هذا تشخيصي لوضع الجامعة الجزائرية

د. كمال العرفي*/ الجامعة الجزائرية لها رصيد غير مجحود في تخريج الإطارات والأدمغة، ولو بصفة غير تعميمية لجميع المتخرجين. ولكن نخبة منهم تشكل اليوم بحمد الله نماذج متميزة في مؤسسات وجامعات عديدة في العالم، وكذا في تغذية وتأطير الجامعات والمؤسسات الوطنية. وبعضهم ربما أناط مثل هذا التميز بالاستعدادت والمهارات الفردية لأشخاص أصحاب هذه الأدمغة، ولكن …

أكتوبر 6, 2025 - 13:31
 0
هذا تشخيصي لوضع الجامعة الجزائرية

د. كمال العرفي*/

الجامعة الجزائرية لها رصيد غير مجحود في تخريج الإطارات والأدمغة، ولو بصفة غير تعميمية لجميع المتخرجين. ولكن نخبة منهم تشكل اليوم بحمد الله نماذج متميزة في مؤسسات وجامعات عديدة في العالم، وكذا في تغذية وتأطير الجامعات والمؤسسات الوطنية.
وبعضهم ربما أناط مثل هذا التميز بالاستعدادت والمهارات الفردية لأشخاص أصحاب هذه الأدمغة، ولكن لا ينكر الدور الرافد لمقدرات الدولة في توفير كل الإمكانات المرافقة والداعمة لتوفير الأجواء الممكنة والمناسبة لإمكان الوصول لمثل هذا التميز الواقعي والمأمول.
ومع الإمكانات الضخمة المتوفرة من النواحي المادية الحاضنة، وكذا محاولة تطوير البرامج وعروض التكوين بما يتلاءم مع التطلعات والتماهيات الراهنة لسيرورة البحث العلمي بما يمكن من خدمة المجتمع واللحاق بركب الأمم الناهضة، أو على الأقل الوصول إلى التقارب المعرفي في ظل ثورة المعلومات المتدفقة بشكلّ متسارع.
وتشهد الجامعة الجزائرية جهودا لا بأس بها في محاولة تحيين العروض التكوينية بما يخدم تماهي النتائج مع الحاجات الاقتصادية والتقنية للمجتمع والمؤسسات الجزائرية، وتغطية الحاجيات التي تمكن من الإقلاع الاقتصادي خاصة، وكذا تعبئة الموارد لمرافقة التكنولوجيا الحديثة.
ومع الجهود الكبرى والإمكانات المرصودة، وكذا بعض النتائج الجيدة الملموسة في بعض محاور المعارف، لا تزال الجامعة تعاني صعوبات وتحديات ونقائص تؤثر في الحصول على المردود المأمول من كل هذه الجهود.
وفي نظري تتمثل بعض هذه النقائص المؤثرة فيما يلي:
أولا: الاعتماد في التكوين على نماذج برامج مستوردة من الخارج، سواء كانت هذه البرامج ما زالت سارية المفعول في بلدان منشئها أم تمّ الاستغناء عنها واستبدالها بغيرها.
والبرامج وإن كانت ذات صبغة عالمية من حيث الصيغ المعتمدة من المؤسسات العالمية المعتمدة لصيغ التعليم العالي، ولكن هذا لا يمنع من أمرين مهمين أراهما حلا ضروريا لهذه النقيصة أو المشكلة:
1. إنشاء برنامج تكويني جزائري خالص، ينطلق من واقع العملية التعليمية والبحث العلمي المحلي، ولا ينقص الجزائر بحمد الله الكفاءات القادرة علَى الاستقلالية بالبرامج المناسبة، بما يحقق مراعاة الواقع وسهولة التطبيق الفعلي والعملي لمثل هذه البرامج.
2. تعديل البرامج المستوردة تعديلا حقيقيا وليس شكليا، ليقترب أكثر من واقع التحصيل العلمي المحقق بالفعل لنتائج الجهود التدريسية وجهود البحث العلمي في أطرها الخادمة لما يناسب حاجات الواقع الجزائري، لأن التماهي الشكلي لا يكون إلا تضييعا للوقت والجهد، وهو ما يفسر أحيانا محاولات استبدال المناهج المستوردة بأخرى.

ثانيا: التركيز على دعم التخصصات التقنية والتوجهات العلمية، بحجة انها وحدها الكفيلة بما أشرنا إليه من تحقيق الإقلاع الاقتصادي والتنمية التكنولوجية المنشودة، وهذا التطلع وإن كان مشروعا، فلا يعفي من ضرورة الاهتمام المماثل بالتخصصات الإنسانية والاجتماعية ومنها العلوم الإسلامية، باعتبارها أيضا أساسا لبناء الإنسان، وتحقيق الموارد البشرية المناسبة للتكامل مع الجانب الأول بما يحقق الإقلاع الحضاري المنشود لازدهار الأوطان ونهضة الأمة.

ثالثا: الاعتماد الرقمي ضروري لمرافقة التموين الجامعي، ولكن الواقع يشهد اختلالات كثيرة في المنصات المخصصة لمثل هذه المرافقة، يمكن عزوها إلى مشكلات في بناء المنصات ذاتها، أو في ضعف الجانب الأساسي في وجودها وتغذيتها وهو التدفق المناسب للانترنت، مما يؤدي إلى التعطيل أو التأجيل في الكثير من الأعمال الضرورية بيداغوجيا وبحثيا. وهو ما يستدعي تدخلا عاجلا في معالجة الجوانب التقنية لهذه الاختلالات.

رابعا: محاضن الطلبة المتمثلة في الإقامات الجامعية والمطاعم والمرافق المصاحبة، روافد مهمة بإمكانات هائلة ونفقات كبيرة، لتوفير الجو المناسب لتسهيل المهمة الجامعية في التحصيل.
ولكن تشكو هذه الروافد من نقائص كثيرة تنغص على الطلبة الراحة المطلوبة للغرض من إقامتها ووجودها، ما ينعكس سلبا على التحصيل ومستوى الطلبة، مما يقتضي مرافقة حقيقية لتدارك النقائص المادية وإصلاحها.

خامسا: النوادي العلمية محاضن ضرورية وجيدة للطلبة، ومع التسهيلات الملاحظة في إنشائها ودعمها، تحتاج دائما للمرافقة والتوجيه.

سادسا: الاستحقاقات المادية والاجتماعية للأساتذة الجامعيين جانب أساسي في توفير الأجواء المناسبة لتحقيق ما يصبو إليه جهودهم في تمكين التحصيل والبحث. ومع بعض الإمكانات التي توفرها القوانين الأساسية لهذه المتطلبات وأهمها الرواتب والتعويضات والسكن، لا تزال بعيدة جدا عن المطلوب والمأمول، لضعف القدرة الشرائية والمتوفر من أوعية السكن وغيرها. وهو ما ينعكس سلبا على الأداء الأمثل لمهام الأساتذة وجهودهم.

سابعا: المتطلبات المتعلقة بالبحث العلمي وروافده من الفرق البحثية والمخابر، وكذا المقالات العلمية وبحوث الملتقيات، لا تزال غير مثمنة التثمين المناسب للجهود المبذولة من الأساتذة الباحثين، ويمكن التنبيه في هذا الصدد إلى قضايا التحكيم العلمي في متابعة البحوث والمقالات العلمية، والتي لا تزال إلى اليوم مبذولة مجانا، مع كونها تحتل وقتا كبيرا وجهدا ملحوظا من الأساتذة.
ومن النقائص الخطيرة في الباب التركيز على الجوانب الشكلية في إنشاء الملتقيات والندوات العلمية، لأجل استغلال شهادات المشاركة في الترقيات وضرورات المناقشات ونحوها، بما ينعكس سلبا على النتائج المتوخاة من وجود هذه الملتقيات والبحث العلمي عموما.

*اكاديمي وباحث ، استاذ التعليم العالي في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الاسلامية .