القاتل .. الذي لا يحمل قلب إنسان!
مساهمة : أ.عيسى جرادي عندما تساءلت الملائكة عن الحكمة من خلق كائن أرضي يسرف في القتل .. هل أُخبرت مسبقا أن سلوك هذا المخلوق سيطبعه العنف في أقسى مظاهره؟ وعندما أصر أحد ابني آدم على الفتك بأخيه حسدا .. هل كان يدرك مسبقا أنه عبد الطريق لكل مجرم يأتي من بعده؟ بين أيدينا مأساة هذه …

مساهمة : أ.عيسى جرادي
عندما تساءلت الملائكة عن الحكمة من خلق كائن أرضي يسرف في القتل .. هل أُخبرت مسبقا أن سلوك هذا المخلوق سيطبعه العنف في أقسى مظاهره؟ وعندما أصر أحد ابني آدم على الفتك بأخيه حسدا .. هل كان يدرك مسبقا أنه عبد الطريق لكل مجرم يأتي من بعده؟
بين أيدينا مأساة هذه الفتاة التي وجدت مقتولة .. على صورة ما يفعل «القاتل المتسلسل « بضحاياه .. وقد نُكل بجثتها .. فقطعت مُزعا .. ورمي ما بقي من جسدها في غابة .. هي مأساة تحيلنا إلى مراجعة كل ما حدث .. من اللحظة التي اختطفت فيها الضحية واستدرجت إلى حتفها .. إلى أن ينطق القضاء بحكمه؟
تقديري أن ما يرسم ملامح الصورة كاملة .. هي هذه الحقائق:
أولا .. سادية بعض المجرمين غير قابلة للوصف أحيانا .. فهم لا يكتفون بقتل ضحاياهم .. بل يمعنون في تعذيبهم والتلذذ بتمزيقهم .. ولكم أن تتصوروا اللحظات التي تكتنف شروع القاتل في تنفيذ جريمته .. وبين يديه طفلة لا حول لها ولا قوة .. تصرخ وتترجاه ألا يفعل .. في حين يكون هو قد انخرط في حالة نفسية وحشية .. تملي عليه أن يكتم أنفاسها بأبشع طريقة!
ثانيا .. مقدار الحقد الذي يحمله القاتل .. وهو الدافع المكبوت .. الذي يجره إلى التفكيرابتداء في الانتقام .. ثم الشروع في التخطيط والتنفيذ .. إلى أن ينتهي ملطخا بدم الضحية .. أليس هو الحقد الأعمى الذي يسحب من المجرم أية اثارة من روح إنسانية قد تكون كامنة فيه إلى تلك اللحظة .
ثالثا .. كل القتلة بلا استثناء .. من قاتل نفس واحدة إلى قاتل أمة من الناس .. لا تشغل باله العاقبة .. هي حالة بائسة من فقدان السيطرة على العقل .. تطبعها رغبة جامحة في إنفاذ الجريمة .. أما ما يأتي بعد ذلك فيصبح بلا معنى .. لأن الجريمة ارتكبت وانتهى الأمر .
رابعا .. كيف يتسنى أحيانا تحالف جماعة من الناس على فعل شرير كهذا .. حيث تُقدم المجموعة المتواطئة كلها على ارتكاب الجريمة .. بمعرفة مسبقة بمحاذيرها .. وكأنهم خضعوا جملة لبرمجة ذهنية أبقتهم أسرى فكرة واحدة .. وبما يشبه قصة إخوة يوسف عليه السلام .. حين تواطؤوا جميعا على قتله إلا من قائل منهم (.. لَا تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِے غَيَٰبَٰتِ اِ۬لْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ اُ۬لسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَٰعِلِينَۖ 10 يوسف)؟
خامسا .. هل تبلغ جرائم الاختطاف و القتل المسجلة في بلادنا حد اعتبارها ظاهرة اجتماعية؟ أم إن نطاقها يشير إلى كونها أفعالا فردية لا أكثر .. على نقيض ما يحدث في دول كثيرة مطبوعة بيوميات القتل في الشوارع؟ تقديري رغم بشاعة الفعل .. أن هذه الجرائم لا يزال بالإمكان التحكم فيها .. قبل أن تفلت من عقالها .. ويصعب حينئذ احتواؤها.
سادسا .. حتى ولو صدر حكم بالإعدام ضد الفاعل أو الفاعلين .. فما جدواه إن لم ينفذ؟ فعدم جر المجرم – الذي لا يستفيد من ظروف التخفيف – إلى المشنقة .. يعني أنه لن يلقى جزاءه .. صحيح أن السجن الانفرادي مدمر .. والحرمان من حقوق السجناء العاديين مؤلم .. لكنه سيحتفظ بحياته .. بعد أن أزهق حياة بريئة .
ربنا يخاطبنا (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 179 البقرة).. ونحن لا نفعل ذلك .. ومن هذا الخرم .. الذي يعكسه تعطيل حد من حدود الله .. يَنْفُذ المجرمون إلى ضحاياهم مطمئنين إلى أنهم لن يُعدموا.
قناعتي أن المجرمين المتوحشين غير قابلين لإعادة الإصلاح .. وبقاؤهم على قيد الحياة .. يغري غيرهم بارتكاب جرائم مماثلة أو أشد قسوة .. فليس للقاتل حق بعد المحاكمة العادلة إلا أن يُعدم .. فلا تمنحوهم فرصة ليجرموا أكثر .. فنحن بحاجة إلى مجتمع نأمن فيه على أنفسنا .. لا إلى مجرمين يأمنون فيه على أنفسهم .