باتنة: أطلال سجن النساء بتفلفال تذكر بهمجية الاستعمار الفرنسي
باتنة - توثق شهادات حية لمعتقلات بسجن النساء بتفلفال الذي استحدثه الاستعمار الفرنسي إبان الثورة التحريرية وزج فيه بنساء المجاهدين في أغسطس من سنة 1955 بغسيرة (باتنة) لهمجية الاحتلال الفرنسي ووحشيته في التعامل حتى مع النساء والأطفال. وكشفت بعضهن لوأج بمرارة عن فضاعة المكان ومعاناتهن النفسية والجسدية داخل أسوار هذا المعتقل الفريد من نوعه وقتها لاسيما لياليه البيضاء الطويلة المليئة بالكوابيس المرعبة التي مازالت تلاحقهن في الأحلام واليقظة على الرغم من أنهن غادرناه منذ 63 سنة ليصبح ذكرى مؤلمة وجرح لا يندمل, كما أكدن. "فكلما حل الظلام, تقول زينب برسولي البالغة من العمر 85 سنة, يمر في مخيلتي السجن. فأنا أصبحت أخاف حتى من نور المصباح الذي يذكرني بهجوم الجنود الفرنسيين علينا بالمعتقل في كل ليلة مصحوبين بعناصر اللفيف الأجنبي بحجة تفقدنا لكن في الواقع لتخويفنا والاعتداء علينا بالضرب والتهديد وسط صراخ الأطفال الصغار دون شفقة أو رحمة". أما جمعة سليماني (95 سنة) فقالت : "أرتعد خوفا وأجهش بالبكاء كلما تذكرت فترة وجودي بالمعتقل بعيدة عن أهلي وأطفالي الصغار وأصاب أحيانا بالذهول ولا أستطيع الحراك وما زلت إلى اليوم أغمض عيناي عند مروري بالسيارة على منطقة تفلفال حتى لا أرى هذه القرية التي تذكرني بسنوات الإعتقال وحياتي القاسية خلالها" . وبالنسبة لحلماط مباركة (97 سنة), فإن أبشع صورة رسخت في ذاكرتها كانت منظر الأشلاء المختلطة بالأتربة للشهيدات سايغي رقية ومفتاح عائشة وقريبتها رقية ووزاني محبوبة وكذا بلعايش فطيمة وإبنيها الصغيرين أحمد وفاطمة في جريمة تفجير المعتقل فوق رؤس السجينات وقنبلته بالهاون في 26 سبتمبر 1955 انتقاما من المجاهدين الذين كبدوا العدو خسائر معتبرة في الهجوم على مركز لعساكره بتفلفال وقتلهم ضابط برتبة ملازم. وأضافت مباركة "بلغ رعبنا مداه في تلك الليلة المشؤومة وكانت فاجعتنا كبيرة لكن ما زاد في قساوة اليوم والليلة التي قضيناها بين الجثث وعديد الجريحات لجوء الجنود الفرنسيين إلى قتل الحيوانات ورميها علينا داخل المعتقل مما فاقم من الروائح الكريهة التي جعلتنا نصاب بالغثيان وننهار أمام أعين العدو الذي ظل يراقبنا بتلذذ دون أن يحرك ساكنا, بل لم يكفه تدمير المعتقل فعمد إلى حرق منازل القرى المجاورة وتهجير ساكنيها". ضغط على المجاهدين وتضييق على الثورة التحريرية وأكد مجاهدون من المنطقة أن قوات الاحتلال الفرنسي آنذاك شنت عقب الفاتح من نوفمبر1954 حملات مداهمة واسعة بغسيرة لإسترجاع الأسلحة من مخلفات الحرب العالمية الثانية. ولما أيقنت بأن القتل وحرق القرى ونهب الممتلكات لم يثن السكان عن الإلتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني, اهتدت بإيعاز من الخونة "الحركى" إلى استحداث سجن للنساء الذي أقامته بقرية تفلفال للضغط على المجاهدين والتضييق على الثورة. و قد وصفت بعض السجينات ومنهن عبيد الله ذهبية ونصراوي هنية والشامخة بن رحمون المعتقل بأنه كان منزلا كبيرا يضم 10 غرف وساحة (حوش) خال من أبسط الضروريات تم نهبه من أحد السكان وحولت إليه في البداية حوالي 20 امرأة. وكان على نزيلات سجن تفلفال, تضيف المتحدثات, الإلتحاق به دون أطفالهن ما عدا الرضع والذين يقل عمرهم عن ثلاث سنوات مع غروب شمس كل يوم للمبيت فيه في ظروف لا إنسانية إلى غاية صباح اليوم الموالي ليعدن إلى مساكنهن دون مراعاة البعد أو تضاريس المنطقة الوعرة. وفي كل ليلة, تتم المناداة من طرف الجنود الفرنسيين على النساء اللواتي زج بهن في المعتقل والتي تتخلف تتعرض للعقاب وقد يطلق عليها النار. ولم تنته مآسي النزيلات بإنهيار المعتقل الأول, تردف ذات المتحدثات, لأن العدو فتح معتقلا جديدا بالمكان المسمى "إسقسوقن" بتفلفال وتم فيه جمع زوجات مجاهدي غسيرة وما جاورها وفاق عددهن ال 300 امرأة وفرض عليهن الإقامة الجبرية فيه ولا يغادرنه إلا لثلاث أو أربع ساعات لجلب الطعام لهن ولإطفالهن لأن المستعمر لا يوفر أدنى الضروريات بالسجن الذي بقين فيه إلى غاية الاستقلال. وأكد عديد مجاهدي غسيرة لوأج ومنهم لخضر فلوسي أن موقع المعتقل (المحاذي للطريق الوطني رقم 31 بمقطعه العابر لبلدية غسيرة بإتجاه مشونش ببسكرة) كان محصنا وقتها بمركز تفلفال العسكري مما حال دون نجاح محاولات المجاهدين العديدة للهجوم عليه. لكن وإذا لم يبق اليوم من هذا المعتقل سوى الأطلال, فإن جدارية ضخمة بأسماء وصور المعتقلات اللواتي ذقن بين أسواره الرهيبة أنواعا من التعذيب النفسي والجسدي تم نصبها بمدخل بلدية غسيرة عرفانا وتخليدا لتضحياتهن من أجل استقلال الجزائر ولتذكير زوار المنطقة والعالم بسجن النساء بتفلفال الذي سيبقى وإلى الأبد وصمة عار تزيد من سواد تاريخ فرنسا الإستعمارية.

باتنة - توثق شهادات حية لمعتقلات بسجن النساء بتفلفال الذي استحدثه الاستعمار الفرنسي إبان الثورة التحريرية وزج فيه بنساء المجاهدين في أغسطس من سنة 1955 بغسيرة (باتنة) لهمجية الاحتلال الفرنسي ووحشيته في التعامل حتى مع النساء والأطفال.
وكشفت بعضهن لوأج بمرارة عن فضاعة المكان ومعاناتهن النفسية والجسدية داخل أسوار هذا المعتقل الفريد من نوعه وقتها لاسيما لياليه البيضاء الطويلة المليئة بالكوابيس المرعبة التي مازالت تلاحقهن في الأحلام واليقظة على الرغم من أنهن غادرناه منذ 63 سنة ليصبح ذكرى مؤلمة وجرح لا يندمل, كما أكدن.
"فكلما حل الظلام, تقول زينب برسولي البالغة من العمر 85 سنة, يمر في مخيلتي السجن. فأنا أصبحت أخاف حتى من نور المصباح الذي يذكرني بهجوم الجنود الفرنسيين علينا بالمعتقل في كل ليلة مصحوبين بعناصر اللفيف الأجنبي بحجة تفقدنا لكن في الواقع لتخويفنا والاعتداء علينا بالضرب والتهديد وسط صراخ الأطفال الصغار دون شفقة أو رحمة".
أما جمعة سليماني (95 سنة) فقالت : "أرتعد خوفا وأجهش بالبكاء كلما تذكرت فترة وجودي بالمعتقل بعيدة عن أهلي وأطفالي الصغار وأصاب أحيانا بالذهول ولا أستطيع الحراك وما زلت إلى اليوم أغمض عيناي عند مروري بالسيارة على منطقة تفلفال حتى لا أرى هذه القرية التي تذكرني بسنوات الإعتقال وحياتي القاسية خلالها" .
وبالنسبة لحلماط مباركة (97 سنة), فإن أبشع صورة رسخت في ذاكرتها كانت منظر الأشلاء المختلطة بالأتربة للشهيدات سايغي رقية ومفتاح عائشة وقريبتها رقية ووزاني محبوبة وكذا بلعايش فطيمة وإبنيها الصغيرين أحمد وفاطمة في جريمة تفجير المعتقل فوق رؤس السجينات وقنبلته بالهاون في 26 سبتمبر 1955 انتقاما من المجاهدين الذين كبدوا العدو خسائر معتبرة في الهجوم على مركز لعساكره بتفلفال وقتلهم ضابط برتبة ملازم.
وأضافت مباركة "بلغ رعبنا مداه في تلك الليلة المشؤومة وكانت فاجعتنا كبيرة لكن ما زاد في قساوة اليوم والليلة التي قضيناها بين الجثث وعديد الجريحات لجوء الجنود الفرنسيين إلى قتل الحيوانات ورميها علينا داخل المعتقل مما فاقم من الروائح الكريهة التي جعلتنا نصاب بالغثيان وننهار أمام أعين العدو الذي ظل يراقبنا بتلذذ دون أن يحرك ساكنا, بل لم يكفه تدمير المعتقل فعمد إلى حرق منازل القرى المجاورة وتهجير ساكنيها".
ضغط على المجاهدين وتضييق على الثورة التحريرية
وأكد مجاهدون من المنطقة أن قوات الاحتلال الفرنسي آنذاك شنت عقب الفاتح من نوفمبر1954 حملات مداهمة واسعة بغسيرة لإسترجاع الأسلحة من مخلفات الحرب العالمية الثانية. ولما أيقنت بأن القتل وحرق القرى ونهب الممتلكات لم يثن السكان عن الإلتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني, اهتدت بإيعاز من الخونة "الحركى" إلى استحداث سجن للنساء الذي أقامته بقرية تفلفال للضغط على المجاهدين والتضييق على الثورة.
و قد وصفت بعض السجينات ومنهن عبيد الله ذهبية ونصراوي هنية والشامخة بن رحمون المعتقل بأنه كان منزلا كبيرا يضم 10 غرف وساحة (حوش) خال من أبسط الضروريات تم نهبه من أحد السكان وحولت إليه في البداية حوالي 20 امرأة.
وكان على نزيلات سجن تفلفال, تضيف المتحدثات, الإلتحاق به دون أطفالهن ما عدا الرضع والذين يقل عمرهم عن ثلاث سنوات مع غروب شمس كل يوم للمبيت فيه في ظروف لا إنسانية إلى غاية صباح اليوم الموالي ليعدن إلى مساكنهن دون مراعاة البعد أو تضاريس المنطقة الوعرة. وفي كل ليلة, تتم المناداة من طرف الجنود الفرنسيين على النساء اللواتي زج بهن في المعتقل والتي تتخلف تتعرض للعقاب وقد يطلق عليها النار.
ولم تنته مآسي النزيلات بإنهيار المعتقل الأول, تردف ذات المتحدثات, لأن العدو فتح معتقلا جديدا بالمكان المسمى "إسقسوقن" بتفلفال وتم فيه جمع زوجات مجاهدي غسيرة وما جاورها وفاق عددهن ال 300 امرأة وفرض عليهن الإقامة الجبرية فيه ولا يغادرنه إلا لثلاث أو أربع ساعات لجلب الطعام لهن ولإطفالهن لأن المستعمر لا يوفر أدنى الضروريات بالسجن الذي بقين فيه إلى غاية الاستقلال.
وأكد عديد مجاهدي غسيرة لوأج ومنهم لخضر فلوسي أن موقع المعتقل (المحاذي للطريق الوطني رقم 31 بمقطعه العابر لبلدية غسيرة بإتجاه مشونش ببسكرة) كان محصنا وقتها بمركز تفلفال العسكري مما حال دون نجاح محاولات المجاهدين العديدة للهجوم عليه.
لكن وإذا لم يبق اليوم من هذا المعتقل سوى الأطلال, فإن جدارية ضخمة بأسماء وصور المعتقلات اللواتي ذقن بين أسواره الرهيبة أنواعا من التعذيب النفسي والجسدي تم نصبها بمدخل بلدية غسيرة عرفانا وتخليدا لتضحياتهن من أجل استقلال الجزائر ولتذكير زوار المنطقة والعالم بسجن النساء بتفلفال الذي سيبقى وإلى الأبد وصمة عار تزيد من سواد تاريخ فرنسا الإستعمارية.