جنازة مهيبة لمروة عرفتها قسنطينة والقصاص على لسان الجميع
في أضخم جنازة عرفتها مدينة قسنطينة منذ سنوات، شيّعت ما بعد عصر الاثنين، جنازة المغدور بها التلميذة مروة بوغاشيش في مقبرة “زواغي سليمان” بقسنطينة، في حضور شعبي ورسمي، شارك فيه الجزائريون من كل مكان، استهلوا التشييع بالتكبير الذي دوى من حناجر الآلاف، وختموه بصيحات القصاص في حق مرتكب أو مرتكبي هذه الجريمة التي مزّقت الأفئدة. […] The post جنازة مهيبة لمروة عرفتها قسنطينة والقصاص على لسان الجميع appeared first on الشروق أونلاين.


في أضخم جنازة عرفتها مدينة قسنطينة منذ سنوات، شيّعت ما بعد عصر الاثنين، جنازة المغدور بها التلميذة مروة بوغاشيش في مقبرة “زواغي سليمان” بقسنطينة، في حضور شعبي ورسمي، شارك فيه الجزائريون من كل مكان، استهلوا التشييع بالتكبير الذي دوى من حناجر الآلاف، وختموه بصيحات القصاص في حق مرتكب أو مرتكبي هذه الجريمة التي مزّقت الأفئدة.
وقد فجّرت والدة مروة المشاعر بمجرد أن خرجت الصغيرة من بيتها الذي عاشت ولعبت فيه ونهلت من العلم، فكانت دائما من المتفوقات في دراستها، عندما كانت تصيح “بنتي.. بنتي.. بنتي ما تروحيش بنتي”، ثم دخلت في غيبوبة، وحاول والد مروة أن يرسم الصبر على محياه، ولكنه كان ينهار في كل لحظة، في مشهد عذّب فعلا كل الذين حضروا هذه الجنازة الصعبة.
في جنازة مروة، شاهدنا كل ألوان الحزن، طفل في العاشرة من دون ولي ولا رفيق جاء من بلدية حامة بوزيان، ليحضر الجنازة وهو لا يتوقف عن البكاء والدعاء لها ببراءة، وشيخ قارب القرن من عمره، تمنى لو قلص الله من عمره، ومنح الصغيرة مروة ما يكفيها للحياة والنجاح، وشباب وكهول يتشبثون بالتكبير ثم يندفعون نحو والد مروة ليرسموا على جبينه قبلة مواساة، وهم أيضا في الحقيقة في حاجة إلى مواساة.
القصاص ثم القصاص
في جنازة مروة بوغاشيش، تذكر المشيّعون ما حدث في الـ17 سنة الأخيرة من جرائم مشابهة بعاصمة الشرق، أولاها حدثت في 19 جانفي من سنة 2008، بالمدينة الجديدة ماسينيسا بقسنطينة عندما اختطف وحش آدمي الصغير ياسر جنحي الذي لم يدخل المدرسة بعد، من أمام باب بيته في عمارة يقطن فيها الجاني أيضا واعتدى عليه وقتله، وحكم على الجاني بالإعدام بعد محاكمة غطتها “الشروق”، في ذلك الوقت، ومرورا بحادثة قتل الصغيرين هارون وإبراهيم بالمدينة الجديدة علي منجلي بولاية قسنطينة في 12 مارس من سنة 2013 من طرف الجانيين “مامين وكاتاستروف” وحكم عليهما أيضا بالإعدام، ومازالا مثل قاتل ياسر على قيد الحياة.
الفاجعة نفسها والجرح نفسه، ومشهد الجنازة تشابه شعبيا ورسميا، ولكن الجديد هي كلمة القصاص التي تعالت هذه المرة وبقوة، وكان من بين المركزين على وجوب تطبيق القصاص الشيخ محمد بن مصطفى بن عبد الرحمان، إمام جامع “عمرو بن العاص” بقسنطينة، الذي تولى تأبين الشهيدة مروة، حيث تلا: “ولكم في القصاص حياة” وغيرها من الآيات التي تشرح بأن القصاص حكم رباني يحمي من في الأرض.
فقد حكم على قاتل ياسر وقاتلي هارون وإبراهيم، بالإعدام من دون تنفيذ، والجرائم متواصلة، على حد تعبير أحد أقارب مروة الذي قال: “مروة سافرت من غير رجعة، والله من يتولاها، لكن كيف حال البقية من عالم البراءة؟”.
السيرة الذاتية للطفلة البريئة التي كانت على لسان جيرانها وأساتذتها طغت على مراسيم التشييع بين من سماها “ملاك البسمة” ومن أطلق عليها “عصفورة الأمل”، خاصة من تلاميذ القسم الذي تتمدرس فيه، وأنهت سنتها بامتياز وانتقلت إلى السنة الثالثة متوسط ولكن انتقالها إلى رحمة الله سبقتها ومنعت عنها مواصلة دراستها وتوقف مشروع الموهوبة والنابغة في مهده، حيث أجمع مدير المتوسطة التي كانت تلميذة في أقسامها وكل الأساتذة الذين تمدرست لديهم بأن تفوقها الدراسي كان طاغيا وممزوجا بإرادتها الفولاذية في أن تكون الأحسن دائما وذكاءها وتركيزها في الإكمالية بدليل أنها لا تنقل أبدا إلى المتوسطة هاتفها النقال بل تتركه في البيت، من أجل التركيز على المواد العلمية التي تتلقاها.
كل الحكايات التي رويت عن الصغيرة الراحلة في بيتي العزاء بالزيادية وسيدي مبروك، وقبل وخلال وبعد الجنازة، زادت من حسرة المشيّعين والمعزين الذين ذرفوا الدموع، وأطلقوا تنهيدة اختتمت بكلمة “القصاص”.
بقدر ما نال العزاء والترحم على روح مروة ومواساة والديها وأهلها النصيب الأكبر من مشهد الجنازة المهيبة، بقدر ما فجّر الكثيرون، إن لم نقل الجميع، جام غضبهم على صفحات الإشاعات داخل وخارج الوطن، من الذين بحثوا عن “الإعجاب” على حساب روح وشرف الصغيرة التي لم تتعد سن الطفولة بعد.
حيث قال أحد المحامين المعتمدين في ناحية قسنطينة لـ”الشروق”، أنه هو ومجموعة من المحامين متطوعين، إن وجدوا الضوء الأخضر من عائلة الضحية، سيتابعون ويقاضون الذين نشروا الإشاعة القاذفة في شرف عائلة حزينة، والمضللة للتحقيقات التي باشرتها مصالح الأمن، وكان والد الصغيرة مروة قد اتصل قبل أيام من التأكّد من مقتل ابنته بـ”الشروق” وقال من خلال حديثه، إن العائلة قد قررت متابعة كل من يخوض في قضية ابنته المتوفية مروة بنسج الإشاعات والنيل من شرف العائلة.
الشيخ محمد مصطفى بن عبد الرحمان، إمام مسجد “عمرو بن العاص” بقسنطينة، قال في كلمة لـ”الشروق”، أنه لا فرق بين قاتل مروة وناشر الإشاعة وذكر الحديث الذي يمنع الإيمان عن الطعان واللعان، وحذر من شبكات التواصل الاجتماعي التي تبحث عن الشهرة بنسج الكذب.
بينما بلغ الغضب مداه لدى أفراد أسرة مروة وعامة الناس من أحد “المؤثرين” ووصفوه بـ”المجرم”، عندما راح ينسج من خياله مسرحية عن هروب مروة البريئة وهي في تلك اللحظات تحت التراب، مطالبا بحملة شعواء لا تراجع فيها ضد هذا “المؤثر” وضد من كرر خطيئته إلى أن يتم جرّه إلى أرض الوطن ومعاقبته، مثله مثل مرتكب جريمة القتل والتنكيل والدفن.
ما طفا على دموع قسنطينة منذ فاجعة مروة بعد تأكيد محكمة قسنطينة تصفيتها مساء الأحد، هو مشاهدة القليل من الأطفال والكثير من الحرص من طرف الأولياء في شوارع سيرتا، فقد كانت قسنطينة شبه شاغرة من الأطفال في اليومين الأخيرين أو على الأقل من أصواتهم التي تصنع البهجة والفرح، حيث كانوا برفقة أوليائهم، عند الخروج واللعب، بينما قامت الكثير من العائلات بإلغاء أو تأجيل احتفالاتهم بنجاح أبنائهم وبناتهم في امتحان السنة الرابعة متوسط.
يذكر أن الضحية مروة بوغاشيش كانت تتمدرس في السنة الثانية متوسط، وبمعدلات لا تنزل إلا نادرا عن الـ17 من عشرين، وهي متفوقة في كل المواد، باعتراف كل أساتذتها وأيضا والديها المنتمين إلى الأسرة التربوية، وكانت قد سهرت يوم الأربعاء إلى غاية منتصف الليل، من أجل الحفظ والمراجعة، قبل اليوم المشؤوم، تحفظ دروس آخر مادة من امتحانات الثلاثي الأخيرة، وأجرت امتحانها فعلا في صبيحة الخميس المشؤوم ثم خرجت، وللأسف، لم تعد.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post جنازة مهيبة لمروة عرفتها قسنطينة والقصاص على لسان الجميع appeared first on الشروق أونلاين.