حكاية مدرسة قرآنية صنعت الفرق في عنابة
عبد المالك حداد/ في أحد أحياء ولاية عنابة، كان هناك مكان مهجور تُحاك فيه مسالك الانحراف. مشهد كان يبعث الحسرة في النفوس، إذ تحول إلى نقطة سوداء في وسط حي المجاهد بية عبد الرزاق بمنطقة واد زياد. لكن الله يهيئ للخير رجاله في اللحظات الفاصلة. وبينما كان الجميع ينظر إلى هذا المكان كمصدر قلق، كان …

عبد المالك حداد/
في أحد أحياء ولاية عنابة، كان هناك مكان مهجور تُحاك فيه مسالك الانحراف. مشهد كان يبعث الحسرة في النفوس، إذ تحول إلى نقطة سوداء في وسط حي المجاهد بية عبد الرزاق بمنطقة واد زياد.
لكن الله يهيئ للخير رجاله في اللحظات الفاصلة. وبينما كان الجميع ينظر إلى هذا المكان كمصدر قلق، كان أحد المحسنين ينظر إليه بعيون الأمل “لماذا لا نحوله إلى منارة؟” كان هذا السؤال بداية الحكاية.
الخطوة الأولى: قرار الإحياء
لم يتردد المحسن الكريم “الحاج كساب” في التبرع بالمكان المكوَّن من 3 تجزئات سكنية ( له ولزوجته ولابنه)، ليكون نواة لمشروع يخدم القرآن وأهله. وهنا تحركت الهمم، وجاءت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لتأطير الفكرة وتحويلها إلى واقع ملموس. فحمل رئيس شعبة بلدية البوني آنذاك “محمد نايلي” الراية، وشمر رجال الحي أمثال: الحاج نصر العايبي، الحاج مسعود العايبي وإخوته، الشيخ بوبكر زروق وغيرهم من أهل الفضل عن سواعدهم، ليبدأ مشوار التغيير.
لم تكن المهمة سهلة؛ الجدران شاهدة على الضياع، والمكان يفتقد كل مقومات المدرسة، لكن الإيمان بأن هذا العمل سيكون صدقة جارية دفع نحو المضي قدمًا رغم الصعاب.
من مكان مهجور إلى صرح تربوي
بدأت ورشة الإصلاح، وزخرفت الجدران بآيات من كتاب الله، وكأنها تمحو آثار الماضي وتكتب صفحة جديدة من النور. وبعد أشهر من الجهد والتعاون، كانت المدرسة القرآنية جاهزة لاستقبال أول فوج من أبناء وبنات الحي في 5 جويلية 2021.
هنا تغيّر المشهد تمامًا: المكان الذي كان صامتًا موحشًا صار يصدح بالذكر وتلاوة آيات القرآن. وكأن الحياة دبت في المكان من جديد، ومع مرور الأيام، غدت المدرسة قبلة للخير، ومركزًا تربويًا يضيء الحي كله.
أربع سنوات… وثمرة عظيمة
لم يكن المشروع مجرد مدرسة عابرة، بل كان مشروعًا متكاملاً لإحياء القيم. ومع مرور أربع سنوات من العطاء، أصبحت المدرسة عنوانًا للنجاح، بعدما تمكنت من تخريج 30 حافظًا وحافظة لكتاب الله، بينهم 8 رجال و22 امرأة. هؤلاء الحفّاظ لم يكتفوا بحفظ القرآن، بل صاروا سفراء للأخلاق، يضيئون بيوتهم ومجتمعهم بنور الهداية.
رسالة تتجاوز الجدران
إن هذه الحكاية تلخص حقيقة كبرى: لا شيء يستعصي على التغيير إذا وجدت النية الصادقة والعزيمة. المكان الذي كان مصدر قلق صار اليوم مصدر فخر، والنقطة السوداء تحولت إلى شعلة نور. وما كان ذلك ليتم لولا فضل الله، ثم تعاون المحسنين وهمّة الرجال، ورعاية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي جعلت من المدارس القرآنية قلاعًا تحمي الهوية وتصون الأجيال.
دعوة لاستكمال المشروع
وإذ نروي هذه القصة، ندعو أهل الخير إلى المساهمة في دعم مشروع المعهد الشرعي الملحق بمدرسة عبد الحميد بن باديس لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم بواد زياد – شعبة بلدية واد العنب، لأن الاستثمار في العلم والقرآن هو الاستثمار الأنجح لبناء مجتمع متماسك، قوي الإيمان، راسخ الهوية.