أستاذي المفكر الجزائري : الرجل الأمة شهادة طالب في حق أستاذ الأجيال
د. محمد عوالمية (*)/ تتزين الساحة الثقافية الجزائرية هذه الأيام بجملة من الأنشطة الجادة المتعالية عن الرداءة والسطحية اللتين عدتا مع الأسف الشديد سمة الفعل الثقافي الذي قل رواده وتراجع تأثيره الاجتماعي مما زهد الناس فيه فاستسلموا للبساطة والرتابة و أوكلوا أمر التغيير والإصلاح إلى مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي تديره كيف تشاء وتتلاعب به كما …

د. محمد عوالمية (*)/
تتزين الساحة الثقافية الجزائرية هذه الأيام بجملة من الأنشطة الجادة المتعالية عن الرداءة والسطحية اللتين عدتا مع الأسف الشديد سمة الفعل الثقافي الذي قل رواده وتراجع تأثيره الاجتماعي مما زهد الناس فيه فاستسلموا للبساطة والرتابة و أوكلوا أمر التغيير والإصلاح إلى مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي تديره كيف تشاء وتتلاعب به كما تريد.
وإذا كان النشاط الثقافي يكتسب قيمته من محتواه ومن صانعيه فإن مشاركة أستاذي الدكتور الطيب برغوث هذه الأيام في بعض النشاطات قد منحتها قيمة نوعية قل مثيلها .
لقد تابعنا باهتمام الندوة التي شارك فيها الأستاذ الطيب رفقة الأستاذ الدكتور عمار طالبي حول الثقافة السننية في فكر مالك بن نبي ونحن في انتظار المحاضرة التي سيلقيها الأستاذ الطيب يوم الجمعة في نادي الترقي حول أسرار الفعالية الاستثنائية لدى نخبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
وبعد هذه وقبل تلك تواردت إلى ذهني بعض الخواطر وددت تسجيلها موجزة حتى لا أثقل على القارئ وإن كان اعتقادي جازما بأنها تستحق درسا وتحليلا أعمق لعل الأيام أن تتيح لي أو لغيري بعضه.
إن الأستاذ الطيب برغوث بتجشمه عناء السفر وتلبيته دعوة الندوات والمحاضرات رغم ما يكابده من أتعاب جسدية يعطي درسا عمليا في الفعالية الإنجازية التي يتردد صداها في كتبه ومحاضراته فهو رجل ميدان قبل أن يكون حامل قلم , وهذه خصيصة تكاد تنعدم في كثير من كتابنا ومثقفينا الذين انسحبوا من ساحة المدافعة الثقافية فتركوها إما للنطيحة والمتردية وما ترك السبع أو للمتربصين الكائدين.
وهم في تقديري ملومون أكثر من غيرهم إذ هم الأقدر على البيان ولا يتأتى هذا البيان ما لم يشتبكوا مع هموم الناس واهتماماتهم وما لم يصبروا على تراجع المستوى والإقبال اللذين يسوغون بهما لأنفسهم هذا الانسحاب.
إن الجذوة المتقدة التي نستشعرها في حديث الأستاذ الطيب وفي عرضه لأفكاره ومنافحته عنها تعبر عن وهج روحاني عجيب ينبئ عن إيمان بالفكرة ورغبة في تبليغها من أجل إحداث التوازن المنشود في حياة الأفراد والمجتمع على المستوى الفكري والسلوكي والعمراني. ولا شك أن تلك الجذوة مستمدة من منبع قرآني أصيل يطبع المسلم بطابع الرسالية التي تتضاءل دونها أتعاب الجسد ومعاناة السفر والغربة والتضييق. تلك الرسالية التي حظي منها الأستاذ الطيب بأوفر الحظوظ وتمثلها أصدق تمثل.
فإذا كان الإقبال على النشاط دليل الفعالية وحرارة الروح دليل الإيمان العميق بالفكرة الصائبة المؤثرة فإن الأسلوب الذي ينهجه الأستاذ الطيب يتسم بتواضع الداعية ولين جانبه.
ويتميز بعمق الفكرة و تركيبيتها وفي الوقت ذاته بالبحث عن أيسر سبل توضيحها بالمثال وأحيانا بالنكتة والدعابة وذلك مسلك من أدرك أن الفكرة يجب أن تصل ليتلقفها جيل جديد ـ هو كما هو ـ ينبغي تأهيله والارتقاء به إلى مصاف الأفكار الكبيرة.
يضاف إلى ما تقدم إقبال الناس على حضور نشاطات الأستاذ الطيب برغوث والحرص على لقائه ـ وأنا أزعم – أن منهم من تشرب أفكاره وآمن بها وكثير منهم يفعل ذلك حبا لشخصه الكريم وهذه مزية أخرى دونها كل المزايا إذ قبول الناس في الأرض دليل على القبول المرتجى في السماء. فالأستاذ الطيب قد تختلف معه ولكنك تحبه لرفق بالناس أوتيه وسعة صدر أعطيها وقدرة كبيرة على استيعاب من يختلف معه بقلبه قبل عقله.
إن الأستاذ الطيب برغوث الرجل الأمة قد اجتمعت فيه خصال تفرقت في غيره وإن من الإنصاف أن يكتب عنه من عرفوه ومن الوفاء أن يكتب عنه تلامذته ومحبوه ومن الرشد أن تنبري لدراسة فكره السنني نخبة واعية تعرف قدر الرجل وتدرك قيمة الفكرة.
إن الأستاذ الطيب اليوم في الخامسة والسبعين من عمر قضاه في خدمة الدعوة والمجتمع والأمة حقيق بكل تكريم وإجلال وهو دليل ملموس على بركة الأعمار التي يعمرها صاحبها بأفضل الأعمال. أقول هذا غير مزك على الله أحدا. ولكنها الحقيقة الماثلة التي لا يدركها إلا من لم يوفق إلى ذلك.
وفي الختام تبقى المرارة تعتصرني وأن أرى الأستاذ الطيب ـ وأمثاله ـ مقصر في حقهم وغير منظور إليهم بما هم أهله من التقدير وتلك بلية هذا المجتمع الذي لا يعرف للأحياء قدرهم فإذا حال الأجل بينه وبينهم تحسر وأسف وأدرك أنه حرم نفسه من الاستفادة منهم وقد توالت النذر فهل من مدكر.
****************
( *) -أستاذ التعليم العالي في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة).