لم يجعَلْ شفاءكم فيما حرَّمَ عليكم

الشيخ نــور الدين رزيق/ آفةُ كثير من المجتمعاتِ اليومَ: هي الخمر والمسكراتُ والمخدِّرات، أمُّ الخبائثِ والكبائرِ، وأصلُ الشرورِ والمصائبِ، أجمع على ذمِّها العقلاءُ منذ عهدِ الجاهليَّةِ، وترفَّعَ عنها النبلاءُ من قَبْلِ الإسلام، فلمّا جاء الإسلامُ ذمَّها وحرَّمها ولعنَها، ولعنَ شاربَها وعاصرَها ومعتصـرَها وحاملَها والمحمولةَ إليه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِـرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ …

أغسطس 11, 2025 - 15:07
 0
لم يجعَلْ شفاءكم فيما حرَّمَ عليكم

الشيخ نــور الدين رزيق/

آفةُ كثير من المجتمعاتِ اليومَ: هي الخمر والمسكراتُ والمخدِّرات، أمُّ الخبائثِ والكبائرِ، وأصلُ الشرورِ والمصائبِ، أجمع على ذمِّها العقلاءُ منذ عهدِ الجاهليَّةِ، وترفَّعَ عنها النبلاءُ من قَبْلِ الإسلام، فلمّا جاء الإسلامُ ذمَّها وحرَّمها ولعنَها، ولعنَ شاربَها وعاصرَها ومعتصـرَها وحاملَها والمحمولةَ إليه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِـرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ}.
والخمرُ كلُّ ما خامرَ العقلَ مهما كان نوعُه وأيًّا كان اسمُه؛ قالﷺ: (كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلُّ خمرٍ حرامٌ)رواه مسلم، وعن جابرٍ أن النبيَﷺ قال: (كلُّ مسكرٍ حرام، إنّ على الله عزَّ وجلَّ عهدًا لمن يشـربُ المسكرَ أن يَسْقيَه من طِيْنَةِ الخَبَالِ)، قالوا: يا رسول الله، وما طينةُ الخبال؟ قال: (عَرَقُ أهلِ النارِ) أو: (عُصَارةُ أهلِ النارِ). رواه مسلم.
كما حرم الإسلام المخدرات، بأنواعها المختلفة، من حشيش وأفيون وكوكايين وحبوب، إلى غير ذلك من الأنواع المخدرة، التي تفقد الوعي، وتغيب العقل؛ لأنها تتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية. وفي عصر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن هناك مخدرات، ولم تكن معروفة؛ ولم تذكر في القرآن الكريم كلمة مخدرات؛ ولكن جمهور الفقهاء، بذلوا قصارى جهدهم لتعرف حكمها، معتمدين على ما استنبطوه من النصوص العامة والقواعد الكلية، في التشريع الإسلامي.
ولقد اتفق العلماء، في مختلف المذاهب الإسلامية، على تحريم المخدرات، بشتى أنواعها. وأفتوا أن تعاطيها من الكبائر، يستحق مرتكبه المعاقبة، في الدنيا والآخرة.
والمخدّراتُ بأنواعِها شرٌّ من الخمر؛ فهي تُفسدُ العقلَ، وتدمَّرُ الجسدَ، وتُذهب المالَ، وتقتُل الغيرةَ، فهي تشارك الخمرَ في الإسكارِ، وتزيدُ عليها في كثرةِ الأضْرَارِ، وقد أجمع الناسُ كلُّهم من المسلمين والكفَّار على ضررِ الـمُسْكِراتِ والمخدِّراتِ ووبالِها على الأفرادِ والمجتمعات، وتنادتْ لحربِها جميعُ الدولِ وتعاهدتْ، وأدرك الجميعُ مخاطرَها، ولقد ذكر العلماء أن أكل الحشيشة حرام ويجب على آكلها التعزير والزجر، وقال ابن تيمية: إن الحشيشة أول ما ظهرت في آخر المئة السادسة من الهجرة حين ظهرت دولة التتار، وهي من أعظم المنكر وشرٌّ من الخمر في بعض الوجوه؛ لأنها تورث نشوة ولذة وطرباً كالخمر، ويصعب الفطام عنها أكثر من الخمر».
وقال عن الحشيشة «يُجلَد صاحبها كما يُجلَد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج حتى يصير في الرجل تخنُّث ودياثة وغير ذلك من الفساد «السياسة الشرعية»(ص108).
إِنَّ الْمُخَدِّرَاتِ بأنواعها –من حشيش و حبوب و اقراص المهلوسة- آفَةٌ تَبْدَأُ بِالاسْتِطْلَاعِ، وَمِنْ ثَمَّ التَّعَاطِي، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إِلَى الْإِدمَانِ، وَلَمَّا كَانَ التَّعَاطِي يَنْتَقِلُ إِلَى الشَّخْصِ مِنْ خِلَالِ الرُفَقَاءِ، فَإِنَّ عَلَى الشَّبَابِ أَنْ يَحْذَرُوا مُرَافَقَةَ أَهْلِ السُّوءِ.
فحديث «إن الله لم يجعَلْ شفاءكم فيما حرَّمَ عليكم» ضعيف لا يصح إلا أن هناك في الصحيح «صحيح مسلم» من الحديث ما يغني عن هذا؛ وهو: «نهى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – عن الدواء الخبيث».
لِمَاذَا يُقدِمُ الإِنْسَانُ عَلَى تَعَاطِي المخدّرات؟ ذلك أَنَّ هُناك أَسْبَابًا كَثِيَرةً، مِنْهَا:
أولًا: الْبَحْثُ عَنْ السَّعَادَةِ: فَالْمُتَعَاطِي يَبْحَثُ عَنِ السَّعَادَةِ الْوَهِمِيَّةِ عَنْ طَرِيقِ المُخدِّراتِ الَّتي تَغَيِّبُهُ عَنْ وَاقِعِهِ، وَتَجْعَلُهُ يُحَلِّقُ فِي عَالَمِ الْخَيَالِ، وَيَشْعُرُ بِسَعَادَةٍ كَاذِبَةٍ مُؤَقَّتَةٍ لِأَنَّهُ اِبْتَعَدَ عَنْ مَشَاكِلِهِ الَّتِي عَجَزَ عَنْ مُوَاجَهَتِهَا، وَهَذَا حَلٌّ مُؤَقَّتٌ، وَسَعَادَةٌ زَائِفَةٌ؛ ثُمَّ يَعْقُبُهَا الْعَذَابُ؛ فَمَا جَعَلَ اللهُ شِفَاءَ الْأُمَّةَ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا.
ثانيًا: التَّدْخِينُ: حَيْثُ يُعْتَبَرُ بَوَّابَةَ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ، وَثَبَتَ مِنْ خِلَالِ الدِّرَاسَاتِ الْعِلْمِيَّةِ أَنَّ %25 مِنَ الْمُدَخِنِينَ يَتَعَاطُونَ الْمُخَدِّرَاتِ. فَهُوَ الْبَوَّابَةَ لِهَذَا الشَّرِّ الْمُسْتَطِيرِ.
ثالثًا: التَّغْرِيرُ بِالطُّلاَّبِ حَوْلَ دَوْرِ المُخَدِّرَاتِ فِي النَّجَاحِ وَالتَّفَوُّقِ، فَالطَّالِبُ يَشْعُرُ أَيَّامَ الاِمْتِحَانَاتِ بِالْخَوْفِ وَبِالتَّوَتُّرِ، وَتَتَزَايَدُ عَلَيْهِ الضُّغُوطُ، فيَلِجَأُ بَعْضُهُمْ إِلَى الْحُبُوبِ المُخدِّرَةِ ظنًا مِنْهُ أَنَّهَا عِلَاجٌ لِهَذَا التّوَتُّرِ، وَأَنَّهَا تُسَاعِدُهُ عَلَى التَّركِيزِ، وَمِنْ هُنَا تَبْدَأُ رِحْلَتُهُ مَعَ الْإِدمَانِ، وَيَقَعُ فِي شِبَاكِ الْمُخَدِّرَاتِ، وَيَقَعُ ضَحِيَّةً لَهَا وَلِمُرَوِّجِيهَا.
رابعًا: الْمُهَدِّئَاتُ وَالمُنوِّمَاتُ: فَبَعْضُ الشَّبَابِ إِذَا تَأَخَّرَ فِي النَّوْمِ، أَوْ أَصَابَهُ قَلَقٌ، أَوْ تَوَتُّرٌ فَبَدَلًا مِنْ الْتَحَصُّن بالأْدْعِيَةِ وَالْأَذْكَارِ، يَلْجَأُ لِهَذِهِ الْمُهَدِّئَاتِ بِنُصْحِ أَصْدِقَاءِ السُّوءِ، وَبَعْضِ الصَّيَادِلَةِ مِمَّنْ خَانُوا الْأَمَانَةَ؛ فَيَنْتَقِلُ بَعْدَهَا إِلَى الْمُخَدِّرَاتِ، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ!
وإنّ من أنَجْعِ سُبُلِ مواجهةِ هذا البلاء: الوَعْيُ بحقائقِ الأمورِ، وإدراكِ حَجْمِ الخطرِ، ثم التكاتُفُ والتآزرُ بين أفرادِ المجتمعِ ومؤسّساته، وإبلاغ الجهات المختصة عن المروجين للمخدرات؛ للحدِّ من هذا الوباءِ وصدِّه قبل استفحالِ الداء، ولا بدَّ من تنميةِ الرقابةِ الذاتيِّةِ بالإيمانِ والخوفِ من اللهِ في قلوبِ الناسِ عامَّةً، والناشِئةِ والشَّبابِ خاصَّة، ولن يردع البشـرَ شيءٌ كوازعِ الدِّيانة، ولا بدَّ من تكثيفِ التوعيةِ بأضرارِ المسْكراتِ والمخدِّراتِ، والتركيزِ على ذلك في المناهجِ الدراسية، وفي وسائلِ الإعلامِ، مع التنْويعِ والتجْديدِ في طُرُقِ التوْعيةِ بأخطارِها.
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ؛ وَنَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.