مشروع أنبوب الغاز الأطلسي.. من الوهم إلى الخديعة!

رغم تأكيدات عدة دراسات وتقارير دولية متخصصة حول فشل إنجاز مشروع أنبوب الغاز الأطلسي المتوقع بين المغرب ونيجيريا من كافة النواحي، التقنية منها والفنية والاقتصادية وحتى السياسية والأمنية، يحاو نظام المخزن بشتى الطرق والأساليب التمسك بالمشروع بغية تسجيل انتصارات اقتصادية “وهمية”، في ظل مساعي المملكة لإيجاد مخرج للأزمة الطاقوية التي تتخبط فيها، وكذا للمأزق الذي […] The post مشروع أنبوب الغاز الأطلسي.. من الوهم إلى الخديعة! appeared first on الجزائر الجديدة.

أغسطس 18, 2025 - 14:17
 0
مشروع أنبوب الغاز الأطلسي.. من الوهم إلى الخديعة!

رغم تأكيدات عدة دراسات وتقارير دولية متخصصة حول فشل إنجاز مشروع أنبوب الغاز الأطلسي المتوقع بين المغرب ونيجيريا من كافة النواحي، التقنية منها والفنية والاقتصادية وحتى السياسية والأمنية، يحاو نظام المخزن بشتى الطرق والأساليب التمسك بالمشروع بغية تسجيل انتصارات اقتصادية “وهمية”، في ظل مساعي المملكة لإيجاد مخرج للأزمة الطاقوية التي تتخبط فيها، وكذا للمأزق الذي وقعت فيه جراء الوعود والآمال الكاذبة تجاه السكان، حيث يزعم النظام المغربي تارة قرب الشروع في تنفيذ مشروع الأنبوب، وتارة أخرى بالتأجيل وبالبحث عن شركاء وتمويلات أجنبية، كون البلاد في ضائقة مالية، وليس بمقدورها تغطية تكاليف الإنشاء والتنفيذ، التي تتطلب أكثر من 25 مليار دولار.

وخلال انعقاد فعاليات “منتدى الطاقة الأميركي – الأفريقي” في هيوستن الأميركية، طرح الوفد المغربي مبادرته أمام المستثمرين الأميركيين، من أجل تلقي تمويلات تسمح له بتنفيذ مشروع أنبوب الغاز على أرض الواقع، بعد سنوات طويلة من بقائه رهين الأدراج. وتتضمن رؤية الوفد تعزيز الاستثمارات الأميركية في مشروع أنبوب الغاز الأطلسي، الذي تتجاوز قيمته 25 مليار دولار، في محاولة لاستمالة الشركات وصناديق الاستثمار الأميركية لتمويل المشروع، الذي ولد في الأساس “ميتًا”، لاعتبارات عديدة، من ضمنها التكاليف الباهظة، وغياب مصادر التمويل، إلى جانب طول المسافة (6000 كلم)، وتنامي حدة الأزمات والتوترات الأمنية والجيوساسية بالبلدان التي يتوقع أن يمر عليها الأنبوب.

مشروع بقي حبيس الأدراج

ومنذ إطلاقه في عام 2017 برعاية محمد السادس والرئيس النيجيري محمد بخاري، ظل مشروع أنبوب الغاز الأطلسي حبيس الأدراج، ولم يتم تحقيق فيه أي إنجاز أو تقدم يذكر، عدا التصريحات المتضاربة من هنا وهناك، والتي تكشف حقيقة استحالة تنفيذ المشروع، خاصة في هذا التوقيت بالذات، في ظل ارتفاع تكاليف مشروعات النفط والغاز، وتوجه البلدان نحو استغلال الموارد النظيفة والمتجددة كالطاقة الشمسية والكهروضوئية والهيدروجين والأمونيا وغيرها، مما يقلل من النجاعة الاقتصادية للمشروع، إلى جانب النزاعات وعدم الاستقرار السياسي والأمني بالبلدان الأفريقية، مما يكبح تقدم أي مشروع استثماري مشترك فيما بينها.

ولعلّ أكبر تحدّي يواجه إنشاء مشروع أنبوب الغاز “النيجيري المغربي” المقترح، الذي صمم خصيصا لينافس أنبوب الغاز “الجزائري – النيجيري (نيغال)”، أو بالأحرى “سحب البساط منه” وإفشال تنفيذه، هو التكلفة الباهظة للمشروع، والمقدرة مع طرح المشروع أوّل مرة في عام 2009 بتكلفة بأزيد من 25 مليار دولار حينها، في ظل الضائفة المالية الشديدة التي تعصف بالمغرب، وجعلته يستنجد حتى بالمؤسسات المالية الإفريقية والدولية لإخراجه من نفق الأزمة.

وبحسب ما تمّ التخطيط له، فإن مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري سيمتد على طول 6 آلاف كيلومتر من نيجيريا، مرورًا بـ 14 دولة أفريقية، منها جمهورية الصحراء الغربية، التي لا تزال أقاليمها محل نزاع دولي، ليصل إلى المغرب ثم أوروبا، فيما سينقل ما بين 15 و30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنويًا.

أنبوب غاز موازي لأنبوب الغاز الجزائري

أعلن المغرب في 2009 إنشاء خط أنبوب غاز موازي لخط أنابيب الغاز الجزائرية النيجيرية العابرة للصحراء (TSGP/Nigal)، التي بلغت مراحلها الأخيرة. وأطلقت الجزائر رسميًا مشروع أنبوب الغاز الجزائري النيجيري العابر للصحراء “نيغال” قبل أكثر من عقدين من الزمن (2002).

وأكدت مجموعة سوناطراك الجزائرية، أقوى شركة نفط في إفريقيا، منتصف جوان 2022، على التزام الجزائر إنجاح مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء (TSGP/Nigal)، الذي يربط الجزائر بنيجيريا والنيجر نحو أوروبا، مشيرةً إلى أنها تحوز على كافة المنشآت والبنى التحتية التي تسمح لها بنقل المحروقات في ظروف مثالية، هذا إلى جانب خبرة وتجربة “سوناطراك” الواسعة والمتميزة في قطاع النفط والغاز، والتي ستسمح في إنجاح المشروع.

قدّرت التكلفة الأولية للمشروع الجزائري بنحو 13 مليار دولار، وهي أقل بكثير من المشروع المغربي المقدرة بأكثر من 25 مليار دولار. حيث يهدف إلى نقل ما يصل إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا من نيجيريا إلى أوروبا مرورًا بالجزائر والنيجر. كما أنّ الجزائر ونيجيريا –بحسب عدة تقارير- إستكملتا إنجاز الأشطر الخاصّة بهما لربط الأنبوبين معاً، ولم يتبق سوى الشطر المتعلّق بدولة النيجر، التي تمرّ منذ سنوات بحالة عدم إستقرار سياسي وأمني، وكذا صعوبات إقتصادية ومالية خانقة، جعلت الجزائر –تضيف التقارير- تقترح إنجاز الشطر الخاص بالنيجر بإمكاناتها ومواردها الخاصة، مقابل تسديد الأخيرة تكاليف وأعباء المشروع على شكل غاز طبيعي.

ترتبط الجزائر ببلدان الإتحاد الأوروبي بشبكة أنابيب عملاقة، تسمح لها في التصدير الآني للغاز الطبيعي. مع إمكانية نقل كميات ضخمة من الهيدروجين والأمونيا الخضراء، مع الإنتقال الطاقوي المرتقب، بأقل التسعير عالمياً. وينقل أنبوب الغاز “ترانسميد” العابر على الأراضي التونسية إلى جزيرة صقلية الإيطالية 32 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً. في حين أنّ أنبوب الغاز “ميدغاز” العابر للمتوسط إلى إسبانيا، ينقل نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً.

في فيفري الماضي، وقّعت الجزائر، النيجر، ونيجيريا، ثلاث اتفاقيات رئيسية لدفع مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء (TSGP) نحو مرحلة التنفيذ الفعلي، وذلك خلال اجتماع وزاري احتضنه المركز الدولي للمؤتمرات “عبد اللطيف رحال” بالجزائر العاصمة، بحضور وزراء الطاقة للدول الثلاث وممثلي الشركات الوطنية للنفط. وأكد الوزراء خلال الاجتماع أن المشروع يُمثل حجر الأساس في استراتيجية تأمين الطاقة لإفريقيا وأوروبا، حيث سيمكن من تصدير كميات ضخمة من الغاز الطبيعي. ويخلق فرصًا استثمارية كبرى في قطاع الطاقة، إلى جانب دعمه للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الثلاث.

البحث عن تمويلات أميركية.. ولكن !

وبعدما التأكد من حقيقة الصعوبات التي يواجهها تنفيذ مشروع أنبوب الغاز الأطلسي، وجه المغرب هذه المرة بوصلته نحو الشركات الأميركية بغية الحصول على تمويلات ومرافقة تقنية وهندسية، تسمح بإخراج المشروع من قوقعة الخيال والتصورات إلى الواقع، وكانت مدينة هيوستن، عاصمة الطاقة العالمية، التي تحتضن أكثر من 4 آلاف و600 شركة طاقوية، ملاذًا للوفد المغاربي للبحث عن مستثمرين محتملين ومحاولة إقناعهم لتمويل ومرافقة تنفيذ الأنبوب، رغم أنه ليس من السهل إقناع هذه الشركات العملاقة التي لها خبرات طويلة في صناعة النفط والغاز بالاستثمار في مشروع طاقوي “عالي المخاطر”، و”غير مضمون من حيث الجدوى الاقتصادية”.

المثير للانتباه في خطوة المغرب للاستفادة من تمويلات أميركية لمشروعه الطاقوي (أنبوب الغاز) خلال انعقاد منتدى الطاقة الأميركي -الأفريقي” في هيوستن، أن الشركات الأميركية وصناديق الاستثمار وكذا مؤسسات التمويل الكبرى للبنية التحتية الطاقوية، لم تبد أي استعداد أو رغبة واضحة وصريحة لدعم ومرافقة مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي. فعلى سبيل المثال، أعلنت مؤسسة تمويل التنمية الأميركية (DFC) أنها تدرس مشروعات البنية التحتية للنفط والغاز في أفريقيا، لكنها لم تذكر إطلاقًا أنها مهتمة بأنبوب الغاز النيجيري المغربي. وقالت المديرة التنفيذية للمؤسسة، سلام ديميشي، في المنتدى، إن “الوكالة تنظر بجدّية إلى مشروعات البنية التحتية للغاز في القارة”. وعلى هذا الأساس، هنالك مشاريع بنى تحتية عديدة في القارة الأفريقية، في مقدمتها أنبوب الغاز الجزائري النيجيري العابر للصحراء (TSGP)، الذي لم يتبق له الكثير ليصبح حقيقة، ومساهم فعّال في تغذية أوروبا بإمدادات الغاز النيجيري، بالاستعانة بالقدرات والكفاءات والبنى التحتية الجزائرية (أنابيب الغاز، محطات الضخ..).

تحديات تعصف بالمشروع “الوهم”..

وفي الوقت الذي تسعى فيه السلطات المغربية تسريع وتيرة إنجاز مشروع أنبوب الغاز مع نيجيريا. فإنّ عدّة تحديات وعقبات قد تشكّل تهديدًا ربما يحول دون تنفيذ هذا المشروع العملاق، بحسب ما ورد في تقرير لمنصة “الطاقة“.

ورصد الخبير في الصناعات الغازية بمنظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول (أوابك)، وائل حامد عبد المعطي. ست (6) أسباب وراء فشل متوقّع لمشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي، الذي تم إطلاقه مطلع عام 2009. ولم ير النّور إلى غاية اليوم، رغم الإتفاقيات المبرمة بين عدة بلدان لتحريك المشروع. وقال خبير “أوابك” في تغريدة عبر حسابه الرسمي على منصة إكس (تويتر سابقًا)، أنّ مشروع الغاز المغربي النيجيري لن يرى النور. وعقباته أكبر من جدواه. وسرد الخبير 6 تحديات قد تقف حائلًا أمام ذلك، وتتمثل أساساً في التمويل: مَن مِن مؤسسات التمويل الدولية سيموّل مشروعًا عملاقًا بهذا الحجم؟ (بتكلفة 25 مليار دولار في عام 2009، مع توقعات مضاعفتها حالياً)، عقود شراء الغاز: من سيشتري الغاز لمدة 20 سنة قادمة؟ والمشروع يحتاج وحده إلى ما لا يقلّ عن 5-10 سنوات للتنفيذ أولاً، إلى جانب صعوبة مسار الخط حيث أن الخط يمر عبر عدّة دول (13 دولة بما فيها المغرب ونيجيريا)، ويصعب فنيًا تنفيذه، وأمنيًا حمايته، وكذا تنافسية الغاز المسال مع الاتجاه العالمي نحو مشروعات الغاز المسال، وأميركا تتصدر المشهد، وتقلل الفرص على الجميع.، يضاف إليها صعوبة إيجاد الشركاء الدوليين: الشركات العالمية تركز جهودها على الطاقة الجديدة ومشروعات الغاز المسال، وتبتعد عن خطوط الأنابيب.

كما شدّد خبير “أوابك” على أن فكرة مشروع الغاز المغربي النيجيري مطروحة، وتتكرّر كل مدة، لكن التنفيذ أمر آخر. التحديات التي ساقها خبير (أوابك)، وائل حامد عبدالمعطي لم تكن الوحيدة، إذ سبق أن حذّر خبير الخصخصة السابق في مكتب المشروعات العامة في نيجيريا. دان دي كونلي، من الإستمرار في تنفيذ مشروع الغاز المغربي النيجيري. وقال كونلي، في حوار مع موقع “نايراميتريكس” النيجيري، إن مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري سياسي وليست له قيمة اقتصادية في ظل الظروف الحالية التي تمرّ بها صناعة الغاز النيجيرية. كما أضاف أنه لا توجد رؤية واضحة فيما يتعلق بتمويل المشروع، في ظل تفضيل الممولين والمستثمرين لمشروعات الغاز المسال، إلى جانب المزايا المرنة الواسعة التي ستوفرها ناقلات سفن الغاز المسال في حوضي المحيط الأطلسي والهادئ.

أما مسؤول السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، فقال في محاضرة بالمغرب نهاية العام 2022، إن أوروبا “قلصت إرتهانها للغاز الروسي من 40% عند بداية الحرب في أوكرانيا إلى 0”، وباتت تعتمد اليوم على مصادر أخرى، لكنه أضاف متسائلاً: “هل سنكون ما نزال بحاجة إلى استعمال الغاز الطبيعي عندما يكتمل هذا المشروع (المغربي – النيجيري)؟

عبدو/ح

The post مشروع أنبوب الغاز الأطلسي.. من الوهم إلى الخديعة! appeared first on الجزائر الجديدة.