ضياع الشباب بين المخدرات الرقمية والاستهلاكية والتقليدية: لا نجاة إلا بالقرآن
د. بن زموري محمد */ يواجه الشباب في عصرنا الحالي خطرًا متعدد الأوجه يتمثل في الإدمان بجميع أشكاله، سواء كان المخدرات التقليدية التي تدمر الصحة والعقل، أو المخدرات الرقمية التي تبرمج العقول، أو المخدرات الاستهلاكية التي تستعبد الإنسان لنزواته المادية. هذه الأنواع الثلاثة من المخدرات تؤدي إلى انهيار القيم، وانحراف السلوك، وضياع المستقبل. لكن الله …

د. بن زموري محمد */
يواجه الشباب في عصرنا الحالي خطرًا متعدد الأوجه يتمثل في الإدمان بجميع أشكاله، سواء كان المخدرات التقليدية التي تدمر الصحة والعقل، أو المخدرات الرقمية التي تبرمج العقول، أو المخدرات الاستهلاكية التي تستعبد الإنسان لنزواته المادية. هذه الأنواع الثلاثة من المخدرات تؤدي إلى انهيار القيم، وانحراف السلوك، وضياع المستقبل. لكن الله سبحانه وتعالى لم يترك الإنسان دون هدى، بل أنزل القرآن الكريم ليكون النور الذي ينقذه من هذه المهالك، وليهديه إلى الصراط المستقيم.
أولًا: المخدرات التقليدية وخطورتها
1. مفهوم المخدرات وأضرارها الصحية والنفسية
المخدرات هي مواد تؤثر على الجهاز العصبي، وتؤدي إلى تغييرات في الإدراك والسلوك، مما يجعل المتعاطي في حالة من الغياب عن الواقع. تشمل أنواع المخدرات التقليدية الحشيش، الكوكايين، الهيروين، الأمفيتامينات، والمؤثرات العقلية الأخرى.
أضرار المخدرات على الصحة:
• تلف الدماغ والجهاز العصبي: تسبب المخدرات تدهورًا في وظائف الدماغ، وتؤدي إلى ضعف التركيز والذاكرة، وقد تصل إلى الإصابة بأمراض عقلية مزمنة.
• الإدمان الجسدي والنفسي: بمجرد أن يبدأ الشخص في تعاطي المخدرات، يصبح جسمه وعقله معتمدين عليها، مما يجعله غير قادر على العيش بدونها.
• الأمراض الجسدية الخطيرة: تسبب المخدرات أمراضًا مثل التهابات الكبد، ضعف المناعة، أمراض القلب، وقد تؤدي إلى الوفاة بسبب الجرعات الزائدة.
• الاضطرابات النفسية والسلوكية: تؤدي إلى الاكتئاب، القلق، الانفصام، والعدوانية، مما يجعل المدمن خطرًا على نفسه وعلى المجتمع.
2. التأثير الاجتماعي للمخدرات
• تفكك الأسرة: كثير من الأسر تتدمر بسبب إدمان أحد أفرادها، حيث يصبح غير قادر على تحمل المسؤولية، مما يؤدي إلى الطلاق والتشرد.
• انتشار الجريمة: يلجأ المدمن إلى السرقة والعنف للحصول على المال لشراء المخدرات، مما يؤدي إلى زيادة معدل الجرائم في المجتمع.
• ضعف الإنتاجية: الشباب المدمنون لا يستطيعون الدراسة أو العمل بفعالية، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى الإنتاج في المجتمع وزيادة البطالة.
ثانيًا: المخدرات الرقمية… الإدمان غير المرئي
المخدرات الرقمية هي نوع حديث من المخدرات، تعتمد على موجات صوتية ذات ترددات معينة تؤثر على الدماغ، وتحاكي تأثير المخدرات الكيميائية.
مخاطر المخدرات الرقمية:
• تؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق.
• تسبب الإدمان السريع، حيث يحتاج الشخص إلى جرعات أعلى من الأصوات لتحقيق نفس التأثير.
• تعزل الفرد عن المجتمع، مما يؤدي إلى العزلة والانطواء.
• قد تكون مدخلًا لتعاطي المخدرات الحقيقية، حيث يبحث المدمن عن تأثير أقوى بمرور الوقت.
ثالثًا: المخدرات الاستهلاكية… عبودية العصر الحديث
لم يعد الإدمان مقتصرًا على المواد المخدرة، بل أصبح يشمل الاستهلاك المفرط للموضة، والتكنولوجيا، والمنتجات الترفيهية. أصبح الشباب غارقين في سباق لا ينتهي لشراء كل جديد، مما يجعلهم عبيدًا لنمط حياة استهلاكي يلهيهم عن الأهداف الحقيقية للحياة.
كيف يتحول الاستهلاك إلى إدمان؟
• يشعر الشخص بسعادة مؤقتة عند شراء شيء جديد، لكنه سرعان ما يشعر بالحاجة إلى المزيد، مما يدفعه إلى الشراء المتكرر.
• تؤدي الإعلانات التجارية إلى تضخيم هذه النزعة، حيث يتم الترويج لنمط حياة قائم على الاستهلاك المستمر.
• يصبح الاستهلاك وسيلة للهروب من المشاكل النفسية، مما يؤدي إلى تراكم الديون وضغوط مالية هائلة.
رابعًا: لا نجاة إلا بالقرآن الكريم
1. القرآن يحرر الإنسان من عبودية الشهوات
الإدمان يجعل الإنسان عبدًا لرغباته الزائلة، سواء كانت مخدرات تقليدية، أو رقمية، أو استهلاكية. لكن القرآن الكريم يحرر الإنسان من هذه العبودية، ويجعله يدرك أن السعادة الحقيقية تكمن في طاعة الله والرضا بما قسمه.
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ﴾ (الإسراء: 9).
فالقرآن يعلم الإنسان القناعة، ويجعله يفهم أن الدنيا دار ممر، وليست دار مقر.
2. القرآن يمنح الإنسان القوة النفسية والثبات
الشباب الذين يعيشون في فراغ روحي يكونون أكثر عرضة للسقوط في الإدمان، لكن القرآن يمنح الإنسان طمأنينة وسكينة، كما قال تعالى: ﴿أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28).
القرآن يعزز الصبر والتحمل، ويعلم الإنسان كيف يتعامل مع مشاكله بطريقة صحيحة، بدلًا من الهروب إلى المخدرات.
3. القرآن يرسّخ القيم ويمنح البصيرة
في زمن الفوضى والانحرافات الفكرية، يكون القرآن هو الميزان الذي يحمي الشباب من الضياع. فهو يعلمهم معنى الحياة الحقيقية، ويغرس فيهم قيم الصبر، والرضا، والتوازن، مما يجعلهم أكثر وعيًا في مواجهة إغراءات الدنيا.
• يعلم القرآن المسلم أن الحياة دار اختبار، وأن السعادة الحقيقية ليست في جمع المال أو الاستمتاع بالملذات، بل في طاعة الله والعيش وفق أوامره.
• ينمي القرآن في الإنسان القدرة على التحكم في رغباته، فلا يصبح عبدًا لها، بل سيدًا عليها.
• يغرس القرآن في القلوب حب الخير والإنفاق في سبيل الله، مما يجعل الإنسان أكثر وعيًا في إنفاق أمواله، بدلًا من هدرها في أشياء لا تعود عليه بالنفع.
وأخيرا
في عالم تنتشر فيه أشكال الإدمان، سواء المخدرات التقليدية التي تقتل الجسد، أو المخدرات الرقمية التي تسيطر على العقل، أو المخدرات الاستهلاكية التي تستعبد النفوس، لا يجد الإنسان طوق النجاة إلا في القرآن الكريم.
القرآن هو الدواء لكل أمراض العصر، وهو النور الذي يخرج الإنسان من ظلمات الإدمان إلى نور الهداية والاستقامة. إذا أراد الشباب النجاة من هذا الضياع، فعليهم أن يجعلوا القرآن رفيقهم الدائم، وأن يعيدوا بناء علاقتهم به، ليس فقط بالقراءة، بل بالتدبر والتطبيق.
يقول الله تعالى: ﴿فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ﴾ (طه: 123).
فمن جعل القرآن منهجه في الحياة، نجا من الفتن، وعاش حياة حقيقية مليئة بالطمأنينة والرضا.