المكتبة العتيقة العربي التبسي .. فضاء ثقافي يصارع لأجل البقاء
سمير زمال */ من الأماكن التي لها رمزية لدى سكان مدينة تبسة، خاصة منهم المهتمين بالشأن الثقافي من الأدباء والباحثين في مجال التاريخ والثقافة والأدب، وكذا محبي المطالعة من كل الفئات والأعمار بجميع الجوانب المعرفية، تلك المكتبة العتيقة التي تحتوي مجموعة كبيرة من الكتب ذات القيمة المعرفية والتاريخية، في العديد من المجالات والتخصصات، وسنحاول في …

سمير زمال */
من الأماكن التي لها رمزية لدى سكان مدينة تبسة، خاصة منهم المهتمين بالشأن الثقافي من الأدباء والباحثين في مجال التاريخ والثقافة والأدب، وكذا محبي المطالعة من كل الفئات والأعمار بجميع الجوانب المعرفية، تلك المكتبة العتيقة التي تحتوي مجموعة كبيرة من الكتب ذات القيمة المعرفية والتاريخية، في العديد من المجالات والتخصصات، وسنحاول في هذا التقرير الموجز الإحاطة بظروف تأسيسها وإسهاماتها في ميدان الثقافة المحلية .
الموقع والهيكلة
تقع مكتبة العربي التبسي- رحمه الله -وسط مدينة تبسة وتحديدا داخل السور البيزنطي الأثري بالقرب من باب سولومون المعروفة بـزنقة المزابية، على يسار مقر قدماء الكشافة الإسلامية الجزائرية والذي كان سابقا معبدا ليهود المدينة من المستوطنين؛ تتكون بنايتها من طابقين، أرضي متكون من فضاء وقاعة واسعة للمطالعة، أما الطابق الأول فتتواجد فيه القاعة الرئيسية للكتب بالإضافة إلى مكتب خاص بمسيريها وحفظ الشؤون الإدارية، تتوفر على خزائن ورفوف كبيرة تحمل عددا كبيرا من المجلدات والكتب أكثر من نصفها من الطبعات القديمة، مفهرسة ومقسمة وفق التخصصات حيث يحتل قسم الأدب والتاريخ والفكر المساحة الأكبر .
تتوفر أيضا على مجموعة من الكتب الدينية والعلمية، بالإضافة إلى مجلات وقواميس ذات القيمة التاريخية الهامة لكونها طبعات قديمة أصلية، فمنها ما يعود لسنوات الإحتلال الفرنسي،كما تتوفر على مجموعة من المخطوطات والصحف التي كانت تصدر زمن نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مرحلتها الأولى قبل استرجاع السيادة الوطنية، تتوفر أيضا على كتب كانت مِلكا للعلامة العربي التبسي وعليها الكثير من التعليقات بخط يده، المكتبة – كما هو مبين في الصور المرفقة تحوز طاولة كبيرة بكراسي خشبية دائرية الشكل،كما تم توفير جهاز حاسوب من أجل رقمنة فهارس المكتبة لتيسير الوصول إلى ما يريده الباحث مع وجود سجلات بقائمة الكتب أيضا.
بدايات تكوينها
تأسست هذه المَعْلَمة الثقافية فجر الإستقلال وتحديدا سنة 1964مـ خلال مرحلة ترأس المجاهد والمثقف علي عليّة رحمه الله بدعم وتأييد من المجاهد الشاعر محمد الشبوكي في المجلس الولائي، وأطلق عليها إسم «الشيخ العربي التبسي» تيمنا بجميل ذكره ولأن مؤسسيها هم من طلبته ومحبيه عليه رحمة الله، إذ كانت تحت إشراف تلميذه الوفي الشّيخ إبراهيم روابحية –رحمه الله -، بمعاونة نخبة من رجالات الثقافة والعلم التبسيين من أمثال الشيخ الحفصي جدري ثم تعاقب على خدمتها من الأفاضل مثل : الشيخ مبروك شريط والأستاذ بوعيطة بوبكر وأ. ياسين زياني.. فكرة إنشائها راودت مجموعة من المثقّفين والأدباء التبسيين فكان لهم ذلك بعد جهود حثيثة.
كانت المكتبة في بداياتها ملكا للمثقفين بالمدينة، لتتحول بعدها كملكية عامة تابعة للمجلس الشعبي البلدية – للبلدية -، وذلك خلال السبعينات من القرن الماضي، ثم تحولت مسؤولية الإشراف عليها إلى مصلحة أرشيف الولاية لمدة ثلاث سنوات، لتنتقل بعدها المكتبة من مكانها القديم إلى قصر الثقافة محمد الشبوكي، بين سنوات 1988/2000م، وبقرار من والي الولاية آنذاك عادت إلى مكانها الأول وتبقى هناك لغاية يومنا هـذا.
نشاطها وخدماتها
الدور الأساسي المكتبة هوالمطالعة بإتاحة محتوياتها من كتب للجميع خاصة الباحثين والدارسين، وكعملية تنظيمية لابد من توفر مرتاديها على بطاقة مطالعة خاصة، تفتح أبوابها يوميا في الفترة الصباحية وكذا المسائية عدا يوم الجمعة ؛ المكتبة تعد ملجأ للطلبة الجامعيين للإستفادة من محتواها في مذكراتهم وأيضا بالنسبة للتلاميذ للدراسة نظرا للهدوء والجو المناسب للمطالعة.
المكتبة محطة إلتقاء الأدباء ونقطة تواصل بين الباحثين بمختلف توجهاتهم المعرفية، فقد زارها العديد من رجال الفكر من داخل الجزائر وخارجها، ونذكر هنا أن المؤرخ محمد علي دبوز رحمه الله كتب فصلا من كتابه «أعلام الإصلاح في الجزائر» في المكتبة خلال زيارته لها سنوات السبعينات من القرن الماضي، كما أثنى عليها الكثير من الكتّاب ممن استفاد منها في أطروحاتهم ومذكرات تخرجهم، بالإضافة إلى كونها تزخر خزائنها على مجموعة من الكتب المهداة من مؤلفيها الذين يسارعون في إفادة رفوفها بمنتوجاتهم الفكرية والعلمية، ومذكرات تخرج مختلفة التخصصات الأكاديمية.
زرت في الآونة الأخيرة المكتبة فوجدتها مغلقة، سألت قليل لي أنها خاضعة لعملية ترميم، فاستحسنت ذلك خاصة مع ما آٱلت إليه من تشقق لجدرانها وتسربات الماء من سقفها وعلى جدرانها مما قد يسبب خطرا على محتوياتها الثمينة . وفي ختام هذا التقرير الموجز لابد لنا من الإشارة إلى تراجع نسبة المقروئية وقلة مواد المكتبة وزوارها في المدة الأخيرة لعل ذلك راجع لإنشغالات الناس عنها لمتطلبات الحياة وكذا توفر وسائل ووسائط تكنولوجية من أجهزة ذكية، لكن هذا لا ينبغي أن يكون عليه من يريد إكتساب المعارف والآداب.
وعلى القائمين بالشأن الثقافي والفكري بالولاية من المسؤولين العناية بالمجال المؤسساتي خاصة دور المكتبات فهي الحاضنة المثلى للشباب والحافظ لأخلاقهم إن أحسنوا إختياراتهم في المطالعة والقراءة ولعله يستحسن نقلها إلى مكان غير مكانها الحالي حتى ننأى بها من ضوضاء محلات وسط المدينة ويسهل الوصول إليها، وبالمقابل يتوجب على ذوي الفعل الثقافي تنشيطها وبعث مجالس الحوار والنقاش والمطارحات العلمية، وذلك هودورها الذي أسسها الأولون لأجلها،كما وددنا من القائمين عليها فتح صفحة على مواقع التواصل الإجتماعي، تعريفا ونشرا لمحتواها بين القراء.
لمكتبة الشيخ العربي التبسي رونق خاص وحنين مميز ينتاب كل من مرّ بها وارتوى من معين كتبها، ذلك هو جواب كل من تسأله عنها، فكثيرا ما نجده عبارات الشوق والحنين نتبع من كلماتهم وحديثهم، وهذه دعوة مني إليكم لزيارتها والتعرف على كنوزها. كما ندعو الهيئات ودور النشر والكتاب إلى أن لا يبخلو عليها بمنتوجاتهم الفكرية.
ولِمَ لا نحضى بزيارة من طرف قادة الجمعية للإطلاع على ما بها وبعث نفس علمي ثقافي بين محبيها في مدينة تبسة التي لطالما كانت حاضنة لأنشطة الجمعية ومنبعا لخيرة المنتسبين إليها.
* ماستر تاريخ الجزائر المعاصر- جامعة تبسة