منعرج جديد وحاسم في العلاقات بين الجزائر وإسبانيا
أخذ العلاقات بين الجزائر وإسبانيا منعرجًا جديدًا وحاسمًا، تتّجه نحو بناء شراكات متينة ومستدامة في شتى القطاعات والمجالات الاستراتيجية، تماشيًا مع مساعي وطموحات قادة البلدين في تذليل العقبات وفتح صفحة جديدة من التعاون المشترك، في أعقاب تسجيل فترة من الفتور والتوترات، على خلفية انقلاب موقف مدريد الرسمي إزاء قضية الصحراء الغربية. في سياق منحى إيجابي […] The post منعرج جديد وحاسم في العلاقات بين الجزائر وإسبانيا appeared first on الجزائر الجديدة.

أخذ العلاقات بين الجزائر وإسبانيا منعرجًا جديدًا وحاسمًا، تتّجه نحو بناء شراكات متينة ومستدامة في شتى القطاعات والمجالات الاستراتيجية، تماشيًا مع مساعي وطموحات قادة البلدين في تذليل العقبات وفتح صفحة جديدة من التعاون المشترك، في أعقاب تسجيل فترة من الفتور والتوترات، على خلفية انقلاب موقف مدريد الرسمي إزاء قضية الصحراء الغربية.
في سياق منحى إيجابي تشهده العلاقات بين البلدين بعد أزمة خانقة، توجّه الوزير الأول نذير العرباوي، إلى إشبيلية الإسبانية للمشاركة في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، ممثلا لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. وتعد هذه أرفع زيارة لمسؤول جزائري إلى إسبانيا منذ عام 2022، سنة انتكاسة العلاقات بين البلدين، بعد إعلان حكومة مدريد تبني خطة الحكم الذاتي المزعومة في جمهورية الصحراء الغربية.
عودة العلاقات لطبيعتها
الزيارة هذه يعتبرها مراقبون مسارًا طبيعيا لعودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين، بما يفرضه المنطق البرغماتي، بالنظر إلى التاريخ الذي يجمعهما وموقعهما كدولتين وازنتين في المنطقة المتوسطية والمصالح المشتركة المختلفة الاقتصادية والأمنية التي تربطهما. إلى جانب ذلك، فإن الموقف الاسباني إزاء الصحراء الغربية أضحى أكثر منطقية وواقعية، بدعوتها عبر خطابات الملك والحكومة مرارا إلى ضرورة الاحتكام إلى القوانين واللوائح الأممية لإيجاد حل للقضية يرضي الطرفين، بما يعني في مضمونه تنظيم استفتاء شعبي نزيه لتقرير مصير الشعب الصحراوي، القابع تحت الاحتلال المغربي منذ عقود طويلة.
وإلى جانب زيارة العرباوي الأخيرة لمدريد، فقد سبق لوزير الداخلية إبراهيم مراد أن أجرى زيارة إلى إسبانيا يومي 24 و25 فيفري الماضي، بدعوة من نظيره وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا قوماز، مرفوقًا بكل من المدير العام للأمن الوطني علي بداوي، والمدير العام للحماية المدنية بوعلام بوغلاف، حيث سمحت الزيارة بتباحث ملفات التعاون الثنائي في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وزاد إدراك إسبانيا أهمية ترميم علاقاتها مع الجزائر بعد الدور الذي لعبته في تحرير الرهينة الإسباني نافاروا كانادا خواكيم، الذي كان مختطفا على الحدود الجزائرية المالية. وعبّر ألباريس حينها عن شكر بلاده للجزائر، وأكد دعم إسبانيا لدور الجزائر في تعزيز الأمن والاستقرار بمنطقة الساحل.
حركية متنامية
وتشهد العلاقات الثنائية بين الجزائر وإسبانيا حركية متنامية خلال السنة الجارية، أعقبت فترة من الأزمة الحادة التي طبعت البلدين ما بين سنتي 2022 و2024، بسبب موقف رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز “المفاجئ”، حتى لشركائها في الحكومة، من قضية الصحراء الغربية. هذا الموقف اعتبرته الجزائر خطوة خطيرة لها انعكاسات مضرة على مسار الحل للنزاع وعلى المنطقة، فقامت بسحب سفيرها من مدريد وعلقت اتفاقية الصداقة وحسن الجوار بين البلدين الموقعة سنة 2002، إلى جانب فرضها قيودًا اقتصادية صارمة.
بعد نحو سنتين من ذلك، بدأ تسير العلاقات الجزائرية الإسبانية نحو التقارب والانفراج، حيث قامت الجزائر بتعيين سفير لها من جديد في مدريد في الثلث الأخير من سنة 2023، في وقت استعاد السفير الإسباني في الجزائر هامش المبادرة من خلال إجرائه لقاءات مع الفاعلين في الحقل الاقتصادي بالجزائر. وإلى جانب التحول البارز في الموقف الاسباني الرسمي إزاء الصحراء الغربية، وفق مقررات الأمم المتحدة، والتطورات الجديدة الحاصلة في هذا الملف، فإن التعاون بين الجزائر ومدريد يتعدى المسائل المرتبطة بالعلاقات الثنائية، إلى مسائل ذات بعد دولي، على غرار القضية الفلسطينية، ومعروف أن لإسبانيا موقفا متقدما في دعم القضية الفلسطينية بشكل عام، وبخصوص ما يجري من إبادة في قطاع غزة بشكل خاص، وهو عامل يكون قد ساهم في التقارب بين البلدين.
عودة العلاقات التجارية
وفي الجانب الاقتصادي، شهدت العلاقات بين الجزائر وإسبانيا تطورًا لافتًا باستعادة الشركات الإسبانية القدرة على التصدير للجزائر، بالإضافة إلى تبادل الزيارات بين الفاعلين الاقتصاديين. وأجرى في هذا السياق وفدان رسميان جزائريان، زيارتين متتاليتين إلى إسبانيا، بعد أكثر من سنتين من الجمود بين البلدين. كانت الأولى في أواخر فيفري المنصرم، حيث قاد المدير العام للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، عمر ركاش، وفدًا اقتصاديًا إلى عدة مدن إسبانية، في إطار مشروع “الشراكة من أجل الاستثمار المستدام”، الذي أطلقته وزارة الشؤون الخارجية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي. وقدّم ركاش بالمناسبة عرضًا شاملًا حول الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة التي باشرتها الجزائر لتعزيز جاذبية مناخ الأعمال، مع التركيز على التحفيزات المتاحة للمستثمرين الأجانب في قطاعات الطاقة، الصناعة، الفلاحة، والخدمات. وقد لاقت هذه المبادرة اهتمامًا إيجابيًا من الجانب الإسباني، الذي رأى فيها مؤشرا واضحًا على بداية انفراج في العلاقات الاقتصادية الثنائية.
أما الزيارة الثانية، فكانت ذات طابع اقتصادي وتكنولوجي، حيث شارك وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، سيد علي زروقي، في 2 مارس الماضي، في اجتماع وزراء المواصلات والابتكار الأفارقة بمدينة برشلونة، عشية انعقاد المؤتمر العالمي للهاتف النقال. وتمحورت مداخلته حول أهمية الذكاء الاصطناعي كرافعة للتنمية في القارة، حيث دعا إلى وضع قواعد مشتركة لاعتماد هذه التكنولوجيا الحديثة.
إلى ذلك، تشير كل المعطيات إلى أن العلاقات بين الجزائر ومدريد التي بلغت ذرة التدهور والجمود طيلة سنوات، تتجه اليوم نحو الانفراج والعودة إلى التوازن بين البلدين الجارين، اللذان يكتسيان مكانة استراتيجية في المنطقة، مما سيسهم إيجابا على ضمان مصالحهما المشتركة، في ظل التحديات الراهنة.
عبدو.ح
The post منعرج جديد وحاسم في العلاقات بين الجزائر وإسبانيا appeared first on الجزائر الجديدة.