“شكرًا” فرنسا على سجل أسود مُلطخ بالدم !

في تصريحات أثارت عاصفة من الجدل، أطلق الرئيس  إيمانويل ماكرون في فرنسا عباراتٍ اعتُبرت استعلائية، مشيراً إلى أن “لولا التدخل العسكري الفرنسي في افريقيا ، لما كان لأي من القادة الأفارقة أن يحكم اليوم دولة ذات سيادة”، مضيفاً بنبرة ساخرة “لا يهم، سيأتي الشكر مع الوقت”. هذه الكلمات، التي جاءت في سياق الحديث عن العلاقات […] The post “شكرًا” فرنسا على سجل أسود مُلطخ بالدم ! appeared first on الجزائر الجديدة.

مايو 5, 2025 - 15:27
 0
“شكرًا” فرنسا على سجل أسود مُلطخ بالدم !

في تصريحات أثارت عاصفة من الجدل، أطلق الرئيس  إيمانويل ماكرون في فرنسا عباراتٍ اعتُبرت استعلائية، مشيراً إلى أن “لولا التدخل العسكري الفرنسي في افريقيا ، لما كان لأي من القادة الأفارقة أن يحكم اليوم دولة ذات سيادة”، مضيفاً بنبرة ساخرة “لا يهم، سيأتي الشكر مع الوقت”.

هذه الكلمات، التي جاءت في سياق الحديث عن العلاقات الفرنسية الأفريقية، وتحديداً في ظل التوتر المتزايد حول التدخل العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، أشعلت فتيل غضب أفريقي واسع. ردود الفعل لم تتأخر، حيث استنكر قادة أفارقة ومحللون هذه التصريحات، معتبرين إياها استخفافاً بالتاريخ الأفريقي، وتجاهلاً لتضحيات شعوب القارة في نيل استقلالها. رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو، كان من بين أبرز المنتقدين، حيث ذكّر فرنسا بدور الجنود الأفارقة في تحريرها خلال الحرب العالمية الثانية، قائلاً “لولا مساهمة الجنود الأفارقة في الحرب العالمية الثانية في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي لربما كانت فرنسا اليوم لا تزال مستعمرة ألمانية”.

هذا الجدل المتصاعد، الذي عبرت عنه دول مثل تشاد بـ”قلقها العميق” إزاء “موقف الازدراء تجاه أفريقيا والأفارقة”، يعيد إلى الأذهان تاريخاً استعمارياً دامياً، ويطرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة العلاقات الفرنسية الأفريقية في القرن الحادي والعشرين. في هذا التحقيق الاستقصائي، نغوص في أعماق هذا التاريخ، ونكشف عن حقائق طالما طُمست، لنرسم صورة أكثر وضوحاً للعلاقات الفرنسية الأفريقية والجزائر تحديدا ، ونستكشف سوية قصة مقاومة شعب ابي رفض الخضوع والخنوع اسمه الشعب الجزائري.

يغوص هذا التحقيق الاستقصائي في أعماق الذاكرة المثقلة بالدماء. لنفتح ونتصفح سجلًا أسودًا، مُلطخًا بدماء ملايين الأبرياء، ونوجه “شكرًا” خاصا ، مُطعما بالسخرية اللاذعة، لفرنسا الاستعمارية على “إرثها” الثقيل في الجزائر. منذ أن وطأت أقدام الغزاة شواطئنا عام 1830، لم تحمل فرنسا سوى الموت والدمار. “شكرًا” لجيوشكم التي مارست الإبادة الجماعية على نطاق لم يعرفه تاريخنا من قبل. “شكرًا” على قرى بأكملها مُحيت من الوجود، وعلى قبائل استُئصلت جذورها، وعلى أجيال كاملة عانت من ويلات القمع والتهجير. وحدة الهدف وتنوع الأساليب: كيف قاوم الجزائريون الاحتلال الفرنسي؟ شهدت الجزائر عبر تاريخها سلسلة متواصلة من المقاومات الشعبية الباسلة ضد الاحتلال الفرنسي، بدأت شرارتها الأولى بمقاومة الأمير عبد القادر (1832-1847) في غرب ووسط البلاد، تلتها مقاومة أحمد باي (1837-1848) في الشرق، وبرز دور الزوايا في تحريك الوعي وتنظيم حركات محلية.

وخلال القرن التاسع عشر، تجلت انتفاضات متفرقة في مناطق مختلفة، وصولًا إلى ثورة أولاد سيدي الشيخ (1864-1880) وثورة المقراني (1871-1872) التي كانت من أكبر الانتفاضات وأكثرها شمولية، ثم مقاومة الشيخ بوعمامة (1881-1906) في الجنوب الغربي. ومع مطلع القرن العشرين، تطورت المقاومة نحو أشكال سياسية وثقافية مع ظهور الحركة الوطنية، لتتوج كل هذه التضحيات بثورة التحرير الكبرى (1954-1962) التي قادها الشعب الجزائري ببسالة بقيادة جيش جبهة التحرير الوطني انذاك حتى تحقيق الاستقلال الكامل والشامل . نقول لفرنسا “شكرًا” لسياساتكم الاستيطانية التي سعت لمحو هويتنا وطمس ثقافتنا. “شكرًا” على تحويل مساجدنا إلى كنائس، وعلى محاولة فرض لغتكم وثقافتكم بالقوة، وعلى سعيكم الممنهج و المدروس من اجل تهميش هويتنا وتراثنا العريق. “شكرًا” على العنصرية البغيضة التي مارستموها ضد شعبنا، وعلى التمييز الذي طال كل مناحي حياتنا. “شكرًا” على سنوات الجمر التي أعقبت ثورة التحرير المجيدة. “شكرًا” على التعذيب الوحشي الذي مورس في سجونكم السرية، وعلى الإعدامات الجماعية التي طالت خيرة شبابنا. “شكرًا” على دعمكم للحركى الذين كانوا من بني جلدتنا ولكنهم اختاروا حضنكم وكانوا عونا لكم في سفك دم شعبنا وهم اليوم وابناءهم ينعمون بحمايتكم ودعمكم الغير مشروط مكافاءة لهم على دورهم في دعمكم اثناء حربكم في الجزائر .

“شكرًا” على نهب ثرواتنا وخيرات بلادنا على مدى 132 عامًا. “شكرًا” على استغلال أراضينا ومواردنا الطبيعية لخدمة مصالحكم الخاصة، وتجاهلكم لحقوق شعبنا في التنمية والازدهار. “شكرًا” على محاولاتكم المستمرة لإنكار جرائمكم والتنصل من مسؤولياتكم التاريخية.

“شكرًا” على الخطابات المخادعة التي تسعى لتبييض صفحتكم السوداء، وتصوير الاستعمار كـ “مهمة حضارية” مُباركة. اليوم، ونحن نستذكر هذه الفظائع، لا نملك إلا أن نردد بمرارة: “شكرًا جزيلاً” لفرنسا على هذا “الإرث” الثمين الذي لن يمحوه الزمن من ذاكرتنا.

هذا “الشكر” الساخر هو صرخة مدوية في وجه النسيان، وتأكيد على أن دماء شهدائنا وتضحيات أجدادنا لن تذهب سدى. هذا “الشكر” الخاص هو بمثابة اتهام صارخ لكل من يحاول تجميل الاستعمار أو التقليل من فظائعه. هو تذكير دائم بأن التاريخ لا يرحم، وأن جرائم الماضي ستظل تطارد مرتكبيها حتى يعترفوا بها ويتحملوا مسؤوليتها كاملة. في الجزء الأول من هذا التحقيق الصادم، وجهنا “شكرًا” مُرًّا لفرنسا على “إرثها” الاستعماري الدامي في الجزائر. واليوم، نغوص أعمق في تفاصيل هذا السجل الأسود، مُسلطين الضوء على مجازر مُروعة وأرقام مُوثقة تكشف عن حجم الفظائع التي ارتُكبت بحق شعبنا، مُقدمين “شكرًا”اخر أكثر سخرية وغضبًا يعبر عن درجة المنا ومعاناتنا . الثامن من ماي 1945: يوم الدم الجزائري. في هذا التاريخ المشؤوم، خرج الجزائريون في سطيف وقالمة وخراطة للاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية، مُعتقدين أن فرنسا سترد جميل تضحياتهم بالمزيد من الحقوق. لكن الرد الفرنسي كان قمعًا وحشيًا تحول إلى حمام دم. ففي سطيف، قُتل ما يقارب او يفوق قليلا 45,000 شهيد جزائري. وفي قالمة و خراطة، مارست القوات الفرنسية أبشع أنواع التعذيب والإعدام الجماعي، ليُضاف آلاف الشهداء الآخرين إلى قائمة الضحايا.

“شكرًا” لفرنسا على هذا “الاحتفال” الدموي وعلى المكافأة التي قدمتها لشعب طالب بحقوقه المشروعة. مجزرة باريس (17 أكتوبر 1961): نهر السين يشهد على الجريمة. في قلب فرنسا، تجلى الوجه القبيح للاستعمار عندما خرج آلاف الجزائريين في مظاهرات سلمية ضد حظر التجول العنصري في باريس. رد الشرطة الفرنسية كان همجيًا، حيث تعرض المتظاهرون للضرب والرصاص، وقُتل المئات وأُلقيت جثثهم في نهر السين. رغم محاولات التعتيم الإعلامي، كشفت شهادات الناجين والصور الفوتوغرافية حقيقة هذه الجريمة النكراء.

“شكرًا” لفرنسا على “استضافتها” لنا في عاصمتها وعلى “ترحيبها” بنا بالرصاص الحي وإلقاء جثثنا في النهر، وعلى محاولاتها الدنيئة لطمس هذه الجريمة التي تعتبر بدون ادنى شك جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم . حرب التحرير الجزائرية (1954-1962): ثورة شعب ضد استعمار دامٍ. خلال ما يقارب ثماني سنوات من الكفاح المسلح، قدم الشعب الجزائري تضحيات جسيمة من أجل استعادة حريته. واجه خلالها آلة حرب فرنسية شرسة مارست أبشع أنواع القمع والتعذيب في شبكة واسعة من مراكز التعذيب السرية.

تتراوح التقديرات حول عدد الشهداء الجزائريين الى ما يقارب او يفوق مليون ونصف مليون شهيد. كما لجأت القوات الفرنسية إلى سياسة الأرض المحروقة في بعض المناطق، مما أدى إلى تدمير قرى باكملها وتهجير سكانها. “شكرًا” لفرنسا على “جهودها” ومحاولاتها المستميتة في محاولة “الحفاظ” على الجزائر جزءًا منها، وعلى الوسائل “الإنسانية” التي استخدمتها لتحقيق ذلك. تجارب رقان النووية: إرث مسموم ، هدية وعربون محبة قاتل ومدمر للأجيال القادمة.

في جريمة استعمارية بشعة، نفذت فرنسا 17 تفجيرًا نوويًا في الصحراء الجزائرية بين عامي 1960 و1966، بدءًا بتجربة “اليربوع الأزرق” الهائلة في رقان عام 1960، والتي كانت قوتها تفوق قنبلتي هيروشيما وناغازاكي. ورغم استقلال الجزائر عام 1962، استمرت التجارب في عين إكر حتى عام 1966 بموجب بنود سرية في اتفاقيات ايفيان. هذه التفجيرات لم تحذر السكان المحليين أو تجلهم، مما أدى إلى تعرض آلاف الجزائريين للإشعاعات القاتلة، وما زالت آثارها المدمرة مستمرة حتى اليوم في شكل أمراض سرطانية وتشوهات خلقية وتلوث للتربة والمياه.

تطالب الجزائر فرنسا بالاعتراف الكامل بهذه الجرائم وتقديم تعويضات عادلة للضحايا وتطهير المناطق المتضررة، في حين أن الاعتراف الفرنسي ظل جزئيًا وغير كافٍ، تاركًا جرحًا عميقًا في الذاكرة الجماعية الجزائرية. تجارب رقان النووية شاهد اخر على حنان فرنسا ورحمتها (القاتلة) بالجزائر وشعبها. هذه التجارب التي تجاوزت الحدود في همجيتها وبشاعتها والتي خلفت آثارًا إشعاعية خطيرة لا تزال تهدد صحة السكان والبيئة حتى اليوم. ورغم ذلك، ترفض فرنسا الاعتراف الكامل بمسؤوليتها و ترفض حتى اليوم الاعتراف بجرائمها وتعويض ضحاياها .

“شكرًا” لفرنسا على “شفافيتها”التي لا حدود لها في التعامل مع ملف التجارب النووية( العكس هو الصحيح طبعا) . قائمة “الشكر” تطول… والجراح لا تندمل. إن قائمة المجازر والفظائع التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر أطول من أن تحصيها هذه الفقرات. من قمع الانتفاضات الشعبية إلى مذابح ماي 1945 وحرب التحرير والتجارب النووية، يحمل تاريخنا ندوبًا عميقة.

“شكرًا” لفرنسا على كل قطرة دم أُريقت، وعلى كل روح ازهقت، وعلى كل دمعة أُم ثكلى، وعلى كل طفل يتيم استشهد ابوه على يد زبانية الجيش الفرنسي انذاك ، وعلى كل أرض سُلبت، وعلى كل هوية طُمست. هذا “الشكر” الساخر هو صرخة حق في وجه من يحاولون تزييف التاريخ، وتذكير بأن الذاكرة الجزائرية عصية على النسيان، وأن حقائق الماضي ستظل تطارد فرنسا حتى تعترف بجرائمها وتقدم اعتذارًا يليق بحجم الفظائع. فهل ستفعل فرنسا ذلك يومًا؟ هذا ليس مجرد تقرير صحفي، بل هو صرخة أمة ما زالت آثار الجراح غائرة في جسدها، و”شكر” ساخر مُوجه لمن ظنوا أن بإمكانهم طمس الحقيقة وتزييف التاريخ.

 

The post “شكرًا” فرنسا على سجل أسود مُلطخ بالدم ! appeared first on الجزائر الجديدة.