النجاح لا يقاس بالأرقام وإنّما بالاستمرار
مع نهاية كلّ سنة دراسيّة، يترّقب الجميع نتائج الامتحانات؛ وبخاصة نتائج امتحان الباكالوريا، يفرح النّاجحون وتقام الاحتفالات، وتكتب التّهاني، وخلف هذه المشاهد فئة أخرى قلّ أن تذكر، أولئك الذين لم يوفقوا ووجدوا أنفسهم في قائمة الرّاسبين . هل الرّسوب نهايّة الطريق؟ هل النّجاح محصور في معدل يكتب على ورقة؟ وهل تستحق هذه الفئة …

مع نهاية كلّ سنة دراسيّة، يترّقب الجميع نتائج الامتحانات؛ وبخاصة نتائج امتحان الباكالوريا، يفرح النّاجحون وتقام الاحتفالات، وتكتب التّهاني، وخلف هذه المشاهد فئة أخرى قلّ أن تذكر، أولئك الذين لم يوفقوا ووجدوا أنفسهم في قائمة الرّاسبين .
هل الرّسوب نهايّة الطريق؟ هل النّجاح محصور في معدل يكتب على ورقة؟ وهل تستحق هذه الفئة أن تقصى من المشهد ؟
إنّ الحديث عن الرّاسبين ليس تبريرا، بل دعوة للتّأمل في المنظومة التّعليمية التي لا تزال تعاني من ثغرات: أستاذ يشرح دون أن يتحقق من وصول المعلومة، تلميذ يحفظ دون أن يفهم، أسرة تضغط بدل أن تحتوي.
وإنّ مجتمعنا لا يزال يحصر مفهوم النّجاح في علامات رقميّة؛ وفي الواقع النّجاح مفهوم ديناميكي يتجاوز المعايير الكميّة الجامدة؛ ليعبِّر عن القدرة على الاستمرارية، وتجاوز العقبات.
لقد حان الوقت لننتقل من إقتصاد النّتائج إلى بيئة تعليميّة تتعلم من الفشل وفي هذا السياق تشير الباحثة الأمريكيّة “كارول دويك” Carol Dweck في نظريّة ” العقلية النّامية” “Growth Mindset إلى أنّ الأشخاص الذين ينظرون إلى الفشل؛ كفرصة للتّعلم ؛هم أكثر قابلية لتحقيق النّجاح في المستقبل مقارنة بمن يرونه نهاية للمحاولة”
إنّ التّعريف الحقيقي للنّجاج هو الانتقال من فشل إلى فشل دون فقدان الحماس؛ وهنا يظهر دور الأولياء والمحيط بشكل كبير؛ حيث أنّ طريقة تعاملهم مع النّتيجة تساهم إمّا في بناء الثّقة من جديد أو ترسيخ شعور الفشل. ثم إنّه ليس من العدل أن يتحمّل الطلبة الرّاسبون أو الذين لم يتحصلوا على المعدلات المرغوب فيها
المسؤولية الكاملة لوحدهم؛ بخاصة إن لم تهيّأ لهم الظروف المناسبة؛ سواء من قِبل الأولياء والأسرة أم من قِبل المؤسسة التّربوية التي يدرسون فيها؛ لا يخفى علينا أن كثيرا من الأولياء يتكبدون مصاريف الدّروس الخصوصية في حين يعجز بعضهم عن ذلك؛ وهنا يحق لنا أن نتساءل: ما السّبب الذي يدفع التّلاميذ إلى اللّجوء إلى هذه الدّروس؟ هل الأستاذ في المدرسة يؤدي واجبه على أكمل وجه أم أنّ بعضهم ينشغل بإنتاج خطابات حجاجيّة؛ ليقنع الطلبة بأهميّة هذه الدروس بدلا من التّركيز على الاستراتيجيات التي يقدم بها دروسه، والتي تناسب الفروقات الفرديّة وأنماط ذكاء الطلبة المتعددة.
إنّ يوم الإعلان النّتائج ليس يوما لإنتاج خطابات اللّوم؛ وإنّما هو يوم لاحتواء أبنائنا ولا يعني احتواء أبنائنا التغاضي عن التّقصير، بل يعني بناء شخصيات أقوى قادرة على النّهوض بعد التّعثر، ويكون ذلك بتذكيرهم بقصص أولائك الذين نجحوا بعد أن فشلوا مرّات عديدة، لقد نجحوا لأنّهم توكلوا على الله وآمنوا بالقدرات والمواهب التي منحها لهم الله سبجانه وتعالى، واستثمروها في خلق فرص جديدة، وعلى حد تعبير هنري فورد” الفشل هو الفرصة الوحيدة التي تتيح لك البدء من جديد على نحو أكثر ذكاء” وهذا يعني فرص النّجاح كثيرة لمن يؤمن بنفسه ويجتهد..
بقلم الدكتورة :أحلام بن عمرة .جامعة تيزي وزو