ترامب يعيد “وزارة الحرب”: تغيير رمزي أم تحول في عقيدة القوة الأميركية؟
أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في الخامس من سبتمبر الجاري، أمرًا تنفيذيًا بإعادة تسمية “وزارة الدفاع” إلى “وزارة الحرب”، في قرار أثار موجة واسعة من الانتقادات داخليًا وخارجيًا، وأعاد إلى الواجهة نقاشًا عميقًا حول دور القوة العسكرية الأميركية في العالم، في خطوة مثيرة للجدل تعكس تحوّلًا في الخطاب السياسي والعسكري الأميركي. من “الدفاع” إلى “الحرب”… [...] ظهرت المقالة ترامب يعيد “وزارة الحرب”: تغيير رمزي أم تحول في عقيدة القوة الأميركية؟ أولاً على الحياة.

أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في الخامس من سبتمبر الجاري، أمرًا تنفيذيًا بإعادة تسمية “وزارة الدفاع” إلى “وزارة الحرب”، في قرار أثار موجة واسعة من الانتقادات داخليًا وخارجيًا، وأعاد إلى الواجهة نقاشًا عميقًا حول دور القوة العسكرية الأميركية في العالم، في خطوة مثيرة للجدل تعكس تحوّلًا في الخطاب السياسي والعسكري الأميركي.
من “الدفاع” إلى “الحرب”… عودة إلى الجذور؟
منذ تأسيسها عام 1947، وُلدت وزارة الدفاع من رحم “قانون الأمن القومي” الذي جاء لتوحيد قيادة القوات المسلحة بعد الحرب العالمية الثانية. وكان الهدف الأساسي من تغيير اسم “وزارة الحرب” إلى “وزارة الدفاع” آنذاك هو إيصال رسالة طمأنة للعالم، مفادها أن الولايات المتحدة قوة ردع، لا دولة عدوان.
لكن بعد أكثر من 80 سنة، قرر ترامب أن الوقت قد حان لاستعادة الاسم القديم، معتبراً أن كلمة “الدفاع” باتت تُضعف صورة الولايات المتحدة كقوة قادرة على الحسم والانتصار، وأن العودة إلى “وزارة الحرب” تتماشى مع رؤيته لأميركا كقوة تقود النظام العالمي من موقع القوة لا التردد.
“إذا كنتم تريدون تغييره مرة أخرى إلى ما كان عليه عندما اعتدنا الفوز في الحروب، فلا بأس بذلك”، قال ترامب خلال لقاء في المكتب البيضاوي يوم 25 أوت، في إشارة واضحة إلى نزعته الهجومية في السياسة الدولية.
تنفيذ سريع… وهيغسيث يتبنى الفكرة
ما إن صدر القرار التنفيذي، حتى بدأت المؤسسة العسكرية الأميركية في تنفيذ التغيير، فأُعيدت تسمية الحسابات الرسمية على منصات التواصل، وبدأ وزير الدفاع بيت هيغسيث باستخدام لقب “وزير الحرب” في المخاطبات الرسمية.
وقال هيغسيث، المعروف بخلفيته الإعلامية ومواقفه اليمينية، إن “التسمية الجديدة تتجاوز كونها مجرد تغيير شكلي، بل تهدف إلى إحياء روح المحارب في البنتاغون”، معتبرًا أن الانتصار في الحروب “يتطلب التحرر من قيود القانون الدولي وقواعد الاشتباك”، في تصريحات أثارت قلقًا في أوساط دبلوماسية وعسكرية.
وأضاف: “إذا كنا سنرسل شبابنا للقتال، فلا بد أن نطلق العنان لهم ليحققوا النصر… عليهم أن يكونوا الأكثر قسوة وفتكًا”. هذا الخطاب يتماشى تمامًا مع عقيدة ترامب “السلام من خلال القوة”، ويرى فيه أنصاره استعادة لمجد أميركا العسكري الذي تحقق في الحربين العالميتين.
لا قوة قانونية… لكن البُعد الرمزي حاضر بقوة
رغم الزخم السياسي والإعلامي الذي رافق القرار، إلا أنه لا يحمل في ذاته قوة قانونية ملزمة، إذ أن تغيير اسم “وزارة الدفاع” يتطلب تعديلًا تشريعيًا يمر عبر الكونغرس، حيث لا يزال الاسم الحالي منصوصًا عليه في القانون.
لكن ترامب لا يبدو منشغلًا بالشق القانوني، بل يركّز على ما يحمله التغيير من رمزية سياسية، خصوصًا أمام قاعدته الانتخابية. وقد بدأت بالفعل تحركات داخل الكونغرس من قبل حلفائه الجمهوريين لتقديم مشاريع قوانين تسمح بإعادة تنظيم وتسميات الوكالات الفدرالية.
تكاليف باهظة وانتقادات حادة
في المقابل، قوبل القرار بوابل من الانتقادات من الديمقراطيين ومسؤولين سابقين في البنتاغون. فبجانب اعتباره “استعراضًا سياسيًا لا يُضيف شيئًا فعليًا”، حذر منتقدون من أن الخطوة ستكلف دافعي الضرائب الأميركيين مبالغ ضخمة، إذ قد تصل تكلفة تغيير الشعارات واللافتات في أكثر من 700 ألف منشأة إلى مليار دولار.
أما على المستوى الدولي، فقد عبّر العديد من الحلفاء عن قلقهم من الرسائل التي قد تحملها هذه التسمية الجديدة، والتي تعكس – في نظرهم – عدوانية تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة وروح التحالفات الدولية.
وكتب الباحث البريطاني والتر لادويغ: “تغيير الاسم إلى وزارة الحرب يمنح روسيا والصين مادة دعائية مجانية، ويقوّض جهود واشنطن في إقناع العالم بأنها قوة استقرار لا تهديد”.
واقع لا يتماشى مع الشعارات
ورغم أن ترامب يرفع شعار “مناهضة الحروب” وإنهاء الصراعات، فإن الواقع العسكري لإدارته يروي قصة مختلفة. فمنذ بداية ولايته الجديدة عام 2025، انخرطت القوات الأميركية في عمليات قتالية واسعة، أبرزها:
- عملية “الراكب الخشن” في اليمن ضد الحوثيين.
- عملية “مطرقة منتصف الليل” ضد إيران، التي شملت استهداف منشآت نووية.
- تحركات عسكرية في الكاريبي شملت استهداف سفينة مرتبطة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
- تلك التحركات تعكس سياسة خارجية هجومية، تتناقض مع الخطاب الانتخابي، وتنسجم تمامًا مع تسمية “وزارة الحرب”.
ما بين الرمز والاستراتيجية
في النهاية، لا يقتصر الجدل حول تسمية وزارة الدفاع على بعد لغوي أو رمزي، بل يكشف عن انقسام داخلي أعمق في الولايات المتحدة بشأن تعريف القوة، ودور الجيش الأميركي، ومستقبل النظام العالمي الذي لطالما قادته واشنطن.
أنصار ترامب يرون في العودة إلى “وزارة الحرب” استعادةً لصورة أميركا القوية القادرة على ردع أعدائها دون تردد. أما معارضوه، فيعتبرونها خطوة شكلية عدوانية، لا تعالج القضايا الحقيقية، وتكلف الكثير سياسيًا وماليًا.
وبين هذه الرؤيتين، يبدو أن الولايات المتحدة تدخل مرحلة جديدة من تعريف ذاتها في العالم، حيث الكلمات لم تعد مجرد مصطلحات، بل إشارات إلى نوايا وسياسات قد تغير ملامح النظام الدولي بأكمله.
ظهرت المقالة ترامب يعيد “وزارة الحرب”: تغيير رمزي أم تحول في عقيدة القوة الأميركية؟ أولاً على الحياة.