بوصلة الأكابر والأصاغر!
أ.د: عبد الحليم قابة رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرييـن/ الأكابر جمع أكبر، والأصاغر جمع أصغر، وهما وصفان يشيران إلى التفاوت في المراتب والمكانة والشرف والعلم والأدب، وليسا جمع كبير أو صغير الذين يُجمعان على كبار وصغار، الذين يطلقان – غالبا – على الحجوم والأعمار وقد يطلقان على المكانة، والسياق والقرائن هي التي تحدد المراد. وقد …

أ.د: عبد الحليم قابة
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرييـن/
الأكابر جمع أكبر، والأصاغر جمع أصغر، وهما وصفان يشيران إلى التفاوت في المراتب والمكانة والشرف والعلم والأدب، وليسا جمع كبير أو صغير الذين يُجمعان على كبار وصغار، الذين يطلقان – غالبا – على الحجوم والأعمار وقد يطلقان على المكانة، والسياق والقرائن هي التي تحدد المراد. وقد استعمل القرآن لفظ أكابر في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام:123]
واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم لفظ أصاغر في قوله: (إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر)…
ومعلوم أن أكابر القوم هم شرفاؤهم وعلماؤهم وذوو المكانة والرفعة فيهم بميزان العقلاء والحكماء، لا بميزان الدهماء والأغبياء. فأكابر المسلمين غير أكابر المجرمين {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ{*} مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم : 36-35].
ولا شك أن المجاهدين الصادقين في غزة وفلسطين قد حازوا الشرف كله؛ فأغلبهم حفظة لكتاب الله وقد ورد في أثر فيه ضعف في إسناده، كما قال بعضهم، دون متنه: «أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل» وقد حازوا العلم بجهادهم فتعلموا العلم النافع كله كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة: 122] .
فهم أولى الناس بلقب الأكابر، وقد يلحق بهم في هذا الشرف – إن شاء الله – من وقف معهم، وناصرهم وأيّدهم وأحبهم وخلفهم في أهاليهم بخير فقد ثبت أن (من جهّز غازيا أو خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا)
وأخشى – في هذا الظرف الذي تمر به فلسطين – أن أقول بانحصار هذا الشرف وهذا اللقب فيهم وفيمن ألحق بهم ممن هو في ميزان الحق والشرع منهم ومعهم، ولو كان بعيدا بجسنه عنهم، كما أخشى أن أقول -أيضا – بسحبه من كل من عداهم من الناس، وخصوصا من هم عند الناس أكابر ولكنهم – بميزان الشرع – أصاغر بتخليهم وتقصيرهم، أو بخيانتهم وغدرهم، أو بتآمرهم، على أمتهم وتعاونهم مع عدوهم، وأخشى أن أقول وكذا من لم يُحرك ساكنا، ولم يصبر حتى على مقاطعة بضائع شركاتهم أو الشركات الداعمة لهم.
ومن باب التحدث بنعمة الله كما أمر الله، ومن باب الإعلام والتحفيز وكسب الأعوان على الخير، نقول بأن جمعية العلماء أعلنت هذه الأيام عن مبادرة وطنية للتنسيق بين جهود العاملين في الساحة والمبادرين في وطننا العزيز لنصرة إخوانهم في فلسطين عامة وغزة خاصة، وقد بدأت – متفائلة – في بعض أعمالها، طالبة من كل من سمع بها أن يدعمها بالانضمام إليها أو بأي جهد يرشِّد مسارها، أو بنشر إعلامي لأخبارها، أو بكلمة طيبة تثبتُ أصحابها والمبادرين إليها، والفاعلين فيها، أو بدعاء واجف يُرفع لمولانا عساه يُكرمنا باستجابة كريمة، فنحقق المقاصد، ونفوز بالجنة والرضوان.
نقول ذلك في هذا السياق عسى أن يسجلنا التاريخ نحن وكل من بذل أي جهد لنصرة المستضعفين وخصوصا إخواننا في غزة وفلسطين، وكل من نصر الحق المبين، وكان من المصلحين، عسى أن نُدرج مع قائمة الأكابر عند الله، وعند عقلاء عباد الله.
أما لقب الأصاغر الذي شرحه الشارحون بالمبتدعة والعصاة والأنذال والجهلة المتجرِّئون على مالا يُحسنون، فأكاد أحصره – في هذه الظروف العالمية التي نعيشها – في الذين تخلوا عن نصرة غزة ، والفلسطينيين في القدس والضفة وغيرهما، وفي الذين خانوا القضية وباعوها بثمن بخس، وفيمن نام وغط في نوم عميق وهو يرى ما يحل بإخوانه من مجاعة وإبادة، وهو قادر على أن يفعل شيئا ولم يفعل، وفيمن ام يحرك ساكنا لنصرة دينه ومبادئه الذي لا عزة للأمة إلا به والتمسك به وحسن الفهم له والعمل به والدعوة إليه.
وأظن أنه بعد هذا البيان عرف كلّ أحد – وقف عليه – مكانتَه ووصفَه ، وعرف هل هو من الأكابر أم من الأصاغر؟
وأظن أنه – بعد هذا البيان – اتضح الطريق لكل ذي عينين، واهتدى الجميع إلى النجدين، واختار كل واحد منا أحد الفريقين
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ }[الشورى: 7].