من ذكريات أيام الطلب في دمشق

عبد العزيز بن السايب/ العيشُ في الشام طَيِّبٌ، وما أطيبه في رمضان..فكيف في العشر الأواخر منه.. تلك الليالي فيها ليلةُ العُمْرِ..ليلة القدر..فهنيئا لمن ظفر بها، وعَمَرَهَا بما يرضي ربَّهُ.. ولقد أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنها في الليالي الوترية من العشر الأواخر.. وللعلماء في تحديد ليلة القدر أقوالٌ.. بلغ بها ابنُ عرفة 19 …

أبريل 7, 2025 - 16:35
 0
من ذكريات أيام الطلب في دمشق

عبد العزيز بن السايب/

العيشُ في الشام طَيِّبٌ، وما أطيبه في رمضان..فكيف في العشر الأواخر منه.. تلك الليالي فيها ليلةُ العُمْرِ..ليلة القدر..فهنيئا لمن ظفر بها، وعَمَرَهَا بما يرضي ربَّهُ.. ولقد أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنها في الليالي الوترية من العشر الأواخر..
وللعلماء في تحديد ليلة القدر أقوالٌ.. بلغ بها ابنُ عرفة 19 قولا.. بله أوصلها ابنُ حجر إلى 40 قولا.. منها أنّها ليلة 27.. وينسب لابن عباس رضي الله عنهما..
ولذلك تجد بعضَ المساجد تَحْتَفِي بهذه الليلة على وجه الخصوص.. وهذه العادة في بلاد الشام أيضا وعاصمتها دمشق..فكان ختم قرآن صلاة التراويح فيها، وإحياء تلك الليلة في رحابها.. لذلك كنتُ أيام طلب العلم في سوريا الحبيبة وغيري من الطلاب نَتَتَبَّعُ موضعَ الختم والإحياء.. خصوصا وراء سيدي الشيخ المقرئ الفقيه الزاهد الورع أبي الحسن الكردي -رحمه الله تعالى – بقراءته المتقنة الخاشعة، وصوته الشجي، ونبرته الخاصة البسيطة الحلوة المؤثرة.. كانت ليلةً منيرةً مُزدانةً.. من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الصبح.. دون انقطاع.. صلاة التراويح 20 ركعة.. وختم القرآن الكريم.. صلاة التهجد والقيام 10 ركعات أو أكثر مع الوتر..
الفصل بين العبادات بالمواعظ الخفيفة للشيخ أبي الحسن ومَن حضر من أهل العلم والفضل.. والأناشيد المنَشِّطَة.. والأدعية المباركة.. وإقامة صلاة «التسبيح» أو «التَّسَابِيحِ».. هذه الصلاة الغريبة العجيبة..
كنت قرأت عنها أيام الدراسة في الثانوية، في كتاب شرح السنة للبغوي، الذي كان في بيتنا، بتحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط والشيخ زهير الشاويش.. -رحمهما الله تعالى -.. وهي من طريق عبد الله عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أن رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم – قال للعباس بن عبد المطلب: «يا عبّاس، يا عمّاه ألا أُعطِيكَ؟ ألا أمنَحُكَ؟ ألا أَحبُوكَ؟ ألا أَفْعَلُ بك.
عشرُ خصالٍ إذا أنت فعلتَ ذلك غَفَرَ اللهُ لك ذَنْبَكَ: أوَّله وآخِرَه، قَدِيمَه وحديثَه، خطأه وعمدَه، صغيرَه وكبيرَه، سرَّه وعلانيتَه.
عشرُ خِصال: أنْ تُصَلي أربعَ ركعاتٍ، تقرأ في كل ركعة فاتحةَ الكتاب وسورة، فإذا فرغتَ مِن القراءة في أوَّل ركعة وأنت قائم قلت: سبحانَ الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبرُ، خمسَ عَشْرَ مرةً، ثمّ تركعُ، فتقولها وأنتَ راكِعٌ عشراً، ثمّ ترفَعُ رأسَكَ مِن الركوع، فتقولها عشراً، ثمّ تهوي ساجداً فتقولُها وأنتَ ساجد عَشْراً، ثمّ ترفَعُ رأسَك مِنَ السجودِ، فتقولُها عشراً، ثم تسجُدُ فتقولُها عَشْرَاً، ثم ترفَعُ رأسَك فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كلَّ ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعاتٍ.
إن استطعتَ أن تُصلِّيَها في كُل يوم مرة فافعل، فإن لم تَفْعَل ففي كُلِّ جمعةٍ مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرةً، فإن لم تفعل ففي عمرك مرةً».
أخرجه أبو داود واللفظ له، والترمذي، وابن ماجه، وغيرُهم. وقد تقوى الحديث بطرقه وشواهده الكثيرة، حتى صَحَّحَهُ غيرُ واحد من الحفاظ. هذه خلاصة الحكم عليه التي توصل إليها محققا كتاب شرح السنة.
أذكر أني جربتها بعد الصلاة الظهر أيام الثانوية في البيت.. فوجدتُها غريبةً وطويلةً، وتشغل الواحد في الحسابات حتى يأتي بها على وجهها..فيَنسى قُطبَ الصلاة وهو الخشوع.. ولم أعدْ إليها إلا في الشام.. في ليلة 27 من رمضان..وإنها سهلة لَمَّا تكون مأمومًا، فما عليك إلَّا الذكر.. وإنمّا يتحمل مشقة الحسابات الإمام..
صليتها غير ما مرة وراء سيدي الشيخ أبي الحسن الكردي -رحمه الله تعالى – ليالي 27 في عدة رمضانات.. في عدد من المساجد..مسجد عبد الرحمن بن عوف.. مسجد الذهبية.. مسجد زيد بن ثابت.. مسجد عبد الكريم الرفاعي.. وبعد الانتهاء من الصلوات والنشاطات يكون الختام بتوزيع السّحُور على من تبقى من عمَّار المسجد في هذه الليلة المشهودة..
يتبرع بوجبة السحور في كل مرة شخصٌ من أهل الخير والإحسان.. من الرجال أو النساء..عِلْمًا أن المتسحرين بالمئات..
سحورٌ مُكَوَّنٌ من «سندوتشات» في بعضها الجبن، وبعضها الحلاوة «حلوة الترك»، وبعضها «المرتديلا» وهي بديل «الكاشير» عندنا..مع الشاي أو العصير.. ثمّ بعدها نجدد الوضوء استعداد لصلاة فريضة الصبح جماعة في المسجد الذي كان الإحياء فيه.. ثمّ بعدها نَفْرَنْقِعُ..كُلٌّ إلى جهتِهِ ومَهْيَعِهِ..والفرحةُ تغمرنا، وانشراح الصدر يُبْهِجُنا..راجين من ربنا جل جلاله القَبولَ الحسنَ، والتوفيقَ في إصابة عين ليلة القدر.. فاللهم ربنا تَقَبَّلْ من عبادك المقصرين..ولا تحرمهم نوال ليلة العمر..
اللهم ربنا إنك عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ..فالعفوَ عن ذنوبنا عامةً..وذنوبنا نحو فلسـ//ـطين خاصةً..اللهم انصرهم نصرا عزيزا قريبا..إنك أنت العزيز الحكيم..