في العديد من الأحياء الجزائرية، أصبحت ظاهرة جلوس الشباب تحت العمارات موضوعًا يتجاوز كونه مجرد تجمعات عفوية إلى مصدر إزعاج حقيقي للسكان، خاصة في فترات الليل. حيث يقضي هؤلاء ساعات طويلة في تبادل الضحك الصاخب، والصراخ المبالغ فيه، وممارسة ألعاب قد تكون مزعجة، مما يؤثر بشكل مباشر على راحة السكان، خصوصًا العائلات وكبار السن.
وقد أثارت هذه الظاهرة تساؤلات جدية حول مدى قانونية هذه التصرفات وكيفية التعامل معها.
السلوك من منظور قانوني
بالرغم من أن القانون الجزائري لا يحتوي على نص صريح يُجرم “الجلوس تحت العمارات”، إلا أن هذه السلوكيات قد تصبح مخالفة للقانون إذا تجاوزت حدود الاستخدام السلمي للفضاء العام أو المشترك، فحين يتحول هذا السلوك إلى مصدر إزعاج يُخلّ بالنظام العام أو يُسبب ضررًا للآخرين، فإن الأمر يصبح محلاً للمسائلة القانونية.
من وجهة نظر قانونية، تعتبر المداخل وأمام العمارات مساحات مشتركة أو عمومية، ويخضع استخدامها لقانون السكن المشترك.
هذا القانون يمنع أي استعمال لهذه المساحات يعوق حرية المرور أو يتسبب في إزعاج للسكان. بل، يمكن للبلديات أو الحراس اتخاذ تدابير تنظيمية لضمان احترام هذه الفضاءات، مع إمكانية تقديم شكاوى جماعية من السكان لدى مصالح الأمن أو البلدية.
إجراءات قانونية وواجبات السلطات المحلية
في حال وقوع شكاوى متكررة من السكان، تتحمل السلطات المحلية مسؤولية التدخل، سواء كانت بلدية، شرطة، أو حتى الحماية المدنية. يمكن للبلديات إصدار قرارات تنظيمية تحدد توقيت استخدام الفضاءات العامة، بالإضافة إلى منع التجمعات الليلية المزعجة.
وفي هذا السياق، يُشدد على ضرورة توثيق الإزعاجات المتكررة من قبل السكان، حيث يحق لهم تقديم شكاوى رسمية لدى مصالح الشرطة أو الدرك الوطني، التي تتولى بعد ذلك اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بناءً على القوانين الخاصة بالنظام العام وراحة الجوار.
آثار اجتماعية ودينية
تتجاوز آثار هذه الظاهرة النطاق الاجتماعي لتشمل المعتقدات الدينية أيضًا. ففي ديننا الحنيف، يعتبر مثل هذا السلوك غير مقبول شرعًا، إذ يتنافى مع قواعد احترام الغير، وخاصة في الأماكن العامة والخاصة. كما يُعتبر التعدي على خصوصية الآخرين والتلفظ بكلام فاحش أو استهلاك المخدرات والخمور في هذه الأماكن ممارسات غير أخلاقية، قد تؤدي إلى تصاعد التوترات بين الأفراد والمجتمعات.
وفي هذا السياق، أفادت أستاذة القانون بجامعة الجزائر 1، الدكتورة توز مليكة، أن من المظاهر السلبية التي انتشرت مؤخرًا في مجتمعنا هو جلوس الأشخاص أمام منازل الغير، وبالتحديد على مستوى النوافذ والشرفات.
وأشارت إلى أنه في بعض الأحيان، يتعدى الأمر إلى حد التلفظ بالكلام الفاحش، واستهلاك المخدرات أو الخمور، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى وقوع شجارات نتيجة رفض صاحب المسكن لمثل هذه التصرفات غير المقبولة أخلاقيًا.
وأضافت الدكتورة توز مليكة أنه حتى في الدين الإسلامي، تعتبر هذه التصرفات غير مقبولة وغير جائزة شرعًا، حيث تندرج ضمن أحكام الطريق واحترام الغير. رغم ذلك، للأسف، لا يوجد أي نص قانوني يجرم هذه التصرفات غير المقبولة، باستثناء تصنيفها ضمن مقتضيات الإخلال بالنظام العام والآداب العامة.
لذلك، أكدت الدكتورة توز مليكة على ضرورة وضع نصوص قانونية تعالج هذه الظاهرة، مع فرض عقوبات جزائية وغرامات مالية للحد من استفحال هذه الظاهرة التي قد تترتب عنها أبعاد خطيرة، مثل حوادث قد تصل إلى القتل أو تعرض أحد الأشخاص لعجز أو إعاقة بدنية، هذا من باب الوقاية والردع.
كما شددت على أهمية إعادة النظر في تفعيل دور شرطة العمران لمكافحة هذه الظاهرة، سواء في النهار أو في الليل. حيث أن هذه الظاهرة تزعج بشكل خاص فئات معينة من المجتمع، مثل المرضى الذين يعانون من السكري وضغط الدم، بالإضافة إلى كبار السن.
الإجراءات القانونية لمكافحة الإزعاج
ينص القانون الجزائري على عقوبات صارمة ضد من يزعج راحة السكان، وخاصة في الأماكن العامة. وفقًا للمادة 144 مكرر من قانون العقوبات، يعاقب من يسبب إزعاجًا في الأماكن العامة بغرامة مالية تتراوح بين 8,000 إلى 16,000 دينار جزائري، وقد تصل العقوبة إلى الحبس لمدة 10 أيام كحد أقصى.
لكن يبقى السؤال: كيف يتم إثبات الإزعاج؟
إن عملية إثبات الإزعاج تعد من أبرز التحديات التي يواجهها القانون، حيث يصعب أحيانًا تقديم الأدلة الملموسة التي تدعم الشكاوى. لذا، من المهم أن تتضافر جهود السلطات مع السكان في توثيق الحوادث بشكل دقيق وفعال، لتسريع عمليات التحقيق وفرض العقوبات المناسبة.
في الختام، لا يمكن اعتبار ظاهرة الجلوس تحت العمارات جريمة في حد ذاتها، إلا أنها تتحول إلى مخالفة للقانون عندما تصبح مصدرًا للإزعاج أو تؤثر على راحة الجوار. وبالتالي، فإن حماية السكينة العامة وراحة المواطنين تتطلب تفعيل قوانين أكثر صرامة، مع وضع حلول مستدامة كالتوعية وتوفير فضاءات بديلة. على السلطات المحلية أن تلعب دورًا محوريًا في تطبيق القوانين وحماية حقوق الأفراد، من أجل الحفاظ على النظام العام والبيئة السكنية الآمنة.