بعد 63 عامًا من الإستقلال .. تحديات أمنية وجيواستراتيجية متفاقمة
تواجه الجزائر، بعد 63 عامًا من الإستقلال، تحديات أمنية استراتيجية متعددة الأبعاد، في ظل مساعي البلاد وعزمها على كبح أي معوقات أو عراقيل قد تسهم في ضرب الاستقرار الوطني والإقليمي، وسط عدم استقرار المنطقة، في محيط يغلب عليه طابع التوترات والخلافات السياسية والدبلوماسية، وتنامي التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، بالإضافة إلى تحديات الهجرة غير […] The post بعد 63 عامًا من الإستقلال .. تحديات أمنية وجيواستراتيجية متفاقمة appeared first on الجزائر الجديدة.

تواجه الجزائر، بعد 63 عامًا من الإستقلال، تحديات أمنية استراتيجية متعددة الأبعاد، في ظل مساعي البلاد وعزمها على كبح أي معوقات أو عراقيل قد تسهم في ضرب الاستقرار الوطني والإقليمي، وسط عدم استقرار المنطقة، في محيط يغلب عليه طابع التوترات والخلافات السياسية والدبلوماسية، وتنامي التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، بالإضافة إلى تحديات الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة. تتطلب هذه التحديات مقاربة شاملة تتضمن تعزيز التعاون الإقليمي، وتأمين الحدود، ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما سعت الجزائر لتجسيده ميدانيًا، من خلال مخططات وبرامج تتماشى مع هذه التحديات وتساير التطورات.
وتتزايد حدة التحديات الأمنية والجيواستراتيجية الملقاة على عاتق الجزائر، بعد التحاق نظام المخزن المغربي في عام 2020 بقطار التطبيع مع الكيان الصهيوني، رعاية أمريكية، ليكون بمثابة الشريك والحليف له ولمصالحه الاستراتيجية والتوسعية في المنطقة، مقابل نيل الاعتراف الأمريكي والإسرائيلي بسيادته المزعومة على أراضي الصحراء الغربية المحتلة.
ومؤخرًا، شارك لواء “غولاني” الصهيوني المتورط في جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، في مناورات “الأسد الإفريقي 2025” بالمغرب، وهو ما أثار جدلاً وسخطًا عارمًا داخل وخارج البلاد، متهمين مملكة “محمد 6” بالتواطؤ المباشر مع جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين.
ويرى محلّلون إن الخطر الذي يشكله التحالف الإسرائيلي المغربي على منطقة شمال وغرب إفريقيا، في طليعتها الجزائر، يتعاظم باستمرار، حيث يلجأ إلى شن حروب الجيل الخامس لخلق الفوضى، من خلال الهجمات السيبرانية والالكترونية، دعم المجموعات الإرهابية، وإغراق البلدان بالمخدرات، خاصة أن هناك قوى أخرى تدعمه مثل فرنسا والإمارات والولايات المتحدة، وهذا ما سيعرّض أمن شعوب المنطقة برمتها للخطر ببحثهما عن خلق الفوضى ونشر الحروب والتوسع في كل الاتجاهات، فيما أضافوا إن الذي عرقل هذا الخطر، إلى حد الآن، هو-بالإضافة إلى وجود حرب في الصحراء الغربية، ومحاولة موريتانيا الممانعة- وجود الجزائر كقوة إقليمية قوية في المنطقة، تحرص باستمرار على ألا يتم اختراق إفريقيا من خاصرتها الشمالية من طرف الكيان الصهيوني وحلفائه.
إلى جانب المغرب، فالعلاقات مع الإمارات توترت بشكل شديد خلال العامين الماضيين، على وقع الممارسات والأنشطة العدائية التي تقوم أبوظبي بتنفيذها لاستهداف أمن واستقرار الجزائر والمنطقة ككل، مما يعكف على خلق بؤرة صراع قد تؤدي إلى محاصرة الجزائر إقليميا وجيواستراتيجيا، فيما أعربت الجزائر عن قلقها البالغ من الدور الذي تؤديه الإمارات في دفع دول الجوار نحو التطبيع، وهو ما تعتبره تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
منطقة الساحل الإفريقي
وفي منطقة الساحل والصحراء، تواجه الجزائر تحديات متفاقمة، برزت بشكل جلي في الآونة الأخيرة، في أعقاب تنامي حدة الأزمات وحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تشهده المنطقة، لا سيما في بلدان كنفيدرالية الساحل، التي يحكمها عسكريون انقلابيون، بما في ذلك مالي والنيجر وبوركينافاسو.
وبعدما لعبت الجزائر دوراً رئيسياً في توقيع الحكومة المالية، عام 2015، اتفاق سلام مع حركة الأزواد، اندلعت مجددا في عام 2023، اشتباكات في شمال مالي بين الجيش النظامي المدعوم من قوات “فاغنر” الروسية، والحركات الأزوادية، وكانت هذه المواجهات إيذاناً بتحول أو تغيير في شكل العلاقات الجزائرية مع مالي. لكن نقطة التحول كانت مطلع أفريل الماضي، حينما أعلنت الجزائر عن إسقاط طائرة استطلاع بدون طيار مسلحة في منطقة تيزاواتين الحدودية مع مالي، بعد اختراقها المجال الجوي الجزائري لمسافة 2 كيلومتر. ليتبعها قرار سحب السفراء وإغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات المتجهة أو القادمة من مالي.
وتعكس الأحداث الجارية شمال مالي ودول الساحل والمناطق الحدودية، حالة من الهشاشة الأمنية تتوافق مع التحذيرات الواردة في تقارير دولية حول وجود تهديدات أمنية كبيرة في المنطقة. وينبع قلق الجزائر من احتمال امتداد الاضطرابات والتوترات إلى حدودها الجنوبية، خاصة في ظل استمرار العمليات العسكرية للجيش المالي ضد الحركات الأزوادية في شمال مالي. وتواجه الجزائر تحديًا أمنيًا معقدًا على حدودها الجنوبية مع دول الساحل منها مالي وحليفيها النيجر وبروركينافاسو، التي تشهد حراكًا نحو التخلص من النفوذ الخارجي. وقد تحولت مدينة تينزواتين الحدودية مع مالي إلى نقطة محورية في الصراعات الإقليمية، وذلك لتصاعد المواجهات المسلحة.
والواضح أن باماكو أضحت اليوم حلبة صراع لقوى عظمى في المنطقة، برزت بشكل أكثر وضوحًا بعد انقلاب الجنرال آسيمي غويتا على الرئيس الشرعي للبلاد، ليمهّد لاستقبال الميليشات والمرتزقة، في مقدمتهم “فاغنر” والفيلق الإفريقي” الروسيين. ومطلع جوان الماضي، أعلنت ميليشيات مرتزقة “فاغنر” الروسية، انسحابها من مالي، فيما ربط مراقبون ذلك بموقف الجزائر المبدئي الرافض للانقلابات والميليشيات، حيث نجحت في إبعاد الميليشيات والمرتزقة الأجانب من هذه المنطقة المحاذية لها، والمساهمة في حلحلة الأزمة في الساحل الإفريقي.
ويربط مراقبون اتفاقا عسكريا أبرمته الجزائر مؤخرًا مع القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا، بتزايد التوترات في الساحل الأفريقي، وتوسع نفوذ روسيا من خلال مجموعة “فاغنر”، حيث تسعى الجزائر من خلاله إلى تقوية قدراتها الدفاعية، مع الحفاظ على استقلالية قرارها السياسي والعسكري.
ليبيا موطئ قدم للنفوذ الأجنبي
إلى جانب ذلك، باتت ليبيا، الجارة الشرقية للجزائر، عرضة للنفوذ الأجنبي مع استمرار القتال والتناحر السياسي وغياب الديمقراطية والجمود الذي يعتري البلاد منذ انتفاضة عام 2011، وهو الأمر الذي فتح المجال أمام النفوذ الإماراتي ومرتزقة “فاغنر” لتجد موطئ قدم هناك منذ عام 2018. ولاحقًا، جرى تشكيل قوة عسكرية رسمية باسم “الفيلق الإفريقي”، لتحل مكان مرتزقة “فاغنر”.
ومما لا شكّ فيه، أن تدهور الأوضاع في ليبيا، ينعكس بطريقة أو بأخرى على استقرار الجزائر والمنطقة ككل، في ظل تنامي نشاط الجماعات الإرهابية والإجرامية، وتهريب السلاح والمخدرات، في ضوء الأزمات السياسية والعسكرية التي تعصف بالبلاد منذ انتفاضة عام 2011، منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي. ودعا الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، بمجلس الأمن، إلى ضرورة التحرك العاجل من أجل العودة إلى مسار الحوار السلمي في ليبيا، محذرًا من هشاشة الوضع والتطورات الأخيرة التي وصفها بــ”المخيفة”، في إشارة إلى تجدد المواجهات المسلحة في طرابلس، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار البلاد.
وتؤكد الجزائر من خلال هذا الموقف الثابت، على أهمية تكثيف الجهود الإقليمية والدولية لدعم المسار السياسي الليبي، وتمكين الليبيين من بناء مؤسسات موحدة تحقق تطلعاتهم في الأمن والتنمية، وهو ما سيسهم في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.
عبدو.ح
The post بعد 63 عامًا من الإستقلال .. تحديات أمنية وجيواستراتيجية متفاقمة appeared first on الجزائر الجديدة.