وفاة محمد لخضر حمينة… رحيل أسطورة السينما الجزائرية في صمت الكبار

أمين بن لزرق  في مشهد يليق بالكبار، غاب عن عالمنا اليوم الجمعة المخرج والمنتج الجزائري الكبير محمد لخضر حمينة، عن عمر ناهز الـ95 سنة، في منزله بالعاصمة، تاركًا خلفه تاريخًا سينمائيًا ناطقًا باسم الثورة والهوية، وذاكرة بصرية زاخرة بالقوة والالتزام. رحيل حمينة ليس مجرد فقد لمخرج، بل توديع لجيلٍ صنع بالكاميرا ملحمة، وبلور على الشاشة …

مايو 23, 2025 - 21:22
 0
وفاة محمد لخضر حمينة… رحيل أسطورة السينما الجزائرية في صمت الكبار

أمين بن لزرق

 في مشهد يليق بالكبار، غاب عن عالمنا اليوم الجمعة المخرج والمنتج الجزائري الكبير محمد لخضر حمينة، عن عمر ناهز الـ95 سنة، في منزله بالعاصمة، تاركًا خلفه تاريخًا سينمائيًا ناطقًا باسم الثورة والهوية، وذاكرة بصرية زاخرة بالقوة والالتزام.

رحيل حمينة ليس مجرد فقد لمخرج، بل توديع لجيلٍ صنع بالكاميرا ملحمة، وبلور على الشاشة الكبيرة صورة الجزائر التي قاومت وقاتلت وانتفضت، ثم حلمت بالنهضة ودفعت ضريبتها.

ولد محمد لخضر حمينة في 26 فيفري 1930 بمدينة المسيلة، وفي قلبها حمل حب الأرض والثورة، ليُترجم لاحقًا كل ذلك بلغة السينما. التحق مبكرًا بصفوف جبهة التحرير الوطني، ولكنّه آمن أن للبندقية رفيقًا آخر: الكاميرا. فكان من أوائل من استخدموا الفن السابع في نقل نضال الجزائريين إلى المحافل الدولية.

بعد الاستقلال، ساهم في تأسيس السينما الوطنية الجزائرية، وبرز كأحد أعمدتها، مخرجًا ومنتجًا وكاتب سيناريو. كانت أفلامه أكثر من أعمال فنية؛ كانت شهادات تاريخية نابضة، وتجارب إنسانية عميقة.

أعمال خالدة محفورة في الذاكرة

من أبرز محطات المسيرة السينمائية للمخرج الراحل محمد لخضر حمينة، تبرز أعمال خالدة شكّلت علامات فارقة في تاريخ السينما الجزائرية والعربية، بل وحتى العالمية.

ففي عام 1966، قدّم حمينة أولى صرخاته الفنية من خلال فيلم “ريح الأوراس”، الذي تناول فيه مأساة الثورة من زاوية إنسانية مؤلمة. كان هذا العمل أول فيلم جزائري يُعرض في مهرجان كان السينمائي، وهناك نال جائزة خاصة، ما فتح الباب أمام السينما الجزائرية لدخول المنصات الدولية بقوة.

ثم جاءت التحفة الأبرز في مسيرته عام 1975، مع فيلم “وقائع سنين الجمر”، الذي دوّى صداه عالميًا، حاصدًا السعفة الذهبية في مهرجان كان، كأول فيلم عربي وأفريقي يحقق هذا الإنجاز. مثّل الفيلم تأريخًا بصريًا لسنوات القهر والكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، وكان ترجمة فنية بليغة لبطولة الشعب الجزائري.

لاحقًا، واصل حمينة إبداعه بأعمال أكثر تأملية ونضجًا، منها “رياح رملية” (1982) و”الصور الأخيرة”، حيث انتقل من تصوير المواجهة إلى الغوص في موضوعات المصير والعزلة والتحولات الاجتماعية والسياسية في الجزائر ما بعد الاستقلال، مقدمًا رؤى فنية عميقة تكشف عن تحوّل تجربته السينمائية من الكفاح إلى التأمل.

كان حمينة يملك حسًا بصريًا عاليًا، وجرأة فكرية جعلت من أفلامه مرآة للإنسان الجزائري في لحظاته الكبرى، وهشاشاته العميقة. لم يكن يسعى للرضا الجماهيري، بل للحقيقة. كان فنّه مواجهة.

وداعًا أيها “السينمائي الأول”

مع رحيل محمد لخضر حمينة، تطوي الجزائر صفحة من صفحات مجدها الفني، لكنها لا تغلق الكتاب. تظل أفلامه دروسًا في الإخلاص للرسالة، وجماليات الرؤية، وعمق الموقف.

رحل في صمت، كما يليق بكبار المبدعين، لكن صوته سيبقى في كل لقطة، وصورته ستعيش في كل قاعة عرض، وإرثه سيظل منارة للأجيال القادمة.

وداعًا مبدع “وقائع سنين الجمر”… وداعًا من حوّل الثورة إلى فن خالد.