الجزائر-إيطاليا: محطة فارقة لرسم ملامح شراكة اقتصادية جديدة

تكللت زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إلى إيطاليا، بتوقيع أكثر من 30 اتفاقية ومذكرة تفاهم، شملت قطاعات الطاقة، الصناعة، الفلاحة، الاستثمار، البيئة، الدفاع، الثقافة، والتعاون المؤسساتي، ما يجعلها واحدة من أغنى الزيارات الثنائية من حيث النتائج العملية في تاريخ العلاقات الجزائرية–الإيطالية. واعتبر الخبير الدولي في التنمية عبد الرحمان هادف، في تصريح خصّ به “الحياة”، [...] ظهرت المقالة الجزائر-إيطاليا: محطة فارقة لرسم ملامح شراكة اقتصادية جديدة أولاً على الحياة.

يوليو 24, 2025 - 18:08
 0
الجزائر-إيطاليا: محطة فارقة لرسم ملامح شراكة اقتصادية جديدة

تكللت زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إلى إيطاليا، بتوقيع أكثر من 30 اتفاقية ومذكرة تفاهم، شملت قطاعات الطاقة، الصناعة، الفلاحة، الاستثمار، البيئة، الدفاع، الثقافة، والتعاون المؤسساتي، ما يجعلها واحدة من أغنى الزيارات الثنائية من حيث النتائج العملية في تاريخ العلاقات الجزائرية–الإيطالية.

واعتبر الخبير الدولي في التنمية عبد الرحمان هادف، في تصريح خصّ به “الحياة”، أن الزيارة “جاءت في توقيت حساس، ووضعت الأسس لتحول نوعي في التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين الجزائر وإيطاليا، يقوم على التكامل والإنتاج المشترك بدل منطق المبادلات التجارية الكلاسيكية”.

أولوية الطاقة: تعزيز الثقة في المورد الجزائري

من أبرز المكاسب التي رصدها هادف، تجديد إيطاليا التزامها بالتزود المستدام من الغاز الجزائري، عبر شراكات طويلة الأمد، مؤكدًا أن “الزيارة عززت موقع الجزائر كمصدر طاقوي موثوق في أوروبا”، في ظل الاضطرابات الجيوسياسية العالمية.

وقد تم توقيع بروتوكول تفاهم بين شركتي “سوناطراك” و”إيني” الإيطالية، يشمل التعاون في مجالات الغاز، الطاقات المتجددة، وخفض الانبعاثات، وهو ما اعتبره الخبير هادف “خطوة في الاتجاه الصحيح نحو مزيج طاقوي أكثر تنوعًا وذكاءً”.

اتفاقيات شاملة: انتقال من المبادلات إلى الإنتاج المشترك

شهدت القمة الجزائرية–الإيطالية في دورتها الخامسة، التي ترأسها تبون وميلوني، توقيع سلسلة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، شملت:

  1. الزراعة والصيد البحري والتحويل الغذائي
  2. الزراعة المائية وتربية الأسماك
  3. التعاون السينمائي
  4. الاعتراف المتبادل برخص السياقة
  5. البريد والاتصالات
  6. حقوق الأشخاص ذوي الهمم
  7. الإغاثة والبحث والإنقاذ في البحر
  8. التعاون في مكافحة الإرهاب والدفاع
  9. مذكرة استثمار بين وكالة ترقية الاستثمار الجزائرية وشركة “إنفيتاليا” الإيطالية

ويرى هادف أن هذه الاتفاقيات تُشكل “تحولًا جذريًا في بنية العلاقات الثنائية، حيث جرى تجاوز منطق التبادل التجاري نحو بناء شراكات إنتاجية تُحقق القيمة المضافة وتدعم نقل التكنولوجيا”.

استثمارات هيكلية: بوابة نحو سلاسل القيمة العالمية

تضمنت المحادثات استعداد إيطاليا لمرافقة الجزائر في مشاريع هيكلية كبرى، خصوصًا في المناطق الصناعية غرب البلاد، في مجالات الصناعات الميكانيكية، الطاقات النظيفة، والصناعات الغذائية.

ويعتبر هادف أن هذه الخطوة “تنسجم مع التوجه الجزائري الجديد نحو الانخراط الفعلي في سلاسل القيمة العالمية من خلال استقطاب استثمارات نوعية”.

إشراك القطاع الخاص: مفتاح تنفيذ الاتفاقيات

شدّد الخبير عبد الرحمان هادف على أن نجاح تنفيذ هذه الاتفاقيات يتوقف على جاهزية الإطار التنفيذي والتنظيمي الجزائري، وسرعة تفعيل اللجنة العليا المشتركة للتعاون الاقتصادي.

وأضاف: “من دون إشراك فعلي للقطاع الخاص، تبقى الاتفاقيات مجرّد نوايا. لا بد من تمكين منظمات كـ مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري (CREA) لتكون طرفًا فاعلًا في تحويل هذه التفاهمات إلى مشاريع ميدانية، خاصة في قطاعات مثل الفلاحة الذكية، الصناعات التحويلية، والاقتصاد الرقمي”.

مجلس الأعمال الجزائري–الإيطالي: منصة استراتيجية

دعا هادف إلى تفعيل مجلس الأعمال الجزائري–الإيطالي، ليكون منصة مستدامة لتبادل الفرص الاستثمارية والرؤى الاقتصادية بين مؤسسات البلدين، مبرزًا في الوقت ذاته أهمية دور غرف التجارة والصناعة في تسهيل الربط المباشر بين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البلدين.

تجربة إيطاليا في المؤسسات الصغيرة: دروس قابلة للتطبيق

واعتبر هادف أن التجربة الإيطالية في بناء نسيج صناعي قائم على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (PMEs) تمثل نموذجًا عمليًا يمكن للجزائر الاستلهام منه، خصوصًا في تشبيك هذه المؤسسات ضمن أقطاب إنتاجية ورفع قدرتها على الابتكار والتصدير.

كما أشار إلى أن سياسات إيطاليا في دعم الصادرات، من خلال الترويج والتمويل والمرافقة، يمكن أن تشكل رافعة حقيقية للمنتج الجزائري الموجه نحو الأسواق الخارجية.

منتدى الأعمال: الخطوة العملية الأولى

وعلى هامش الزيارة، أشرف الرئيس عبد المجيد تبون رفقة جورجيا ميلوني على اختتام منتدى الأعمال الجزائري–الإيطالي، بمشاركة واسعة لرجال الأعمال من الطرفين.

وقال هادف إن هذا المنتدى “شكل أرضية ملموسة للانتقال من التفاهم السياسي إلى التعاون الاقتصادي المباشر”، مضيفًا أن اللقاءات الثنائية التي جرت خلال المنتدى تمثل “البداية الفعلية لبناء شراكات قائمة على الربح المتبادل”.

زيارة البابا ليون الرابع عشر: رمز حضاري

في ختام زيارته، قام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بزيارة رسمية إلى الفاتيكان، حيث التقى البابا ليون الرابع عشر.

نحو نموذج شمال–جنوب متوازن

أكد الخبير عبد الرحمان هادف في ختام تحليله أن “زيارة تبون إلى إيطاليا ليست مجرد حدث دبلوماسي، بل خطوة مدروسة ضمن استراتيجية جزائرية واضحة المعالم، تهدف إلى تنويع الشركاء، وتوسيع الاقتصاد المنتج، والانخراط في شراكات ذكية قائمة على التكنولوجيا والمعرفة”.

وأضاف: “الشراكة الجزائرية–الإيطالية، إن تواصلت بنفس الديناميكية، قد تتحول إلى نموذج ناجح لتعاون شمال–جنوب متوازن، ومختبر لتجارب تنموية مشتركة في الفضاء المتوسطي والأفريقي”.

ظهرت المقالة الجزائر-إيطاليا: محطة فارقة لرسم ملامح شراكة اقتصادية جديدة أولاً على الحياة.