قافلة الصّمود.. والحريصون على أمن اليهود!
كانت “قافلة الصمود” المتّجهة إلى غزّة، تقترب من مصر الإسلام، وكان المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يتمنّون لها أن تصل إلى وجهتها، لتكسر الحصار الجائر الذي أعلنه الصهاينة على إخوة العقيدة والدّين في قطاع العزّة، ولكنّ ما كان الجميع يخشونه ولا يتمنّونه قد حصل؛ صُدّت القافلة عن طريقها، وردّت عن وجهتها، ومنعها “إخوة الدّين” من […] The post قافلة الصّمود.. والحريصون على أمن اليهود! appeared first on الشروق أونلاين.


كانت “قافلة الصمود” المتّجهة إلى غزّة، تقترب من مصر الإسلام، وكان المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يتمنّون لها أن تصل إلى وجهتها، لتكسر الحصار الجائر الذي أعلنه الصهاينة على إخوة العقيدة والدّين في قطاع العزّة، ولكنّ ما كان الجميع يخشونه ولا يتمنّونه قد حصل؛ صُدّت القافلة عن طريقها، وردّت عن وجهتها، ومنعها “إخوة الدّين” من الوصول إلى المحاصرين المروّعين والمشرّدين الجائعين!
موقف تألّم وتأسّف له المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، واستشنعه أحرار العالم، وأمسى النّاس يتساءلون: هل بلغ الخذلان ببعض “المسلمين” إلى هذا الدّرك السّحيق، حتى يكون أمن اليهود الصهاينة مقدَّما على إغاثة إخوة الإسلام؟! لم تشفع لأهل غزّة أُخوة الدّين ولا الجوار، ولم تشفع لهم صور أطفالهم الذين يبكون من الجوع وهم يتدافعون أمام مراكز توزيع الإعانات!
عرب الجاهلية على ما كان عندهم من ظلم وتواطؤ عليه في بعض الأحيان، لم يصل بهم الأمر إلى هذا الدّرك السّحيق من خذلان المظلوم.. المشركون في مكّة على ما كانوا عليه من ظلم وأذية لعباد الله المؤمنين، وُجد بينهم من رفض استمرار الحصار على المسلمين في شِعب أبي طالب، ونادى بكسر الحصار ونقض الصحيفة الظّالمة، وكان ذلك.
الداهية التي يحار لها الضّمير الإنسانيّ، أنّ هناك قوافلَ إغاثة تنطلق من بلدان غربية كافرة، باتجاه غزّة المحاصرة، يفاجأ طواقمها ببعض “المسلمين” يصدّونهم عن وجهتهم! ومن بينها قافلة انطلقت نحو مصر قبل قافلة الصّمود، جمعت وفودا من 80 دولة بينها وفود برلمانية أوروبية؛ عندما وصلت هذه القافلة إلى مصر فوجئت بمنعها من الوصول إلى غزّة، في واقعة لم يعرف التاريخ لها شبيها ولا مثيلا؟ فأيّ عار أشنع وأبشع من هذا؟ تالله إنّها لإحدى الكبر أن يخذل المسلم أخاه المسلم، فيأكل ويشرب ويتمتّع، وأخوه بجواره يموت جوعا وقصفا، ثمّ لا يكتفي بذلك حتى يحول بينه وبين من يمدّ له يد الغوث! يقول النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم-: “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم”.
قافلة الصمود التي انطلقت من بلدان المغرب العربيّ، لم تكن تحمل إعانات كبيرة للجوعى والمشرّدين في غزّة، لكنّ هدفها كان كسر الحصار وإعلان النّكير على ما يفعله الصهاينة بعباد الله المؤمنين، كان هدفها الإعذار إلى الله، وإقامة الحجّة على من يحاصرون عباد الله.. وهذا –لا شكّ- مطلب محمود، يُرجى له أن يُتوّج بفكّ الحصار الجائر عن غزّة، وكان يفترض أن يُتعامل معه بمنطق إنسانيّ، إذا غاب الحسّ الدينيّ وماتت مشاعر الأخوة الإسلاميّة. لكنّ ما حصل يدلّ على أنّ في الأمّة أقواما تخلّوا عن كلّ مقوّمات الدّين والإنسانية وأبوا إلا أن يجلبوا لأنفسهم لعائن الخلائق وعار الدّهر!
يبقى أنّ من تجشّموا السّير في قافلة الصّمود، قد أعذروا إلى الله وإلى الأمّة وإلى المحاصرين، وهم مأجورون بإذن الله، ومسعاهم ينبغي أن يتكرّر ولا يتوقّف، مهما تكن ردود الأفعال التي يظهرها الحريصون على أمن اليهود! يُذكر عن الإمام يوسف بن يحيى البويطي المتوفى –رحمه الله- سنة 231هـ أنّه كان وهو في الحبس ببغداد يغتسل كل جمعة، ويغسل ثيابه، ثم يخرج إلى باب السجن إذا سمع النداء، فيردّه السجان، فيقول البويطي: “اللهم! إني أجبت داعيك فمنعوني”. ويُروى عن الإمام ابن تيمية –رحمه الله- أنّه حينما حُبس في سجن القلعة بدمشق، كان في كلّ جمعة يغتسل ويلبس أنظف ما عنده من ثياب، ثم يتوجه إلى باب السجن -وهو موقن بغلقه- حتى يعذر إلى الله ويقيم الحجة على سجّانيه.
قافلة الصّمود، فضحت أصنافا شتى من المنافقين والمرجفين، وأبانت عن مدى الدّناءة التي بلغها بعض من يتكلّمون بألسنتنا.. فقبل هذه القافلة الفاضحة، كان المنافقون يسخرون من عباد الله المؤمنين ويقولون لهم: لماذا لا تنطلقون للجهاد في غزّة وقد أفتى علماؤكم بذلك؟! وحينما انطلقت القافلة لكسر الحصار، إذ بالمنافقين يقولون إنّ هذه القافلة تريد الفتنة! ألم تكونوا –أيها المنافقون- قبل هذا تسخرون من المؤمنين المتداعين لألم إخوانهم في غزّة وتقولون لهم إنّ الحدود مفتوحة أمامكم؟! فأين الحدود المفتوحة؟ المؤسف حقيقة هو ما كتبه صحفيّ صهيونيّ! قائلا: “أينما يتمّ توقيف قافلة الصّمود، فثمّة حدود إسرائيل الحقيقية”!
الاحتلال الصهيونيّ يعيش أزهى أيام وجوده، وهو يتباهى بجوار مخلص في خدمته والدّفاع عن أمنه! لذلك فلا عجب أن يواصل عربدته في الأرض المباركة وفي الأرض قاطبة، ويسعى في تدنيس المسجد الأقصى المبارك ويحرض متطرفيه على اقتحامه، وقد تناقلت نشرات الأخبار، يوم الخميس الماضي، صور رئيس وزراء الكيان الصهيونيّ نتنياهو برفقة رئيس الارجنتين، وهما يقتحمان المسجد الأقصى المبارك، على مرأى ومسمع من ملياري مسلم، وعلى مرأى ومسمع من سلطة عار منشغلة بإعداد المرتزقة لحرب حماس بالتعاون مع الصهاينة!
ما دام الصهاينة قد ظفروا جوارا يمارس دورا أهمّ من دور القبّة الحديدية، وأدركوا أنّ 51 دولة مسلمة، أغلبها لا يجرؤ على تعكير صفو “الكيان”، ولا يحرّك ساكنا ولو حُوّل المسجد الأقصى إلى كنيس يهوديّ! فلا عجب – والحال هذه – أن يستعرض الصّهاينة إرهابهم شمالا وجنوبا وشرقا، فيقصفوا في اليمن، وفي جنوب لبنان، وفي سوريا، وفي إيران!
مصر المسلمة تمنع قوافل الإغاثة من الوصول إلى غزّة المحاصرة حرصا على أمن الصهاينة! والأردن المسلمة تسمح للطّائرات الصهيونيّة بأن تمرّ لتقصف إيران المسلمة، بينما لا تسمح للصواريخ والطائرات الإيرانية بأن تمرّ لتقصف الكيان اليهوديّ المحتلّ! فأيّ خيانة أشنع من هذه؟!
إيران دولة تتبنّى المذهب الشيعيّ الاثني عشريّ وتروّج له، ومن واجبنا أن ننتقد طائفيتها ونحذّر من مذهبها، في أوقات السّلم، لكن حينما تكون في حرب مع أشدّ النّاس عداوة للذين آمنوا اليهود، فهي دولة مسلمة لها حقّ النّصرة والدّعاء بالنّصر، واليهود يحاربون إيران ولا يريدون لها أن تكون دولة قوية، لأنّها أولا دولة مسلمة، ولأنّها علاوة على ذلك تدعم الفلسطينيين. والله –تعالى- يقول: ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِير)).. ولعلّه يحسن في هذا المقام التذكير بكلام متقن سطره شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- حينما سئل عمّن يفضّل اليهود والنّصارى على الرافضة؟! فقال: “كلّ من كان مؤمنا بما جاء به محمد –صـلى الله عليه وسلم- فهو خير من كل من كفر به؛ وإن كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة، سواء كانت بدعة الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية أو غيرهم؛ فإنّ اليهود والنصارى كفار كفرا معلوما بالاضطرار من دين الإسلام. والمبتدع إذا كان يحسب أنه موافق للرسول -صلى الـله عليه وسلم- لا مخالف له لم يكن كافرا به، ولو قدر أنه يكفر، فليس كفره مثل كفر من كذب الرسول صلى الـله عليه وسلم-” (مجموع الفتاوى: 35/ 201).
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post قافلة الصّمود.. والحريصون على أمن اليهود! appeared first on الشروق أونلاين.