أمّ الرحلات إلى الصين

لقد كُنَّا سُعداءَ الحَظِّ عندما عُدنا بعدَ أكثرَ من نِصفِ قَرنٍ إلى الصِّينِ، حيثُ كُنَّا نُتابِعُ تَكوينًا مُدَعَّمًا في مَجالِ الطَّيران. باختصار، عُدنا إلى الماضي، وأخذنا معنا الحاضرَ والمستقبلَ، وكان الماضي هو تلك الذكريات التي جَمَعَتنا برجالٍ استحقُّوا مِنَّا الوفاءَ لارتباطهم بأدوارٍ تاريخيَّةٍ في حياتِنا الشخصية والوطنية، لذلك وجدنا أنفسَنا ونحن نَعودُ إلى هذا البلدِ […] The post أمّ الرحلات إلى الصين appeared first on الشروق أونلاين.

يوليو 13, 2025 - 16:21
 0
أمّ الرحلات إلى الصين

لقد كُنَّا سُعداءَ الحَظِّ عندما عُدنا بعدَ أكثرَ من نِصفِ قَرنٍ إلى الصِّينِ، حيثُ كُنَّا نُتابِعُ تَكوينًا مُدَعَّمًا في مَجالِ الطَّيران. باختصار، عُدنا إلى الماضي، وأخذنا معنا الحاضرَ والمستقبلَ، وكان الماضي هو تلك الذكريات التي جَمَعَتنا برجالٍ استحقُّوا مِنَّا الوفاءَ لارتباطهم بأدوارٍ تاريخيَّةٍ في حياتِنا الشخصية والوطنية، لذلك وجدنا أنفسَنا ونحن نَعودُ إلى هذا البلدِ الصَّديقِ، نتأرجح بينَ ماضٍ محفورٍ في الذاكرة، وحاضرٍ لا يكادُ يُصدَّق.
إنَّ قِصَّةَ الصِّينِ تَكمُنُ في بُروزِ أبطالِ المسيرةِ الطَّويلة، وعلى رأسِهم ماوتسي تونغ ورفاقُه الذين شقُّوا طريقَهم، وأسقطوا القَوميين، وأسسوا جمهوريَّةَ الصِّينِ الشَّعبية يومَ الفاتحِ أكتوبر 1949م، فارتفعت راياتُ النَّصرِ لتُعلِنَ خروجَ هذا البلدِ عن صمتِه الطَّويلِ إلى مَشهدٍ دوليٍّ مليءٍ بالتحوُّلات.
هذه الدَّولةَ، التي أنهكها الاستعمارُ والحربُ الأهليَّة، قرَّرت أن تَنهضَ، وتُواجِهَ العُزلةَ والمُقاطعة، وهنا وقفَ العالمُ يُنظَرُ إلى الصِّينِ كيف تبني قواعدَ المجدِ بشقِّ طريقِها نحو العالَميَّة، وفي هذا المناخِ جاء مؤتمرُ باندونغ الذي عُقد بإندونيسيا في أفريل 1955، بحضور 29 دولةً، من بينها الصِّينُ الشعبيَّة، التي عبَّر فيه تشو إن لاي، رئيسُ الوزراء، عن تأييده المُطلق للثَّورةِ الجزائريَّةِ باعتبارِها جزءًا من حركةِ التَّحررِ العالميَّة، كما استقبل وفدَ جبهةِ التَّحرير، الأمرُ الذي أعطى زخمًا دوليّا للجبهة، وجعل العديد من البلدان تقفُ إلى جانبِها مثل الهند، ويوغوسلافيا، وإندونيسيا، وغانا، وغيرِها…
ثم واصلت الصِّين دعمَها للثَّورة الجزائريَّة على جميع المستويات: السياسيَّة، والدبلوماسيَّة، والعسكريَّة، والإعلاميَّة، واللوجستيَّة، والإنسانيَّة. وفي هذا الإطار فتحت مدارسَها العسكريَّة لتَكوينِ الطيَّارين الذين وُجِّهوا إلى المدرسةِ العليا للطيران بمدينة تشيجياتشوانغ، أمَّا الفنِّيُّون فَتوجِّهوا إلى معهدِ القوّات الجويّة، ببِنائه المُربَّع الأحمر الذي مازال محفورًا في الذاكرة والكائن بمدينة شيان، العاصمةِ القديمةِ للصِّين، التي تضمُّ معالمَ إسلاميَّةً نادرةً، من أشهرِها المسجدُ الكبير، الذي لا يوجد له مثيلٌ في العالم، والذي تأسَّس في القرن السابع الميلادي، في عهدِ الخليفةِ عثمان بن عفَّان، وازدهر لاحقًا خلال حكمِ أسرتَي تانغ ومينغ، والذي يُقال عنه إنَّه المكانُ الوحيدُ في العالم المكتوب على جُدرانِه آياتُ القرآن الكريم كاملةً، لتَصنعَ لوحةً فنيَّةً فريدةً لا يُمكنُ رؤيتُها في أيِّ مكانٍ آخرَ على الكرة الأرضيَّة، وزاوَلْنا دراستَنا النَّظريَّةَ هناك ثم انتقلنا بعدها إلى المدرسةِ العليا للطيران رفقةَ أشقَّائنا الطيَّارين، لتطبِّيقَ ما درسناهُ نظريًّا في شيان.
تلكم كانت رحلتَنا الأولى إلى الصِّين، التي مضى عليها ثلاثةٌ وستون سنةً وتسعةُ أشهر، والتي كَوَّنَتنا، وعَلَّمَتنا، وزرعت فينا روحَ الجدِّ والمُثابَرة، التي مكّنتنا من تأسيسِ القوَّات الجويَّة الجزائريَّة بعد الاستقلال، رفقة زملائنا الطيَّارين، مُفاخرين ومُعتزِّين بتكوينِنا في المدارسِ الصينيَّة التي انطلقنا في العودة إليها من مطار هواري بومدين يوم الأحد 25 ماي 2025 لنصل يوم الاثنين إلى مطار بيكين، حيث استقبلنا مُمثِّلون عن وزارةِ المُحارِبين القدماء الصينيَّة، وكذلك السكرتيرُ الأوَّلُ للسِّفارةِ الجزائريَّة حمدان خلاف، والمُستشارُ الأوَّل رفيق كَساي.
لقد كانت أوَّلُ محطَّةٍ لنا عند الوصول هي بيكين، التي تغيَّرت جذريًّا إلى ما يُشبهُ المُعجزة؛ فقد اختفت طوابيرُ الدراجات الهوائيَّةِ والناريَّةِ التي كانت تغطِّي شوارعَها في الماضي، وحلَّت محلَّها سياراتٌ فخمةٌ بمختلف أنواعِها كما أصبحت مدينةً ذكيَّةً عملاقةً تُعانق السماء، وبعماراتٍ شاهقةٍ تُناطِحُ الغيم، وروبوتاتٌ تُرحِّبُ بك في الفنادقِ المُصنَّفةِ عالميًّا، ومترو الأنفاق يَربِط بين الأحياء، وقطاراتٌ مغناطيسيَّةٌ خارقةُ السُّرعة، وبُنى تحتيةٌ تكنولوجيَّةٌ تفوقُ الوصف، وطرقاتٌ سيارة تَجري في عواصف داخل البلد الذي تحوَّل إلى قُوَّةٍ اقتصاديَّةٍ عُظمى.
ثم تواصَلَت رحلتُنا في اليومِ المُوالي إلى مُختلف المدن الصينيَّة، بدءًا بمدينة شيجياشوانغ بمقاطعة هَبَي، حيث كانت وجهتُنا المدرسةَ العُليا للطيران، وهناك استقبلنا فان شيافينغ، قائدِ المدرسة، ومساعدوه من الضباط السامين، وكذلك عدد من المُحاربين القُدامى، من بينهم زيانغ ماندينغ، الذي كان مُدرِّبًا للعديدِ من الطيَّارين الجزائريين، وعلى رأسِهم قائد أركان القوات الجوية سابقا العقيد دريد أحمد الذي عانق مدرِّبَه بتأثر بالغ أثّر على الجميع، وكذا المرحوم عنتر محمد، خالد الذكر، المُخلَّد في متحف المدرسة العُليا للطيران بمدينة شيجياشوانغ.
ثم انتقلنا إلى مدينة شيان، قلبِ التاريخ الصيني، لزيارة جامعة نورث وست، فاستقبلنا السيد تشاو وو، نائب مدير الجامعة، إلى جانب عدد من الأساتذة والدكاترة.
بعد ذلك، توجَّهنا إلى الجامعة العسكريَّة لهندسة الطيران، فاستقبلنا رئيس الجامعة السيد وي تشينغكاي، وقائد السرب السيد لي جينشيان.

بيكين تغيَّرت جذريًّا إلى ما يُشبهُ المُعجزة؛ فقد اختفت طوابيرُ الدراجات الهوائيَّةِ والناريَّةِ التي كانت تغطِّي شوارعَها في الماضي، وحلَّت محلَّها سياراتٌ فخمةٌ بمختلف أنواعِها، كما أصبحت مدينةً ذكيَّةً عملاقةً، وبعماراتٍ شاهقةٍ تُناطِحُ الغيم، وروبوتاتٌ تُرحِّبُ بك في الفنادقِ المُصنَّفةِ عالميًّا، ومترو الأنفاق يَربِط بين الأحياء، وقطاراتٌ مغناطيسيَّةٌ خارقةُ السُّرعة، وبُنى تحتيةٌ تكنولوجيَّةٌ تفوقُ الوصف، وطرقاتٌ سيارة تَجري في عواصف داخل البلد الذي تحوَّل إلى قُوَّةٍ اقتصاديَّةٍ عُظمى.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post أمّ الرحلات إلى الصين appeared first on الشروق أونلاين.