تدهور العلاقات يُطيح بمكانة المنتجات الفرنسية في السوق الجزائري

أدّت العلاقات السياسية المتوترة بين الجزائر وفرنسا، بالإضافة إلى استراتيجية الحكومة الجزائرية لتنويع مصادر الاستيراد وتعزيز الإنتاج المحلي، تسارعاً في فقدان فرنسا لحصتها السوقية في الجزائر، بما في ذلك القطاعات التي كانت تعتبرها باريس استراتيجية للاستحواذ على حصص واسعة من الأسواق الخارجية، لا سيما في الجزائر، وتتمثل في القمح، والسيارات، ولحوم الأبقار، التي تراجعت إلى […] The post تدهور العلاقات يُطيح بمكانة المنتجات الفرنسية في السوق الجزائري appeared first on الجزائر الجديدة.

يونيو 4, 2025 - 16:54
 0
تدهور العلاقات يُطيح بمكانة المنتجات الفرنسية في السوق الجزائري

أدّت العلاقات السياسية المتوترة بين الجزائر وفرنسا، بالإضافة إلى استراتيجية الحكومة الجزائرية لتنويع مصادر الاستيراد وتعزيز الإنتاج المحلي، تسارعاً في فقدان فرنسا لحصتها السوقية في الجزائر، بما في ذلك القطاعات التي كانت تعتبرها باريس استراتيجية للاستحواذ على حصص واسعة من الأسواق الخارجية، لا سيما في الجزائر، وتتمثل في القمح، والسيارات، ولحوم الأبقار، التي تراجعت إلى أدنى المستويات في غضون السنوات الأخيرة، لتكون “شبه منعدمة”.

وبعدما كانت تهيمن الصادرات الفرنسية على معظم حاجيات الجزائر من عدة سلع ومنتجات استهلاكية، البيانات الأخيرة تشير إلى فقدان باريس مكانتها التجارية في بعض القطاعات الاقتصادية المحتكرة لعقود طويلة، بما في ذلك القمح اللين، اللحوم الحمراء (العجول) وكذا السيارات والمركبات، لتتهاوى حصتها السوقية اليوم إلى أدنى المستويات، بل لتكون شبه منعدمة، في أعقاب أزمة التصعيد والتوترات السياسية والدبلوماسية بين البلدين خلال الأشهر الأخيرة، مدفوعة بقضايا وملفات عديدة محل خلافات متنامية، منها ملف الذاكرة التاريخية والمهاجرين والتأشيرات والتعاون والتنسيق الأمني المشترك، إلى جانب قضية توقيف الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال وإيداعه السجن بالجزائر، وما أثاره من جدل وتوتر سياسي كبير، فيما كانت أولى تداعيات الأزمة مع انقلاب موقف باريس الرسمي إزاء الصحراء الغربية لصالح مقترح الحكم الذاتي المغربي.

على الصعيد الاقتصادي والتجاري، ظهر تراجع النفوذ الاقتصادي الفرنسي في الجزائر منذ أكثر من عشر سنوات، مع بروز الصين كأحد أهم القوى الاقتصادية العالمية، وتوجهها نحو شراكات وتعاون في إطار “رابح رابح” مع عدة بلدان إفريقية، في مقدمتها الجزائر، باعتبارها البوابة إفريقيا التجارية نحو أسواق القارة السمراء. ففي عام 2013، أطاحت الصين بفرنسا من موقعها كأول ممون للجزائر، وقد ساهمت الأزمات السياسية المتتالية خلال السنوات الأخيرة في تسريع هذا الانحدار، رغم أن فرنسا لا تزال ثاني أكبر ممون للجزائر. وفي عام 2024، وبعد ثلاث سنوات متتالية من النمو، تراجعت المبادلات التجارية بين البلدين بنسبة 4.3% لتبلغ 11.1 مليار أورو. أما في الربع الأول من عام 2025، فقد ازدادت حدة التراجع، وخصوصاً على مستوى الصادرات الفرنسية نحو الجزائر، التي انخفضت بنسبة 21% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024. وبحسب الأرقام الرسمية للجمارك الفرنسية، فإن صادرات المنتجات الزراعية والحيوانية انخفضت بنسبة 99%، ومنتجات الألبان والمثلجات بنسبة 98%، والمواد الغذائية المتنوعة بنسبة 60%.

القمح..

وتُعد صناعة القمح الفرنسية من أكثر القطاعات المتضررة نتيجة التغيّر في العلاقة التجارية مع الجزائر، التي تُعتبر من أكبر مستوردي القمح في العالم. وفقدت فرنسا تدريجياً مركزها كمزود رئيسي للجزائر منذ عام 2020، عندما قرر الديوان الجزائري المهني للحبوب (OAIC) ، في ظل أزمة اقتصادية خانقة عقب انهيار أسعار النفط، تخفيف شروط المناقصات الدولية بهدف تنويع الموردين، ما فتح الباب أمام استيراد القمح من منطقة البحر الأسود، في مقدمتها القمح الروسي والأوكراني.

وبحسب مراقبين، فإن “دفتر الشروط الجزائري كان مصمماً خصيصاً للقمح الفرنسي. لكن مع تغيير شروط المناقصات، فتحت الجزائر السوق أمام موردين جدد، وكانت فرنسا الخاسر الأكبر.”، مضيفين أنه “إلى جانب العوامل التقنية التي جعلت القمح الفرنسي أقل تنافسية مقارنة بقمح البحر الأسود، فإن التوترات السياسية المتكررة بين البلدين فاقمت من هذا الانحدار. فمن صادرات كانت تصل إلى 5 إلى 6 ملايين طن في عام 2019، انخفضت صادرات فرنسا إلى 2 مليون طن في عام 2020، في حين كانت سابقاً تُصدر ما يصل إلى 9 ملايين طن إلى الجزائر”.

ومع تصاعد الأزمة السياسية بين البلدين، توقفت الجزائر بشكل شبه تام عن شراء القمح الفرنسي. وقد صرح آلان كايكيرت، المدير العام لشركة Céréviaالزراعية الفرنسية: “اليوم، لا شيء.. ليس لدينا أي رد على ملفاتنا بخصوص التصدير إلى الجزائر”، فيما كشفت بيانات فرنسية إن “الجزائر لو تستورد أي شحنة من القمح الفرنسي خلال العام الجاري”.

وبعد عقود طويلة من هيمنة القمح الفرنسي على معظم مشتريات الجزائر من هذه الحبوب، كشف إدوارد زيرنين، رئيس اتحاد مصدري الحبوب الروسي وجود ارتفاع كبير في مشتريات الجزائر من القمح الروسي، مع توقعات تصل إلى 2.5 مليون طن بحلول نهاية حملة 2023/2024 في جوان المنصرم، وفقًا لوكالة “إنترفاكس” الروسية.

وتحتل الجزائر المرتبة الثانية عالمياً بعد مصر في استيراد القمح اللين، بواردات بنحو 7.7 مليون طن من سنوياً، بقيمة مالية تتجاوز 2.5 مليارات دولار، ما يجعلها رابع أكبر مستورد للمادة في العالم. بعد مصر 12.1 مليون طن، وإندونيسيا 10.4 مليون طن، تركيا 8.1 مليون طن، ولكنها تعتمد على مصادر تموين متنوعة، منها القمح الفرنسي، والأمريكي، والروسي وغيره.

العجول..

في تطور جديد في العلاقات التجارية الزراعية بين الجزائر وفرنسا، توقفت الجزائر بشكل مفاجئ وغير معلن عن استيراد عجول “البروتار” الفرنسية، بعد أشهر قليلة فقط من خفض وارداتها من القمح الفرنسي. هذا القرار، الذي لم يُرافقه أي إعلان رسمي من الجانب الجزائري شكّل ضربة موجعة لقطاع تربية المواشي الفرنسي، وخصوصًا المناطق المعروفة بإنتاج سلالة “شارولا” مثل منطقة سون-إي-لوار، التي كانت تعتبر من المزودين الرئيسيين للسوق الجزائرية بهذه النوعية من العجول التي تتراوح أعمارها بين 8 و15 شهرًا.

وكشفت صحيفة Le Progrès الفرنسية نهاية ماي المنصرم، إن “صادرات عجول البروتار نحو الجزائر متوقفة كليًا، ما أحدث خلخلة في سلسلة تجارية ظلت قائمة لعقود بين البلدين، كما تشير التقديرات إلى أن السوق الجزائرية كانت تستورد سنويًا نحو 20% من إجمالي صادرات فرنسا من هذه العجول، أي ما يعادل تقريبًا 260 ألف رأس من أصل 1.3 مليون عجل يتم تصديرها سنويًا”.

وكانت السلطات الجزائرية قد منعت في عام 2022 استيراد العجول والأبقار من فرنسا، قبل أن تؤكد السلطات الفرنسية من جديد، عودة الجزائر لاستيراد الأبقار والعجول الفرنسية، بعد أشهر عديدة من القطيعة وتشنج العلاقات الثنائية بين البلدين، بسبب تصريحات “مسيئة” للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، واعتبرتها الجزائر تدخلاً غير مقبولاً في شؤونها الداخلية.

السيارات والمركبات..

ويعتبر ملف استيراد السيارات من أكثر المواضيع الاقتصادية المثيرة للجدل في الجزائر، بعد أن قررت السلطات الرسمية فرض حظر شبه تام على استيراد المركبات قبل سنوات، بدعوى دعم الصناعة المحلية وخفض فاتورة الواردات، بعد تراجع احتياطي الصرف لدى البنك المركزي.

جاء استيراد وإنتاج السيارات والمركبات الفرنسية في الجزائر كأحد أبرز الملفات المتضررة من تدهور العلاقات الجزائرية الفرنسية، حيث تشير البيانات إلى حضور كثيف للعلامات الصينية الراغبة في التصنيع والإنتاج المحلي مقارنة بنظيراتها الفرنسية، منها “شيري”، جيلي”، وغيرها، لا سيما “رونو الجزائر” التي شرعت في الإنتاج منذ عام 2014، باستثمار أولي بلغ حوالي 66 مليون أورو، لكن المصنع لا يزال متوقفًا عن النشاط منذ عام أكثر من 5 سنوات، وسط تنامي الخلافات والشكوك حول هذا الاستثمار المشترك.

المؤسسة وقبل أن تغلق أبواب مصنعها مؤقتا، كانت تنتج ثلاثة أنواع من علامة “رونو” هي “سامبول”، و”كليو4″، و”داسيا سانديرو ستيب واي”، وكانت قد احتفلت في 12 سبتمبر من عام 2017، وصول عدد السيارات التي أنتجتها إلى 100 ألف سيارة.

وبعد 5 سنوات من التوقف التقني، لا يزال الجدل قائما حول عودة مصنع “رونو للإنتاج” بوهران، رغم إصرار العلامة الفرنسية على البقاء والتمسك بالسوق الجزائرية غير أن طلبها لعودة نشاط التصنيع قوبل بالرفض للمرة الثانية بسبب تحفظات حول نسبة الإدماج والعديد من الأمور التقنية التي تخص المصنع.

وكانت “رونو” الفرنسية قد تقدمت في 2023 بأول طلب لها وفقًا للنصوص الجديدة، التي تم فرضها في نوفمبر 2022، التي تحدد شروط استيراد وتصنيع السيارات في الجزائر. ورغم رفض وزارة الصناعة لملف شركة رونو غير أن الشركة الفرنسية تعتزم تقديم طلب جديد للتصنيع والعمل على رفع التحفظات.

وفي صناعة العجلات والإطارات، أعلنت شركة “ميشلان” الفرنسية إنهاء عملها بالجزائر، بعد 60 عاما من وجودها في السوق المحلية، منها 12 عاما منذ أن توقفت عن الإنتاج المحلي. في المقابل، أكد وزير التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية، الطيب زيتوني، خلال زيارة مجمع IRIS لصناعة العجلات المطاطية بولاية سطيف أن تغطية السوق الوطنية، بمنتجات تحمل علامة “صنع في الجزائر”، وهو هدف استراتيجي نعمل عليه بقوة.

ومنذ نوفمبر 2022، اعتمدت الجزائر مرسومًا تنظيميًا جديدًا يفرض على جميع مُصنّعي السيارات احترام نسب إدماج تدريجية تصل إلى 30% بحلول السنة الخامسة من التشغيل، مع عتبة أولى إلزامية بـ10% في السنة الثانية، و20% في الثالثة. وقد سمح هذا الإطار الجديد بانتقاء مشاريع أكثر جدية، كان أبرزها مصنع “فيات” التابع لمجموعة “ستيلانتيس” في طفراوي، الذي دخل فعليًا حيز الإنتاج في ديسمبر 2023، وبدأ تصنيع ثلاثة نماذج محليًا.

وبحسب مراقبين، هذا التحول في السياسات لا يستهدف “رونو” الفرنسية تحديدًا، بل يُعبّر عن رؤية وطنية لإعادة ضبط البوصلة الصناعية بما ينسجم مع المصلحة الاقتصادية السيادية، بعد سنوات من تبديد العملة الصعبة على مشاريع تجميع فاقدة للقيمة المضافة.

خصّصت الجزائر غلافاً مالياً قدره 2.6 مليار دولار لاستيراد السيارات الجديدة خلال العام 2023، تمّ استهلاك فقط نسبة 40 في المائة من هذا المبلغ إلى غاية شهر أكتوبر 2023، بعد الشروع في تمويل عمليات الاستيراد الخاصة بعدة علامات للسيارات، على رأسها “فيات” الإيطالية، إلى جانب علامات صينية أخرى تحصّلت رسمياً على الاعتماد لمزاولة نشاط الاستيراد والتصنيع المحلي، مثل “جيلي”، و”جاك”، و”شيري” وغيرها، إلاّ أن العلامات الفرنسية لم تحظ بأي حصص تمويل، بالنظر إلى عدم إدراجها ضمن الشركات “الجادة” الراغبة فعليًا في الاستثمار، وفق القوانين ودفتر الشروط الذي يحتكم إليه قطاع السيارات في الجزائر. عبدو.ح

The post تدهور العلاقات يُطيح بمكانة المنتجات الفرنسية في السوق الجزائري appeared first on الجزائر الجديدة.