الخلاف الذي يجب أن يُؤجّل
في خضمّ الخلاف المشهور تاريخيا بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن معه من سواد الأمّة، من جهة، وبين معاوية بن أبي سفيان ومن معه من أهل الشّام، من جهة أخرى؛ اهتبل قيصر الرّوم الفرصة فأرسل إلى معاوية يقول: “قد علمنا بما وقع بينكم وبين علي بن أبي طالب، وإنّا لنرى أنكم أحق منه […] The post الخلاف الذي يجب أن يُؤجّل appeared first on الشروق أونلاين.


في خضمّ الخلاف المشهور تاريخيا بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن معه من سواد الأمّة، من جهة، وبين معاوية بن أبي سفيان ومن معه من أهل الشّام، من جهة أخرى؛ اهتبل قيصر الرّوم الفرصة فأرسل إلى معاوية يقول: “قد علمنا بما وقع بينكم وبين علي بن أبي طالب، وإنّا لنرى أنكم أحق منه بالخلافة، فلو أمرتني أرسلت لك جيشاً يأتون إليك برأس علي”. ولـمّا قرأ معاوية الرسالة، رد على قيصر الرّوم قائلا: “من معاوية إلى هرقل: أخوان تشاجرا، فما بالك تدخل فيما بينهما! إن لم تخرس أرسلت إليك بجيش أوله عندك، وآخره عندي، يأتونني برأسك أُقدِّمه لعليّ بن أبي طالب”.
ربّما لا تكون هذه القصّة ثابتة من حيث الرواية، لكنّ مثل هذا الموقف لا يُستبعد من معاوية بن أبي سفيان الذي عرف عنه اهتمامه بوحدة الأمّة، وإكباره لعلي بن أبي طالب واعترافه بفضله عليه وأحقيته بالأمر، مع خلافه معه في وجوب التعجيل بالقصاص من قتلة عثمان.. وقيصر الرّوم لم يفكّر في تقديم هذا العرض “المغري” لعليّ بن أبي طالب، ليس فقط لأنّ عليا كان أبعد جغرافيا من معاوية، ولكن ليقين “القيصر” بأنّ من تربّى في حجر خاتم الأنبياء لا يمكن أن يضع يده في يد كافر ضدّ أخ مسلم طلب الحقّ فأخطأه.
كان الخلاف بين الطرفين المسلمين محتدما، أدى إلى نشوب معركة عُدّ ضحاياها في بعض المصادر بعشرات الآلاف، لكنّ ذلك لم يحمل أيا من الطرفين على وصف الآخر بالمروق من الدّين، بل إنّ أمير المؤمنين عليا حينما سئل عن معاوية ومن معه، قال: “إخواننا بغوا علينا”، ومعاوية أيضا حينما سأله ضرار الصدائي عن عليّ، قال: “خير منّي وأفضل، وأحقّ بالأمر منّي”.. ومع هذا الإعذار في وقت الخلاف المحتدم، لم يخطر ببال أحد أن يستعين بالكافر ويستقوي به على أخيه المسلم، بل لا يشكّ عارف بذلك الجيل أنّ السيفين المختلفين كانا سيتحوّلان إلى رقاب الأعداء لو تجرّأ عدوّ على الاقتراب من حمى المسلمين.
إنّنا -في زماننا هذا- أحوج ما نكون إلى استدعاء هذا النّبل لمواجهة التحريش الممارس بين أبناء الأمّة.. خاصّة وأنّ الكيان الغربيّ أمسى يستفرد في كلّ مرّة ببلد مسلم بعد أن يعزله عن محيطه الإسلاميّ ويغري بينه وبين باقي دول المسلمين العداوة والبغضاء، حتّى صار كلّ بلد يحين دوره يقول بلسان النّادم: “أكلت يوم أكل الثّور الأبيض”!
الدّور الآن على إيران، ذلك البلد المسلم الذي صفّق بكلّ حرارة يوم أكل العراق المسلم، وأغرته تلك المرونة التي أبداها الغرب وهو يرى المليشيات الإيرانية تستحوذ على بغداد، وسفارة طهران تبسط نفوذها على بلاد الرافدين! فراح يتباهى بتعداد العواصم العربية التي بدأ يزحف عليها! والدّور سيأتي بعد إيران على بلد آخر، وربّما إن سقطت طهران، يكون الدّور على تركيا وباكستان!
أكثر من 46 سنة وإيران تتعرّض للحصار والظّلم من قِبل الغرب الصهيو-صليبيّ، بتواطؤ عربي، بسبب سعيها لامتلاك أسباب القوة والتملّص من الهيمنة الغربية، ومساندتها للقضية الفلسطينية. وهي بدورها مارست ظلما لا يقلّ فداحة عن الظّلم الذي تعرّضت له، ضدّ المسلمين في العراق وسوريا وأفغانستان. ومارست تحريضا طائفيا أثخن في جسد الأمّة المنهك، لكنّها حينما تتعرّض لعدوان صهيو-أمريكيّ، يفترض في المسلمين أن يفكّروا بمنطق أمّة تُنتقص من أطرافها ويُراد تركيعها ومنعها من النّهوض وامتلاك أسباب القوة، وليس بمنطق أمّة يَفرح بعضها بمعاقبة بعض على يد من هم أشدّ النّاس عداوة للذين آمنوا!
لو سقطت إيران، فإنّ البديل لن يكون دولة سنية يُسمح لها بامتلاك أسباب القوة والوقوف في وجه الغطرسة الصهيو-أمريكية، إنّما سيكون دولة تضاف إلى دول الخنوع والركوع، تمهيدا للعلوّ الكبير الذي يتحرّك نحوه الصهاينة بخطى متسارعة، وعلوّ “اليهود” لن يكون لحساب مكانة الصحابة، ولا لحساب “التوحيد”، إنّما سيكون من نتائجه المرّة أن يُسمع سبّ الخالق وسبّ نبيّه –عليه الصّلاة والسّلام- على ألسنة قتلة الأنبياء والرسل، على أنقاض المسجد الأقصى!
الاصطفاف مع إيران، في مثل هذا الوقت الحرج، هو إعلان لرفض أن يُعاقَب مسلم مخطئ أو حتى “منحرف”، على يد كافر موغل في الظّلم والعدوان، وهو -أي الاصطفاف- لا يعني خيانة مظلومية العراقيين أو السوريين، ولا التسليم بأحقية المذهب الشيعيّ، إنّما يعني أنّ الجرح قد يُحتمل ألمه تحسبا لجرح أعمق وأنكى، وأنّ الخلاف مع “التشيع” قد أرجئ إلى وقت آخر. كيف لا والقضية أصبحت قضية دين كامل يُحارب بمختلف مذاهبه ومشارب، وقضية أمّة يراد لها أن تُقبر فلا تنهض أبدا؟
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post الخلاف الذي يجب أن يُؤجّل appeared first on الشروق أونلاين.