من لا يتحرك يتلاشى ومن لا يتموقع يخسر
بقلم: آلاء أسيل بوالانوار الجزائر أمام فرصة استراتيجية لإثبات حضورها دوليًا: اقتصاديًا، سياسيًا، وأمنيًا في عالم يشهد تغييرات عميقة في موازين القوى، واتساعًا في التحديات الأمنية والاقتصادية، تجد الجزائر نفسها أمام لحظة تاريخية تحتاج فيها إلى إعادة التموقع دوليًا بطريقة أكثر فاعلية وتوازنًا. فالدور الخارجي لم يعد ترفًا دبلوماسيًا، بل بات ضرورة …

بقلم: آلاء أسيل بوالانوار
الجزائر أمام فرصة استراتيجية لإثبات حضورها دوليًا: اقتصاديًا، سياسيًا، وأمنيًا في عالم يشهد تغييرات عميقة في موازين القوى، واتساعًا في التحديات الأمنية والاقتصادية، تجد الجزائر نفسها أمام لحظة تاريخية تحتاج فيها إلى إعادة التموقع دوليًا بطريقة أكثر فاعلية وتوازنًا. فالدور الخارجي لم يعد ترفًا دبلوماسيًا، بل بات ضرورة حيوية تمسّ السيادة، التنمية، والأمن القومي.
وبين تصاعد الأزمات في الجوار الإقليمي، والتحولات الاقتصادية العالمية، ومتطلبات الانتقال إلى نموذج سياسي جديد، باتت الجزائر مطالبة بخطوة استراتيجية نحو التموقع الإيجابي دوليًا على ثلاثة محاور أساسية: الاقتصاد، السياسة، والأمن.
أولًا: التموقع الاقتصادي… من الريع إلى التنويع
لا تزال الجزائر، رغم مواردها الطبيعية الضخمة، تعاني من اختلالات هيكلية في اقتصادها، أبرزها التبعية الكبيرة لعائدات المحروقات. ورغم الإصلاحات الجارية، فإن الحاجة إلى خطة اقتصادية خارجية شاملة أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
ومن بين الخطوات الضرورية:
تنويع الصادرات نحو قطاعات الزراعة، الصناعات التحويلية، والمنتجات الصيدلانية.
جذب الاستثمارات الأجنبية في بيئة تنظيمية مستقرة وشفافة.
تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية وربط السفارات بمصالح التصدير والترويج للعلامات الجزائرية.
التوسع في السوق الإفريقية من خلال إنشاء مناطق تبادل حر ومشاريع بنى تحتية مشتركة.
إن التموقع الاقتصادي الفعال لا يعني فقط تحقيق أرقام تجارية، بل بناء شبكة مصالح استراتيجية تعزّز الحضور الجزائري وتقلّص التبعية.
ثانيًا: التموقع السياسي… من الحياد إلى الفاعلية
السياسة الخارجية الجزائرية لطالما تميزت بمواقفها المبدئية الداعمة للحق، والمبنية على مبدأ عدم التدخل. غير أن المشهد الدولي بات يتطلب انتقالًا من مجرد الحياد إلى الفاعلية البناءة، دون المساس بثوابت الدبلوماسية الوطنية.
يمكن تحقيق تموقع سياسي إيجابي من خلال:
تعزيز المشاركة في المنظمات الإقليمية والقارية بدور ريادي، خصوصًا في الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.
قيادة مبادرات الحوار الإقليمي والأمني في الساحل والصحراء.
تطوير أدوات القوة الناعمة كالدبلوماسية الثقافية والتعليمية والإعلامية لتعزيز صورة الجزائر عالميًا.
تقوية العلاقة مع القوى الصاعدة في آسيا وأمريكا اللاتينية، وبناء شراكات جنوب-جنوب متينة.
الهدف ليس فقط الظهور، بل التأثير الهادئ والذكي في مواقف المجتمع الدولي تجاه القضايا الوطنية والإقليمية.
ثالثًا: التموقع الأمني… من الدفاع إلى الاستباق
تفرض التحديات الأمنية الجديدة، خاصة في الساحل الإفريقي والحدود الجنوبية، أن تنتقل الجزائر من منطق الدفاع ورد الفعل إلى منطق الاستباق والمبادرة.
من أبرز التحديات:
تنامي خطر الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الحدود.
تدفق الهجرة غير النظامية من مناطق النزاع.
التهديدات السيبرانية والهجمات الرقمية على مؤسسات الدولة.
ومن أجل ذلك، يتطلب التموقع الأمني الفعّال:
تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي الإقليمي.تطوير قدرات الدفاع السيبراني الوطني.
دعم جهود الوساطة السياسية في مناطق النزاع المحاذية.الاستمرار في عقيدة عدم التدخل العسكري، ولكن بمرافقتها بأدوات دبلوماسية وأمنية نشطة.
نحو رؤية استراتيجية موحدة
التموقع الإيجابي لا يكون إلا من خلال رؤية استراتيجية موحّدة تجمع بين الاقتصاد، السياسة، والأمن، وتُبنى على أسس:التخطيط طويل الأمد.التنسيق ين المؤسسات الوطنية.الانفتاح المدروس على الخارج.
إشراك الكفاءات الوطنية في الداخل والخارج.
فالجزائر تملك من المقومات ما يؤهلها لتكون قوة إقليمية مؤثرة ومتزنة، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية، ومرونة مؤسساتية، وتحديثًا لأدوات التأثير الدولي.
الانتقال من موقع المتلقي إلى الفاعل، ومن الانغلاق إلى المبادرة، هو ما سيجعل من الجزائر طرفًا أساسيًا في التوازنات الجديدة ففي زمن العولمة المتعددة الأقطاب، من لا يتحرك يتلاشى، ومن لا يتموقع يخسر.
الجزائر اليوم أمام فرصة حقيقية لتثبيت موقعها، لا بالصوت العالي أو بالموارد فقط، بل بالعقلانية، الذكاء الاستراتيجي، والاتصال الفعّال مع العالم.