مالك حداد وظلّ ابن باديس المضيء
عبد اللطيف سيفاوي/ في الذكرى الـ47 لرحيل الأديب الجزائري الكبير مالك حداد (2 جوان 1978 – 2 جوان 2025). يُعد مالك حداد، بلا منازع، من أبرز الروائيين الجزائريين الذين كتبوا باللغة الفرنسية. وُلد في 5 جويلية 1927 بمدينة قسنطينة، وهو ينحدر من منطقة فريكات، ببلدية ذراع الميزان (ولاية تيزي وزو). انتقل والده، الأستاذ سليمان …

عبد اللطيف سيفاوي/
في الذكرى الـ47 لرحيل الأديب الجزائري الكبير مالك حداد (2 جوان 1978 – 2 جوان 2025).
يُعد مالك حداد، بلا منازع، من أبرز الروائيين الجزائريين الذين كتبوا باللغة الفرنسية. وُلد في 5 جويلية 1927 بمدينة قسنطينة، وهو ينحدر من منطقة فريكات، ببلدية ذراع الميزان (ولاية تيزي وزو). انتقل والده، الأستاذ سليمان حداد، إلى قسنطينة ليُدرّس فيها، وفي هذه المدينة العريقة نشأ مالك وتعلّم، وتعلّق بروحها العميقة التي كان يجسّدها الإمام عبد الحميد بن باديس.
ورغم أن مالك حداد كتب جميع رواياته وقصائده باللغة الفرنسية ، إلا أنه لم يكفّ عن اعتبارها منفى أقسى من المنفى الحقيقي، فهو من قال: «المدرسة الاستعمارية تستعمر الروح… عندنا، كلما صنعنا حاملاً للبكالوريا، صنعنا فرنسياً».
بعد استقلال الجزائر سنة 1962، عاد إلى وطنه، واستقر في قسنطينة، حيث ساهم في إثراء الصفحات الثقافية للصحف والمجلات، من بينها أسبوعية “أطلس” ومجلة “نوفمبر”، ثم تولّى من 1965 إلى 1968 إدارة الصفحة الثقافية بجريدة “النصر” الناطقة بالفرنسية آنذاك.
ومن بين أجمل ما كتب، نجد مقالتين رائعتين كرّسهما للإمام عبد الحميد بن باديس، نُشرتا في جريدة “النصر”:
في 3 فيفري 1966، كتب مالك حداد مقالاً مفعماً بالرمزية، قال فيه: «في فجر نوفمبر 1954، لم يكن هناك فقط البندقية. كان هناك أولاً الكلمة.»
ثم يضيف: «الأعظم فينا لم يكن مجرد تعريف. لقد كان هو نفسه برنامجاً.»
لقد عبّر بهذه الكلمات عن مركزية الفكر والثقافة في مشروع التحرير، وعن أن الثورة لم تكن فقط عملاً مسلحاً، بل كانت قبل كل شيء فعلَ وعيٍ وبيان.
وفي 15 أفريل 1967، كتب مالك حداد مقالة أخرى غاية في الرقة والحنين، تحدث فيها عن حضور ابن باديس في الذاكرة الشعبية القسنطينية، قائلاً: «أذكر أولاً، أذكر خصوصاً تلك الدكاكين الصغيرة التي تتذوق فيها العتمة طعم التأمل… في كل مكان، مُعلّقة على الجدران أو موضوعة على الأثاث، صورة الشيخ. وجه جميل رقيق على يد حالمة، ونظرة شوق هادئة… حضوره يمنحنا طمأنينة اليقين.»
ويتابع بقوله: «إنه وليّ، عالم، مرشد، روح… لقد دخل بيته في قلوبنا، في تلك البيوت ذات الأبواب الواطئة، وتحت تلك الأقواس التي تسند أملاً لا يُكسر…»
هكذا رسم مالك حداد، بكلماته المضيئة، صورة روحانية ومجتمعية للشيخ ابن باديس، تتجاوز الكتب والمواعظ، وتُثبت مكانته كضمير حيّ لقسنطينة والجزائر كلها.
إن مالك حداد، وهو يتحدث عن ابن باديس، إنمّا كان يُحيي كرامة شعبه وهويته الثقافية والروحية.
واليوم، في الثاني من جوان 2025، ونحن نستحضر الذكرى السابعة والأربعين لرحيل هذا الأديب الكبير، نستحضر أيضاً تلك الروح التي لم تتخلّ يوماً عن حب الجزائر ولا عن الوفاء لها …