ما بعد الجريمة أين الخلل وما الحل؟

مساهمة : أ.د. فتيحة بوشعالة * مر علينا في الجزائر صور عديدة وبشعة لجرائم وقعت من خطف واغتصاب، بتر وسرقة أعضاء بعد قتل، نهب ممتلكات، السطو المسلح على المواطنين، معارك دامية بين الأحياء، وآخرها الحادثة المروعة التي وقعت للطفلة مروة (رحمها الله) ولن تكون الأخيرة حتما. وقوع جرائم في مجتمع ما موجود على مر التاريخ، …

يوليو 21, 2025 - 14:52
 0
ما بعد الجريمة أين الخلل وما الحل؟

مساهمة : أ.د. فتيحة بوشعالة *

مر علينا في الجزائر صور عديدة وبشعة لجرائم وقعت من خطف واغتصاب، بتر وسرقة أعضاء بعد قتل، نهب ممتلكات، السطو المسلح على المواطنين، معارك دامية بين الأحياء، وآخرها الحادثة المروعة التي وقعت للطفلة مروة (رحمها الله) ولن تكون الأخيرة حتما.
وقوع جرائم في مجتمع ما موجود على مر التاريخ، وله أسباب عديدة، بعضها ذاتي راجع للبيئة المجتمعية، وظروف معيشة الشعوب، من تربية وتعليم وإعلام وسياسة، وتراجع كل منظومة عن أداء دورها الوظيفي المنوط بها؛ و بعضها خارجي، يتجاوز معطيات المجتمعات، ويكون تأثير العوامل الخارجية اما: هو من مخرجات العوملة من تكنولوجيا وآثارها السلبية أو النموذج المصدر من الغرب والمتمظهر في الشخصيات المؤثرة: ممثلين، إعلاميين، رياضيين، مغنيين، أو سياسيين. أو نتيجة مخططات غربية لإفساد المجتمعات المسلمة، من غارة على الاسرة المسلمة بالمسلسلات والأفلام المحطمة للقيم، أو موجات النسوية التي تستهدف نساءنا وبناتنا، وكذا موجات التنمية البشرية، وثالثتها أثر مواقع التواصل المختلفة خاصة التيك طوك والريلز، التي ساهمت في انتشار الفساد الاخلاقي والعقدي والمجتمعي,
غير أن الأمر الذي جعل الجرائم تستشري وتصبح ظاهرة عامة هو تخلي المجتمع على الضمير الجمعي أو الردع الذاتي والذي يعبر عنه الإسلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لما ترك الأب هذه الفريضة بسكوته عن تجاوزات أبنائه داخل البيت وخارجه ، لما سكت الاعمام والأخوال وتخلوا عن زجر المخطئ وتنصلوا من مسؤولياتهم، لما انكمشت السلطة المعنوية لكبير العائلة وسلطة الجار وسلطة أهل الحي ، وتراجعت سلطة المعلم و الأستاذ وغاب دورهما التربوي واكتفيا بالتعليمي، لما انحصرت سلطة الامام الشرعية وفقد صوته وكلمته وزنها في أوساط الناس، لما غابت كل هذه السلطات المعنوية لأطياف المجتمع تمددت سلطة الجريمة واستقوت صولة الفاسدين وتمكنوا من مفاصل المجتمع لأنهم لم يجدوا السد المنيع الذي يردعهم، فتغولوا وقويت شوكتهم، وينطبق عليهم المثل الشعبي المصري (إيه اللي فرعنك يا فرعون؟ قال: ما لقيتش اللي…). صار الأب يخاف على نفسه وأهل بيته فلا يعترض على ظلم جار أو تعدي أهل الحي، وصار الجار لا ينهى عن منكر لأن الأمور لا تعنيه حسب ظنه، ويخاف أن يتهم بالتدخل فيما لا يعنيه، وكذلك الأمر مع سكان الحي، يتغافلون عن منكرات تحدث في حيهم بحجة أو بأخرى، الكل يشتري العافية لنفسه ولا يدرون أنهم بذلك فتحوا أبواب الجحيم على أنفسهم وعلى الناس كافة، فلم يسلم لا القريب ولا البعيد، لا المسالم ولا المشارك، لا ابن الحرام ولا ابن الحلال، الكل صار عرضة للاعتداء، بذلك السكوت الجماعي الذي شعاره (تخطي راسي).
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو صمام أمان المجتمعات والأمة، إذا انتهك باتت مجتمعات الأمة مهددة بالفوضى والاختلال والانهيار، (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا).
ولا يكفي صلاح الأفراد إذا فقد ت هذه الفريضة لضمان صلاح المجتمع، بل تركهم لها مؤشر على أن صلاحهم مزيف ظاهري، لأن الذي يكون صالحا حقيقة لا يرضى برؤية الفساد حوله، وهذا ما قرره القرآن، حيث جعل ترك فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤشر واضح على فساد الناس وإن تظاهروا بالصلاح، مما أدى إلى لعنهم وفضحهم {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ}