأطلسي” الذي منذ سنوات تروج لها ابواق الرباط، الممر الذي يربط أوروبا بالغرب الأفريقي،خزان الطاقة من غاز وبترول ومواد نادرة. ميناء الداخلة المحتلة – الميناء الإماراتي الأمريكي المشترك – هو قطب الرحى في هذه المعادلة وبقية المناطق المحتلة من الصحراء الغربية هي البساط التي ستقام عليها البنية التحتية لهذا الممر الاقتصادي إن كتب له ان يكون، سواء من أنابيب الغاز وسكك حديدية أو اسلاك كهربائية وكابلات انترنيت أو طريق سريع نحو معبر الكركرات أو ما يسمى في الجانب الموريتاني بالنقطة 55.
هكذا يكون المخزن قد قدّم أجلّ الخدمات للوبيات رأس المال الأجنبي بتسهيل نهب وتحويل إمكانات الشعوب الأفريقية الى أوروبا وأيضا الى الولايات المتحدة الأمريكية التي تُعطي عناية متميزة لدول الغرب الأفريقي- الشرق الأوسط الجديد- كما تسميه مكاتب الدارسات في واشنطن والعواصم الأوروبية.
إن القواعد العسكرية الأمريكية في المغرب وفي ساحل العاج حتى لا نذكر غيرها، ثم نزول الحلف الأطلسي بكل كله في موريتانيا والدفع بخبرائه العسكريين وجواسيسه الى حدود الصحراء الغربية، دون إهمال الضغوطات الكبيرة التي تمارسها دولة الإمارات على النواكشط في تماهي مع أهداف المخزن إنما هو تحرك يؤشر الى نوع من التحضير والاستعداد لدفاع الغرب عن مصالحه الجيوستراتجية الذي سيكون ممر الداخلة وميناؤها عمودها الفقري، كما هو بالضبط دفاعه اليوم عن ممر الهند اليونان،بشد عضد إسرائيل وفتح لها أبواب مخازن السلاح معتبر  كافة جرائمها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
لقد راهن نتنياهو على الممر الاقتصادي الهند/ اليونان الذي ستتحكم فيه إسرائيل عند مدخل ميناء حيفا، ليجعل من الكيان الصهيوني بوابة كبرى ومعبرا دوليا لسلاسل الاستيراد والتصدير شمالا وجنوبا بين القارة الأسيوية والقارة الأوروبية،مُبطلة هكذا فعالية مضيقي “المندب” الذي تطل عليه اليمن و”هرمز” الذي تراقبه إيران فضلا عن الاستغناء الكلي عن دور قناة السويس المصرية. إنه الممر الذي عرض خريطته نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أكثر من مرة، مبرزا “فوائده”على تنمية الشرق الأوسط وعلى السلام في المنطقة الشيء الذي يبرر في نظره حرب الإبادة التي يخوضها ضد الشعب الفلسطيني ” المعرقل” لهذا المشروع،من هنا نفهم أن هجوم طوفان الأقصى كان مفروضا على المقاومة الفلسطينية القيام به، لأن الوجود الفلسطيني كشعب وقضية أصبح على كف عفريت.
نفس السيناريو  هو الذي يُطبخ على نار هادئة في الصحراء الغربية بدعم امريكي،اسباني و فرنسي وبتورط مباشر إسرائيلي إماراتي خاصة بعد اكتشاف جبل الكنوز في المياه الإقليمية الصحراوية “جبل تروبيك” سنة 2017،ليقفز  اليوم هذا السيناريو الى أقصى سرعة في التنفيذ،الشيء الذي لم يخفيه رأس نظام الاحتلال باستقباله الأسبوع الماضي لوزراء خارجية دول الساحل الساعية الى كيفية العودة الى المجتمع الدولي بعد أن عزلت نفسها عن محيطها الإقليمي وأصبحت تبحث عن أي قشة تتعلق بها إرضاء لفرنسا التي طردتها من الباب لترحب بعودتها من نافذة المغرب الملكي.
إن المخزن الهائج كالثور المثخن بالجراح يغامر بآخر أوراقه وذلك بجر الدول الاستعمارية الى المواجهة المباشرة مع الشعب الصحراوي بتقديم نفسه عراب مصالح هذه الدول في الغرب والساحل الأٍفريقي وبغية تثبيت الممر الاقتصادي ذا الواجهة الأطلسية الذي تجاوزت الدعاية له الإعلام المروكي الى تبنيه من طرف الإعلام الغربي خاصة الفرنسي والإسباني الذي أصبح يروج “للخير العميم ” الذي سيغدقه على دول الساحل والغرب الأفريقي التي ستجد حسب رأي هذا الإعلام متنفسا عبر الممر الأطلسي المزعوم. بالتالي يكون المخزن قد ضرب عصفورين بحجر واحد:ترسيخ وجوده الاستيطاني في الصحراء الغربية و تقديم خدمة يشكر عليها للغرب في صراعه على النفوذ أمام المد الروسي الصيني في المنطقة.
إن جشع الدول الغربية في التعجيل بإنجاز الممر الاقتصادي العابر لفلسطين لم يؤخر فقط حل المشكل الفلسطيني، بل وضع وجود الشعب الفلسطيني وقضيته في خطر الدفن والإقبار مما حمّل المقاومة أكثر من طاقتها وأرغمها على الدفع بكل قوتها من أجل البقاء والوجود. إن السيناريو نفسه يسعى نظام المخزن أن يُجربه في الصحراء الغربية،من ” التدبير الى التغيير” كما قال رمز النظام في آخر خطاب له أي تغيير قواعد اللعبة بعد إبطال سيادته بحكم القانون على الإقليم. إن المتوقع هو إقدام الاحتلال على مغامرة خطيرة تستهدف استئصال مرتكزات وقواعد الكفاح الوطني الصحراويو القضاء على مقاومته أو على الأقل تقليل فعاليتها وحشرها في الزاوية. هذا هو المطلوب من نظام المخزن أوروبيا وإسرائيليا حتى تتم السيطرة على افريقيا من مدخلها الغربي ليتسع بعد ذلك الى شمالها ولتُحكم كفي الكماشة على الوطن العربي من شرقه الى غربه.
إن طوفان الغدر والعدوان لا شك قادم، ونظام الاحتلال المغربي المحمي من طرف الأوروبيين الذين خسروا قانونيا أمام جبهة البوليساريو وفقدوا مرتكزاتهم في إفريقيا، سيلجئون الى القوة لفرض ما عجزوا عن تحقيقه بالقانون والمناورة السياسية والتدخل العسكري. لا محالة سيدفعون هذا النظام اليأس والمهترئ الى مغامرة في المنطقة غير محسوبة العواقب.بالمقابل لم يبق للشعب الصحراوي غير التحرر من أوهام الحل السياسي المتفق عليه،والاستعداد لحرب الوجود من أجل احترام الحدود.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post الممرات الاقتصادية: اللعبة الخطيرة appeared first on الشروق أونلاين.