رفع الوعي حول الشعوذة دون انتهاك لخصوصية الأشخاص
· لابد من تحصين المجتمع ضد القلق الجماعي أكدت الأخصائية النفسية العيادية الدكتورة سهام دحلب في تصريح ليومية” الوسط “، بأنه مع تصاعد حملات تنظيف المقابر في عدد من البلدان، من بينها الجزائر برزت ظاهرة جديدة وخطيرة على مواقع التواصل الاجتماعي والمتمثلة في نشر صور التعاويذ والطلاسم وأسماء وصور أشخاص وجدت …

· لابد من تحصين المجتمع ضد القلق الجماعي
أكدت الأخصائية النفسية العيادية الدكتورة سهام دحلب في تصريح ليومية” الوسط “، بأنه مع تصاعد حملات تنظيف المقابر في عدد من البلدان، من بينها الجزائر برزت ظاهرة جديدة وخطيرة على مواقع التواصل الاجتماعي والمتمثلة في نشر صور التعاويذ والطلاسم وأسماء وصور أشخاص وجدت مدفونة ضمن أعمال يعتقد أنها سحرية، وعليه فهذا النشر، وإن بدا في ظاهره توثيقيا أو توعويا، إلا أنه يحمل أبعادا نفسية وأخلاقية عميقة يجب الوقوف عندها.
الدعوة إلى حماية النفس البشرية
وفي ذات السياق أوضحت ذات المتحدثة، بأن السحر الحقيقي لا يكمن فقط في ما يُدفن تحت التراب، بل في ما يغرس في النفوس من خوف، توجس، وقلق عبر صور تنشر بلا وعي، مشيرة لايف كوتش الشخصيات العامة والاجتماعية بعيادة ” Grain de vie” إلى أن مسؤولية المختصين والنشطاء على المنصات لا تقف عند كشف الأذى، بل تبدأ بعدم إعادة إنتاجه بصيغة أخرى. فحماية النفس البشرية، احترام كرامة الإنسان، وتحصين المجتمع ضد القلق الجماعي، أهم من كل عدد الإعجابات أو المشاركات.
الصدمة النفسية واستثارة الجهاز العصبي
وتحدثت أخصائية التغذية دحلب، عن الصدمة النفسية واستثارة الجهاز العصبي، موضحة بأن الدماغ البشري يتعامل مع الصور الصادمة حتى الرقمية منها ، كما لو كانت حقيقية ،وعليه فالرموز السحرية، الأكفان، الصور المدفونة، والأسماء المكتوبة ضمن طلاسم تفعل الجهاز العصبي الذاتي، وتطلق هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين هذه الاستثارة تحدث أعراضا فورية كالتوتر، الأرق، اضطراب النوم، تشتت الانتباه، ونوبات الهلع، خاصة عند الأشخاص ذوي الهشاشة النفسية المسبقة مثل مرضى الوسواس القهري، اضطراب الهلع، أو اضطراب ما بعد الصدمة، وهناك أيضا تغذية الذاكرة العاطفية والخوف المزمن، بحيث تخزن هذه الصور في الذاكرة الانفعالية (اللوزة الدماغية)، وتستدعى تلقائيا عند التعرض لأي محفّز مشابه والنتيجة في أن الشخص يعيش في دائرة خوف مزمن غير عقلاني، ويبدأ في إسقاط هذه الرموز على نفسه، فيظن دون أي دليل أنه مستهدف بسحر أو أنه قد يُصاب قريبا، ما يخلق دوامة من الشك والتوجس والارتياب في العلاقات والثقة بالنفس، بالإضافة إلى تأثيرها في بنية التفكير من الوسواس إلى التوهم المرضي يؤدي التعرض المتكرر لمحتوى السحر والمقابر إلى ما يمكن وصفه بفتح “بوابة التوهم” أين تتغذى الأفكار الوسواسية، ويستثار ما يعرف في السياقات الدينية بـ”القرين السلبي” أو الصوت الداخلي المثبط، الذي يبدأ في زرع رسائل خفية مثل “قد يكون اسمك التالي”، أو “لا أحد في مأمن”، مما يخلق حالة من الهلع الداخلي قد تتطور إلى اضطرابات نفسية حادة.
انتهاك صارخ لخصوصية المسحور
وتوقفت أخصائية العلاج النفسي والتغذية العلاجية، عند الانتهاك الصارخ لخصوصية المسحور من خلال الإيذاء المضاعف، وتعد صور الطلاسم والأسماء المنشورة انتهاكا مباشرا لخصوصية الأشخاص، ما يفترض أن يكون كشفًا للأذى، يتحوّل إلى إعادة أذى. فالمسحور قد يجد صورته أو اسمه منتشرا، ما يعرّضه للوصم، التعاطف السلبي، أو الشماتة، ويعيق تعافيه النفسي. كما أنه يفتح الباب للتنمر الإلكتروني، وسوء الفهم المجتمعي حول حالته، ويوجد أيضا الأثر الجمعي عن طريق ترسيخ العقلية السحرية وتعطيل العقل النقدي في بيئة تعاني أصلا من ضعف الوعي العلمي والنفسي، يساهم تداول هذه الصور في نشر عقلية التفسير الغيبي لكل مشكلة. فبدل اللجوء للتحليل الواقعي أو الاستشارة النفسية، يبدأ الفرد في نسب تعبه أو فشله إلى “سحر”، مما يعزز دور “الراقي” على حساب المختص، ويغذي سوق الخرافة على حساب ثقافة العلاج العلمي، فضلا عن وجود القلق الجماعي وانتشار العدوى النفسية الرقمية ،فالمحتوى المرئي المشحون بالخوف ينتقل جماعيا كعدوى. وقد أثبتت دراسات في علم النفس الجماعي أن الصور المروعة تحدث ما يسمى “بالاحتراق العاطفي الاجتماعي” أو emotional contagion، حيث يبدأ المجتمع في العيش داخل موجة خوف جماعية، تؤثر على أداء الأفراد، علاقاتهم، ومزاجهم العام دون وعي منهم بمصدر الخوف.
توصيات نفسية وأخلاقية
وقدمت الدكتورة دحلب سهام، مجموعة من التوصيات النفسية والأخلاقية كالتوعية دون ترهيب ،مبرزة إلى أنه من الممكن رفع الوعي حول الشعوذة دون نشر صور تحمل رموزًا سحرية أو تؤدي إلى صدمة نفسية داعية في ذلك ذات المتحدثة إلى ضرورة حماية الخصوصية من خلال احترام كرامة وحقوق من كشف اسمه أو صورته واجب شرعي وأخلاقي ونفسي، وبالتالي فعند ظهور أعراض نفسية بعد مشاهدة هذه الصور، يجب استشارة أخصائي نفسي، لا الاكتفاء بالرقاة، مؤكدة بأن التوازن بين الروحي والنفسي لا غنى عن الرقية الشرعية، لكن لا بد من دعمها بعلاج نفسي يعيد للفرد شعوره بالأمان والاتزان.
حكيم مالك