تآكل الثقة السياسية يدفع الشباب المغربي إلى مساءلة المخزن في الشارع
انتفاضة الشارع المغربي طيلة الأيام الماضية, تؤكد, دون أدنى شك, تآكل الثقة السياسية لدى شبابه الذي عانى تراكمات طويلة من الإقصاء السياسي والاجتماعي, ما جعله أكثر جرأة في مساءلة المخزن حول مشروعية الفعل السياسي وجدوى المؤسسات في تلبية حاجاته وتحقيق الكرامة والعدالة. وفي خضم الاحتجاجات وفقدان الثقة المتنامي لدى الشباب في المؤسسات الرسمية للمخزن, أثارت […] The post تآكل الثقة السياسية يدفع الشباب المغربي إلى مساءلة المخزن في الشارع appeared first on الجزائر الجديدة.

انتفاضة الشارع المغربي طيلة الأيام الماضية, تؤكد, دون أدنى شك, تآكل الثقة السياسية لدى شبابه الذي عانى تراكمات طويلة من الإقصاء السياسي والاجتماعي, ما جعله أكثر جرأة في مساءلة المخزن حول مشروعية الفعل السياسي وجدوى المؤسسات في تلبية حاجاته وتحقيق الكرامة والعدالة.
وفي خضم الاحتجاجات وفقدان الثقة المتنامي لدى الشباب في المؤسسات الرسمية للمخزن, أثارت تصريحات وزير الصحة والحماية الاجتماعية المغربي, أمين التهراوي, حول قرار وقف إعانات الاستثمار العمومية لصالح القطاع الصحي الخاص, الجدل في أوساط الفاعلين بالقطاع, بعد أن أظهرت النتائج المالية والتقارير المحاسبية غياب أي دعم أو إعانة عموميتين, حيث قرر الوزير وقف دعم لا وجود له أساسا.
وأتت تصريحات الوزير في ظرفية خاصة احتجاجية ضد تردي خدمات الصحة العمومية, مع العلم أن عددا من المستثمرين في القطاع الصحي الخاص بادروا خلال الفترة الماضية إلى الاستفادة من دعم ميثاق الاستثمار, وقدموا ملفات طلبات إلى اللجنة الوطنية للاستثمار, إلا أنهم لم يتوصلوا بأي جواب رغم استيفائهم جميع الشروط والمعايير التي تخول لهم الحصول على إعانات الاستثمار.
كما أدت “استفاقة” وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة, فاطمة الزهراء المنصوري, من سباتها العميق ومحاولتها ذر الرماد في العيون إلى إعلان “التنسيقية الوطنية لضحايا زلزال الحوز” عن عزمها استئناف احتجاجاتها, معتبرة أن “حديث الوزيرة عن الإنصات يتناقض تماما مع تجاهل الحكومة لمطالبها على مدى عامين كاملين”.
واستنكرت التنسيقية “التناقض بين دعوة الوزيرة للإنصات وغياب أي تجاوب مع مطالب الأسر المقصاة”, لافتة إلى أنها “نظمت عشرات الوقفات الاحتجاجية وراسلت مختلف الجهات الرسمية على مدى عامين, دون أي استجابة فعلية”. وتعرف الثقة السياسية لدى المغربيين تراجعا كبيرا تجاه حكومة المخزن ومؤسساته الرسمية, حسب دراسة علمية نشرت في مجلة “SocioEconomic Challenges” الألمانية, في أكتوبر الجاري, أنجزها كل من محمد شريمي ومحمد بن عيسى, ضمن مشروع بحثي سوسيولوجي, يروم تحليل علاقة الشباب بالمؤسسات السياسية في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة التي يعرفها المغرب.
وأفادت الدراسة بأنه مع تصاعد معدلات البطالة واتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية بين المدن والقرى وتدهور جودة الخدمات العمومية, فإن مستوى الثقة في حكومة المخزن لا يتجاوز 16 في المئة, بينما لا تتعدى الثقة في البرلمان 21 في المئة, وتنخفض إلى 15 في المئة فقط بالنسبة للأحزاب السياسية, مشيرة إلى أن “فقدان الثقة ناتج بالأساس عن ضعف الكفاءة المؤسسية وغياب الشفافية ونقض الوعود الانتخابية وتدهور جودة الخدمات في الصحة والتعليم والتشغيل”.
وفي سياق ما يجري في هذا البلد, أبرز الكاتب المغربي محمد براو, في مقال له نشر اليوم الاثنين على مواقع إعلامية, أن “ما يحدث ليس تعبيرا لحظيا عن الغضب ولا مجرد موجة احتجاجية عابرة, بل هو تجل صريح لانفجار اجتماعي تراكم منذ سنوات”, مشيرا إلى أنه في خلفية هذا الاحتجاج “تقف أزمات بنيوية عميقة (..) ولم يعد المواطنون, خاصة جيل الشباب, يطالبون بتحسينات ظرفية, بل يعيدون طرح الأسئلة الجوهرية حول من يحكم وكيف يحكم ولمصلحة من”.
وأكد براو أنه رغم تصاعد الاحتجاجات ووضوح المطالب, إلا أن حكومة المخزن “فشلت في تقديم خطاب سياسي أو جواب مجتمعي يعبر عن فهم عميق لأزمة الشباب والمعاناة الاجتماعية (..) فبقيت التصريحات الرسمية بعيدة عن الواقع اليومي, وافتقرت إلى آليات محاسبة حقيقية أو وعود ملموسة”, مشيرا إلى أن “بعض المحاولات الإعلامية ظهرت لاستعادة الهيمنة على السردية (..) ما عمق الأزمة وزاد من عزلة السلطة عن الشارع”.
من جهته, أشار الكاتب المغربي عثمان مخون, في مقال تحت عنوان “حين تنحسر حرية التعبير يسهل قلب المفاهيم”, إلى أنه “في مثل هذه البيئات المأزومة, حيث تتراجع الصحافة المستقلة وتتغول سلطتا المال والسياسة (..) يعاد ترتيب الواقع وفق مصالح الأقوياء, ويدجن الرأي العام على نحو يجعل الضحية تبدو مذنبة والمهيمن يبدو مخلصا”.
ولفت عثمان مخون إلى أنه في السياق المغربي وعوض أن تنخرط وسائل الإعلام الكبرى -الرسمية وشبه الرسمية- في نقاش عمومي مسؤول حول جوهر هذه المعضلات, تستدعي البرامج الحوارية والنشرات الإخبارية وصفحات المواقع والجرائد اليومية “الخبراء” و”المحللين” ل”اختزال الفعل الاحتجاجي الشبابي في مشهد اجتماعي أو نفسي, بدل أن يقرأ كصرخة سياسية ضد اختلالات عميقة في بنية الدولة والمجتمع”.
The post تآكل الثقة السياسية يدفع الشباب المغربي إلى مساءلة المخزن في الشارع appeared first on الجزائر الجديدة.