العِلْم في مُسْتَنقع الاحْتِيال

خلال العقود الأخيرة، شهد البحث العلمي تسارعًا غير مسبوق في كمية الإنتاج. لقد أصبحت الأبحاث المنشورة في الدوريات المتخصصة تُعدّ سنويًّا بالملايين، وتغطي طيفًا واسعًا من التخصُّصات، من البيولوجيا الجزيئية إلى العلوم الاجتماعية، ومن الذكاء الاصطناعي إلى الفيزياء الكمومية. كما تفرّعت التخصُّصات العلمية وتشعَّبت فصار عددُها لا يكاد يُصدَّق. على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى […] The post العِلْم في مُسْتَنقع الاحْتِيال appeared first on الشروق أونلاين.

أغسطس 20, 2025 - 16:39
 0
العِلْم في مُسْتَنقع الاحْتِيال

خلال العقود الأخيرة، شهد البحث العلمي تسارعًا غير مسبوق في كمية الإنتاج. لقد أصبحت الأبحاث المنشورة في الدوريات المتخصصة تُعدّ سنويًّا بالملايين، وتغطي طيفًا واسعًا من التخصُّصات، من البيولوجيا الجزيئية إلى العلوم الاجتماعية، ومن الذكاء الاصطناعي إلى الفيزياء الكمومية. كما تفرّعت التخصُّصات العلمية وتشعَّبت فصار عددُها لا يكاد يُصدَّق.
على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى الرياضيات وجدنا أن الجمعية الأمريكية للرياضيات تقدِّم تصنيفا لفروع الرياضيات تُحيّنه مرة كل 10 سنوات، وكل فرع منها يُعرَّف برمز يتكوَّن من 4 أرقام يتوسَّطها حرفٌ واحد، ويُطلب من كل باحث ينشر مقالا في مجلة رياضياتية محكّمة أن يُدرج في الصفحة الأولى الرمز المناسب لبحثه من بين تلك الرموز، علمًا أن ذلك يجري بصفة آلية. وقد تبنّى الرياضياتيون هذا التصنيف منذ عقود. والآن، كم بلغ عدد هذه الفروع التي حدّدها تصنيف سنة 2010؟ 63 اختصاصا رياضياتيا موزعة على نحو 5 آلاف فرع. وقد ارتفعت هذه الأرقام في تصنيف 2020 إلى 65 اختصاصا ونحو 5500 فرع، وقس على ذلك في التخصصات العلمية الأخرى.

الاحتيال يتنامى
لذلك سجّلت قواعد البيانات الببليوغرافية الدولية نموًّا منقطع النظير في عدد المنشورات؛ فما كان يتطلب عقودًا من الجهد بين نخبة من الباحثين صار اليوم يتضاعف بسرعة البرق وينتشر عالميًّا خلال مدة وجيزة. يُعزى هذا التسارع إلى عدة عوامل ومنها: زيادة عدد الجامعات ومراكز البحث، وتضاعف التمويل العامّ والخاص، وعولمة شبكات الباحثين، والضغط المتزايد من أنظمة التقييم الأكاديمي القائمة على حجم الإنتاج. هذه الآليات تدفع إلى الإنتاج المفرط على حساب خرق القواعد العلمية والاستسلام لإغراء الطرق السهلة. ومن ثمّ، فالاحتيال لم يعُد مجرد خطأ هامشي، بل بات يمثّل مرآة تعكس التناقضات العميقة في النظام الأكاديمي المعاصر.
ووراء هذا الزخم تكمن مفارقة عميقة؛ فبينما يتسارع ظهور هذا الحجم المعرفي، تنبثق في الظل ظواهر سيئة تنمو بالسرعة ذاتها: الاحتيال العلمي، والانتحال، وتزوير البيانات، والتلاعب بالصور، والنشر في دوريات غير موثوقة. إنها ممارساتٌ تقوّض الثقة في البحث العلمي، إذ لم يعد الباحث يُقيَّم بناءً على دقته الفكرية وأصالة نتائجه العلمية بل أصبح فردًا خاضعًا لضغوط مؤسساتية تدفعه إلى انتهاج سلوكات غير أخلاقية.
وفي هذا السياق، دقّت دراسة نُشرت في الدورية المرموقة “مجلة وقائع الأكاديمية القومية للعلوم” (PNAS) الأمريكية في شهر أوت الجاري جرس الإنذار للتنبيه إلى الخطر الداهم. وقد أجرى الدراسة فريق متعدد التخصصات، وثّق فيها النمو المقلق لحالات الاحتيال العلمي، ومشيرا إلى سرعة انتشار هذه السلوكات الخطيرة. ووفقًا لهؤلاء الباحثين، فإن هذا النوع من الاحتيال لا يتنامى بشكل هامشي أو متقطع، بل صار معدله أسرع من نمو الإنتاج العلمي نفسه! هذا الاكتشاف يتحدّى الاعتقاد السائد بأن العلم -بفضل تنظيمه الجماعي وآلياته الرقابية، مثل تقييم الأقران، وتكرار التجارب، والتحقُّق من البيانات- قادرٌ على تصحيح أخطائه تلقائيًّا. لكن، إذا كان الاحتيال ينمو أسرع من العلم، فإن أساس الثقة بين الأسرة العلمية والجمهور الواسع يُفقدنا التوازن.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post العِلْم في مُسْتَنقع الاحْتِيال appeared first on الشروق أونلاين.