المهلوسات تجمع بين الأحياء الشعبية والراقية بسطيف

تسلّلت المؤثرات العقلية إلى أحياء سطيف بخفة، ثم تمدّدت كعدوى صامتة لم تستثن أحدا، ولم تقف عند حدود الأحياء الشعبية أو الأزقة الفقيرة، بل اخترقت أسوار الفيلات الفاخرة، وسكنت جيوب أبناء الطبقة الميسورة. الخطر لم يعد حكرا على المهمّشين، بل بات يشاركهم فيه أبناء الأثرياء، كلّ بطريقته، وكلّ بأسبابه ودوافعه. إنها حبوب صغيرة الحجم، ثقيلة […] The post المهلوسات تجمع بين الأحياء الشعبية والراقية بسطيف appeared first on الشروق أونلاين.

يونيو 25, 2025 - 16:42
 0
المهلوسات تجمع بين الأحياء الشعبية والراقية بسطيف

تسلّلت المؤثرات العقلية إلى أحياء سطيف بخفة، ثم تمدّدت كعدوى صامتة لم تستثن أحدا، ولم تقف عند حدود الأحياء الشعبية أو الأزقة الفقيرة، بل اخترقت أسوار الفيلات الفاخرة، وسكنت جيوب أبناء الطبقة الميسورة.
الخطر لم يعد حكرا على المهمّشين، بل بات يشاركهم فيه أبناء الأثرياء، كلّ بطريقته، وكلّ بأسبابه ودوافعه.
إنها حبوب صغيرة الحجم، ثقيلة العواقب، صارت قاسما مشتركا بين من يهرب من الفقر، ومن يفرّ من ترف بلا معنى. خلف كل قرص، قصة مأساة محتملة، ووراء كل متعاط احتمال انزلاق نحو العنف والجريمة.
لم يعد تعاطي وترويج المؤثرات العقلية حكرا على الأزقة الفقيرة في الأحياء الشعبية، ولا حكرا على الفئات الشعبية كما كان يعتقد. الظاهرة اليوم تسكن البنايات الحديثة مثلما تنتشر في الأحياء الفقيرة، تتغلغل بمحاذاة السكنات الاجتماعية مثلما تتوارى خلف أسوار الفيلات الراقية، فأحياء بسطيف مثل”دالاس” و”قاوة” و”حشمي” و”القصرية”، هي من أكثر الأحياء ترفا، لم تعد بمنأى عن الخطر، حالها كحال حي “لاندريولي” و”بيرقاي” و”حي 1014 مسكن” و”1000 مسكن” المعروفة بشعبيتها، حيث باتت المؤثرات العقلية وجها آخر لمأساة شبابية مشتركة، تحاك خيوطها في صمت، وتترجم جرائم واعتداءات وشذوذا سلوكيا متزايدا.
هذا الواقع الصادم جاء ليؤكده بيان صادر عن مصالح أمن ولاية سطيف، كشفت فيه عن توقيف 14 شخصا، من بينهم مسبوقون قضائيا، في عمليات نوعية شملت عدة أحياء فقيرة وثرية بعاصمة الولاية، وحجز 167 وحدة من المؤثرات العقلية، إلى جانب مبلغ مالي فاق 16 مليون سنتيم، يعتقد أنه من عائدات ترويج تلك السموم.
العمليات التي نفذّتها عناصر الشرطة القضائية بأمن الحواضر بعاصمة الولاية، جاءت عقب تسطير خطة أمنية دقيقة استنادا إلى معلومات وردت حول نشاط عدد من مروّجي المؤثرات العقلية. التحرك الميداني ترجم على الأرض بسلسلة مداهمات مسّت مناطق مختلفة، وانتهت بتوقيف شبان تتراوح أعمارهم بين 19 و41 سنة، في حالات تلبس بحيازة وترويج الأقراص المهلوسة بمختلف أنواعها.
وإذا كان انتشار المهلوسات وسط الأحياء الشعبية مفهوما من حيث ارتباطه بواقع اجتماعي هش، فإن تغلغلها في أوساط الأحياء الراقية وأبناء الأغنياء يطرح تساؤلات أعمق.
وفي هذا السياق، يرى الدكتور كمال بن موسى، مختص في علم النفس الاجتماعي، أن انتشار المؤثرات العقلية في الأحياء الفقيرة يمكن فهمه من زاوية الهروب من الواقع وضغط البطالة والفقر، لكن تمدّد الظاهرة إلى الأحياء الراقية وفي أوساط الميسورين يطرح تساؤلات حول طبيعة الفراغ النفسي والقيمي لدى بعض الفئات.
ويؤكد الدكتور بن موسى في تصريح لـ”الشروق اليومي”، أن “هناك اعتقادا سائدا بأن أبناء الأغنياء محصّنون من هذه الانزلاقات بسبب الرفاهية، لكن الواقع مختلف، فكثير منهم يعاني من العزلة داخل الأسرة، الضغط الدراسي، فقدان الشعور بالإنجاز الشخصي، أو الوقوع تحت تأثير التقليد والانبهار بثقافة الإدمان المنتشرة في بعض الأوساط الثرية، خصوصا في ظل غياب رقابة حقيقية داخل البيوت”. ويضيف أن “الأحياء الراقية ليست محصّنة، بل أضحت مسرحا لتعاطي المؤثرات العقلية بشكل ناعم وخفي، داخل فيلات مغلقة أو في سيارات فاخرة، حيث يحاول بعض الشباب تعويض الفراغ النفسي والإفراط في الترف بوسائل قاتلة”، مشيرا إلى أن “المهلوسات لم تعد مرادفة للبؤس فقط، بل أصبحت انعكاسا لأزمة قيمية عميقة تطال مختلف شرائح المجتمع، من دون استثناء”.
وأما بالنسبة للموقوفين، فقد تم إخضاعهم لإجراءات التحقيق، وتقديمهم من طرف الضبطية القضائية أمام النيابة المختصة لدى محكمة سطيف، بتهمة حيازة المؤثرات العقلية بطريقة غير شرعية بغرض البيع.
ويجمع متابعون ومختصون أن الظاهرة باتت تتطلب مقاربة متعدّدة الأبعاد، لا تقتصر فقط على الجانب الأمني، بل تشمل التحسيس في مختلف المؤسسات، مع دعم خدمات الصحة النفسية، ومتابعة صارمة لشبكات الترويج التي تستغل هشاشة الشباب سواء في حي شعبي أو راق لتسويق الوهم على شكل قرص قاتل.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post المهلوسات تجمع بين الأحياء الشعبية والراقية بسطيف appeared first on الشروق أونلاين.