الجزء 02: كواليس.. حقائق أقولها للمرة الأولى

شعرت بأن الرئيس غضب أو تذكر شيئا أزعجه، فاحمّرّت وجنتيه، تحرك في مجلسه ونظر إليّ بتركيز واضح وصرامة بادية، وسألني بطريقة مفاجئة ومباشرة : هل أنت على تواصل مع المحامي الكبير علي هارون؟ فقلت له إنني لا أعرفه شخصيا، لكن لديّ رقمه وقد تعاملت معه، بصفتي صحافي، مرتين أو ثلاث. فاستفسر مني إن كنت أستطيع [...] ظهرت المقالة الجزء 02: كواليس.. حقائق أقولها للمرة الأولى أولاً على الحياة.

سبتمبر 9, 2025 - 20:17
 0

شعرت بأن الرئيس غضب أو تذكر شيئا أزعجه، فاحمّرّت وجنتيه، تحرك في مجلسه ونظر إليّ بتركيز واضح وصرامة بادية، وسألني بطريقة مفاجئة ومباشرة :

هل أنت على تواصل مع المحامي الكبير علي هارون؟

فقلت له إنني لا أعرفه شخصيا، لكن لديّ رقمه وقد تعاملت معه، بصفتي صحافي، مرتين أو ثلاث.

فاستفسر مني إن كنت أستطيع الاتصال به لأبلغه برغبته (أي رغبة الشاذلي) في مقابلته.

قال لي الرئيس بطريقة جادة :

“أريد أن أرفع دعوى قضائية ضد الناشرين الفرنسيين الذين سوّقوا هذه المعلومة الخاطئة عني. سأطلب منهم، عبر القضاء الفرنسي، تصحيح الخطأ والتوقف نهائيا عن تكراره والإساءة إليّ.”

قلت للرئيس إنني سأتصل بالسيد علي هارون بمجرد انتهاء هذه الجلسة. ثم فجأة، قررت الاستفادة من شعوره بالظلم والغضب من تكرار الشائعات والأخبار المغلوطة عنه، وقلت له :

سيادة الرئيس، لماذا لا تنشر مذكراتك وتقدم بنفسك صورة حقيقية عن مسارك ونضالك خلال الثورة وبعد الاستقلال وفي صفوف الجيش ورئاسة الجمهورية؟

أحسست أن الرئيس تفاجأ من سؤالي، فقد استوى في جلسته ورفع فنجان القهوة من على المائدة وقرّبه من فمه، ثم رد علي قبل أن يرتشف قهوته :

في الحقيقة، لم أفكّر في الأمر.

صمت لحظات ثم أضاف :

لا أعرف، هل كتابة المذكرات، في هذا التوقيت بالذات، يعتبر جيدا أم لا؟

طلبت منه أن يسمح لي بإعطاء وجهة نظري حول الفائدة من كتابة المذكرات، ثم شرحت له أفكاري واستفضت في شرح وجهة نظري، منتقدا عزوف الشخصيات العامة، ورجال الثورة على الخصوص، خاصة بعد تقدمهم في السنّ، عن كتابة مذكراتهم. وذكرت له عددا من الأسماء التي رحلت عن عالمنا ولا نعرف وجهات نظرها في القضايا والأحداث التي عرفتها بلادنا.

قلت له :

سيادة الرئيس، أتمنى أن تكتب أنت مذكراتك، وأن يكتب اليمين زروال مذكراته، وأن يكتب عبد الحميد مهري مذكراته، وأن يكتب بن طوبال مذكراته (نشرت مذكرات لخضر بن طوبال “شهادات الداخل” في نوفمبر 2021 عن دار النشر الشهاب)، وأن يكتب طالب الإبراهيمي مذكراته (نشرت عن دار القصبة باللغة العربية في 2006)، وأن يكتب سيد أحمد غزالي مذكراته، وأن يكتب خالد نزار مذكراته (نشرت المذكرات في أجزاء متفرقة بين 1999 و2017 عن دار الشهاب)… وأن يكتب الجميع مذكراتهم، ويتركوها للأجيال.

كان الشاذلي غير ميّال لكتابة مذكراته، بسبب عزوفه عن ذكر أسماء أشخاص مازالوا على قيد الحياة، أو ذكر وقائع قد تؤثر في حياة عائلاتهم. وكان يضع الجوانب الأخلاقية في حيّز كبير من اهتمامه وتفكيره، ولا يريد أن يتسبب في أذى لأي شخص أو عائلة.

لقد كان رجلا حكيما ومتسامحا إلى أقصى الحدود. وكنت، وأنا أسعى لإقناعه، متفهما لهذه النقطة ووضعتها في منطق تفكيري وأنا أقدم له تبريري في مسعاي لإقناعه بفكرتي.

قلت للشاذلي بن جديد وأنا أسعى لوضع خيط فاصل بين المفيد وغير المفيد في كتابة المذكرات :

سيادة الرئيس، اكتب عن نفسك وعن مسارك، واذكر إيجابيات الآخرين ولا تذكر سلبياتهم. وهكذا يمكن إغفال الجزء الفارغ من الكأس والتركيز على الجانب المليان منه.

وأنهيت شرح موقفي بالقول :

يمكن التضحية بربع الحقيقة أو نصفها، لكن من الممكن كسب النصف الآخر. إذن، اتركنا، يا سيادة الرئيس، نستفيد من النصف الإيجابي من الحقيقة.

يتبع…

ظهرت المقالة الجزء 02: كواليس.. حقائق أقولها للمرة الأولى أولاً على الحياة.