الشيخ نحناح والأبعاد الإستراتيجية للقضية الفلسطينية

بمناسبة الذكرى الـ22 لوفاة الشيخ محفوظ نحناح، عليه رحمة الله، وأمام واجب الوقت في حتمية انخراط الجميع في معركة “طوفان الأقصى”، وهي تصل إلى 21 شهرًا منذ 07 أكتوبر 2023م، ومن أجل تصحيح البوصلة في كيفيات التعاطي مع هذه المعركة الوجودية، كان لزامًا علينا أنْ نقف عند أحد أقطاب ورموز الجهاد الفلسطيني ولو من مواقع […] The post الشيخ نحناح والأبعاد الإستراتيجية للقضية الفلسطينية appeared first on الشروق أونلاين.

يوليو 13, 2025 - 16:40
 0
الشيخ نحناح والأبعاد الإستراتيجية للقضية الفلسطينية

بمناسبة الذكرى الـ22 لوفاة الشيخ محفوظ نحناح، عليه رحمة الله، وأمام واجب الوقت في حتمية انخراط الجميع في معركة “طوفان الأقصى”، وهي تصل إلى 21 شهرًا منذ 07 أكتوبر 2023م، ومن أجل تصحيح البوصلة في كيفيات التعاطي مع هذه المعركة الوجودية، كان لزامًا علينا أنْ نقف عند أحد أقطاب ورموز الجهاد الفلسطيني ولو من مواقع خلفية، وهو الشيخ محفوظ نحناح، ونظرته الإستراتيجية الكبيرة لهذا القضية المركزية في حياته النِّضالية.
الشيخ نحناح يعتبر القضية الفلسطينية أهمَّ القضايا وأقدسها قديمًا وحديثًا، وهي محلَّ اهتمام العالم بها، حتى صنَّفها وأطلق عليها تسمية “القضية المركزية”، والتي أصبحت -فعلاً- قضيةً مركزية لدى جميع مكوِّنات الحياة السِّياسية في الجزائر الرَّسمية والشَّعبية، يقول: “إنَّ أهمَّ القضايا القديمة والحديثة، التي استأثرت باهتمام العاملين في الحقل الإسلامي، والملاحظين والمراقبين من كلِّ الأجناس، ومن مختلف المعسكرات المتصارعة، هي قضية فلسطين، التي يعتبرها بنو الإنسان الأحرار قضيةً مركزية… كما استأثرت في هذا العصر باهتمام المخلصين من العاملين في الحقل الإسلامي والقومي والعلماء والدعاة والقوميين، رمز وحدتهم وقوَّتهم مقدار الالتفاف حولها… لا لشيءٍ إلا أنهم يشعرون بأنَّ الرابطة التي تربطهم بفلسطين هي رابطة العقيدة”، وهو يعتقد أنها تعرَّضت إلى: “الغُبن الذي سُلِّط عليها، وبسبب الخذلان الذي أحاط بها..”(الشيخ محفوظ نحناح، معًا نحو الهدف، ص 176، 177).
وهو يتناغم مع علمائنا المصلحين والمجدِّدين في الاهتمام بهذه القضية، وفي الدفاع المستميت عليها، لأنها قضيةُ عقيدةٍ ودين، وليست قضيةَ حدودٍ وطين، فينقل عن الشيخ “عبد الحميد بن باديس” كلماتِه الخالدة اتجاه القضية سنة 1938م، قوله: “كلُّ مسلمٍ مسؤولٌ أعظم المسؤولية عند الله تعالى على كلِّ ما يرى هناك من أرواحٍ تُزهق، وصِغارٍ تُيَتَّم، ونساءٍ تُرَمَّل، وأموالٍ تُهلَك، ودِيارٍ تُخرَّب، وحُرُماتٍ تُنتهَك، كما لو كان ذلك كلِّه واقعًا بمكة والمدينة”، ويا ليت شِعري ماذا لو انتقل “ابن باديس” مما وقع قبل سنة 1938م إلى ما يقع الآن من هذه المجازر المروِّعة، وهذه الجرائم الفظيعة، وهذا الإمعان في ثقافة التوحُّش من هذا العالَم الغربي الذي بلغ ذروة الإجرام خلال هذه الحرب المجنونة طيلة ما يقارب العامين؟
ثم ينقل الشيخ نحناح كذلك عن الشيخ “محمد البشير الإبراهيمي” قوله على نفس هذا النَّفَس الثوري، غيرةً على الأرض المقدَّسة التي بارك الله فيها للعالمين، وجعلها أمانة في يدِ خير الأنام أجمعين، فيقول: “إنَّ فلسطين وديعةُ محمد عندنا، وأمانة عمر في ذمَّتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذَها اليهود منَّا ونحن عُصبة إنَّا إذن لخاسرون”. (المصدر ذاته، ص: 177).
وهو يرى أنَّ هذه المواقف من علماء الأمة هي التي جعلت هذه القضية راسخةً في عقول أبنائها، ومتجذِّرة في ضمائرها، فيقول: “بهذه المواقف وغيرها من مواقف رجال الدعوة في المشرق والمغرب بقيت فلسطين عالقة في عقول الأمة… وحُقَّ لهؤلاء العلماء والدعاة ورجال السِّياسة المخلصين أنْ تُكتب أسماؤهم في سِجِلِّ الخالدين الصَّامدين الشَّاهدين على الناس” (المصدر والصفحة ذاتهما).
والشيخ نحناح، رحمه الله، بنظرته المقدَّسة اتجاه فلسطين، يعبِّر عن مركزيتها في نضاله وجهاده، فيقول: “بما لأرضها من فضلٍ ومكانة أولاً، وتأكيدًا على الموقع المركزي الذي تحلُّه قضيتها في ماضي وحاضر ومستقبل العالم العربي والعالم بأسْرِه، وأهمية فلسطين بالنسبة لنا في الجزائر نابعة من أسبابٍ عامة، فباعتبارنا جزءا من المجال الجيوسياسي المعروف بالشرق الأوسط، وباعتبارنا جزءًا من العالم العربي والأمة الإسلامية بالمفهوم الديني والحضاري والثقافي… يمكننا أن نقول أننا إنْ لم نذهب إليها فستأتي هي حتمًا إلينا، وهناك صِلةٌ خاصةٌ بيننا وبين فلسطين، يصبغها الاشتراك في تجربةٍ ثوريةٍ فريدة في عالمنا العربي..” (الشيخ نحناح، الجزائر المنشودة، ص: 231).
ثم تحدَّث عن الأبعاد المتعدِّدة للقضية، فقال عنها: “فلسطين إستراتيجيًّا: باعتبارها الجسر الرَّابط بين آسيا وإفريقيا، وقاعدة انطلاقٍ نحو الخليج العربي..وفلسطين إنسانيًّا: مهبط الرِّسالات السَّماوية ومهد النبوَّات، وعلى أرضها مرَّ أعظم الأنبياء والمصلحين وأكبر القادة والفاتحين، وفوقها أو غير بعيد عنها قامت أعرق الحضارات الإنسانية، وتتميَّز أرض فلسطين بأنها نقطةُ صدامٍ مركزيةٍ بين القوى الدولية عبر العصور والأزمنة.. وفلسطين عربيًّا: همزة الوصل بين جناحي الوطن العربي في آسيا وإفريقيا..
وفلسطين إسلاميًّا: هي الأرض التي باركها الله، سبحانه وتعالى، وسمَّاها القرآن الكريم الأرض المباركة المقدَّسة..” (المصدر السابق، ص: 231 – 233).
ثم تكلم عن الحقائق التاريخية والدينية، والثوابت الحضارية والسِّياسية، ومنها:
الحقيقة الأولى: الوجود الإسرائيلي في فلسطين (قلب العالم العربي) وجودٌ استعماريٌّ استيطاني.
الحقيقة الثانية: القدس أمانةٌ إسلامية، ولا يجوز التنازل عنها، لاعتباراتٍ عقائديةٍ ودينيةٍ وحضارية، ولاعتباراتٍ سياسيةٍ وإستراتيجية.
الحقيقة الثالثة: ضرورة الرَّبط بين البُعد الإسلامي والبُعد القومي والبُعد الوطني، باعتبار فلسطين أرضًا مقدَّسة من الناحية الدينية، ذات بُعد استراتيجيٍّ خاص، ومكانةً سياسيةً وعسكريةً واقتصاديةً مميَّزة. الحقيقة الرابعة: حلُّ القضية عن طريق المفاوضات والتسويات لا يمكن أنْ يصل إلى تحقيق سلامٍ عادلٍ ودائم..” (المصدر السابق، ص 326، 237).
وهو بذلك يرتقي بهذه القضية، وينزع عنها خطيئة الاحتكار الإيديولوجي أو الحزبي لها، ويدعو إلى ضرورة التحالف العضوي بين مختلف التيارات للاصطفاف خلفها، بعيدًا عن أيِّ مزايدةٍ أو مناكفةٍ أو احتكار.

يرى الشيخ نحناح بأنَّ حلَّ القضية الفلسطينية، وخاصة القضايا الأساسية منها: القدس، اللاجئين، والدولة المستقلة، لن يتحقَّق عبر الحلول السِّلمية ومشاريع التسوية، وهي التي لم تُرَاعِ الحقائق التاريخية والثوابت الجغرافية والأبعاد الدينية والخصوصية الحضارية والحقوق القانونية، وأنَّ الذي سيحسم هذه الصِّراع هو الحقائق الميدانية على الأرض، عبر المقاومة العسكرية والسِّياسية.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post الشيخ نحناح والأبعاد الإستراتيجية للقضية الفلسطينية appeared first on الشروق أونلاين.