ظاهرة القتل والخطف في المجتمعات المسلمة من منظور شرعي: سبل الوقاية وأساليب العلاج
مساهمة الدكتور عبد الغني العايش حوبة */ لا يمر أسبوع أو أسبوعان إلا ونسمع عن جريمة قد وقعت، ومعضلة قد حلت، وما القتل والخطف إلا ظاهرتان مخيفتان دق ناقوس خطرهما على الأفراد والمجتمعات، فكيف الوقاية منهما؟ وما علاجهما؟ ليست ظاهرة القتل والخطف مجرد أعمال إجرامية، وأفعال غير إنسانية، بل هي اعتداءٌ صارخ على شرع الله …

مساهمة الدكتور عبد الغني العايش حوبة */
لا يمر أسبوع أو أسبوعان إلا ونسمع عن جريمة قد وقعت، ومعضلة قد حلت، وما القتل والخطف إلا ظاهرتان مخيفتان دق ناقوس خطرهما على الأفراد والمجتمعات، فكيف الوقاية منهما؟ وما علاجهما؟
ليست ظاهرة القتل والخطف مجرد أعمال إجرامية، وأفعال غير إنسانية، بل هي اعتداءٌ صارخ على شرع الله وانتهاك جسيم لحقوق الإنسان، وانحرافٌ خطير عن الفطرة السليمة. لذا فقد عني الإسلام بالإنسان فكرمه، وجعله محور الكون، قال تعالى: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا”
ومن مظاهر تكريمه تمييزه بالعقل، وتفضيله بالإرادة الحرة التي يختار بها، ويتحمل تبعات خياراته، لذا فقد حمل الشرع الإنسان الأمانة بمفهومها الشمولي، قال تعالى: “وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا”، وبناء عليه فهو مطالب بالعبادة والخلافة والعمارة حتى ينتظم الكون ويعم الأمن ويطيب عيش الإنسان مع أخيه الإنسان بكرامة واحترام دون احتقار ولا امتهان.
وقد اهتم التشريع الإسلامي في أولوياته بحفظ النفس وجعلها من أعظم مقاصده، وقد شدد على حرمة الدماء وصون الأعراض، واعتبر القتل العمد من أكبر الكبائر، فقال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الإسراء: 33]، وقال تعالى:﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوفَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32
وقد بيّن النبي ﷺ أن القتل من أعظم ما يُهلك الأمم، فقال: “لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً” (رواه البخاري).
وتأتي جريمة الخطف مركبة تجمع بين سلب حرية الإنسان بغير وجه حق، والاعتداء عليها، وقد ينجم عنها – في كثير من الأحيان- جرائم أشد وأفظع كالتعذيب، والاغتصاب، أوالابتزاز. وربما يصل الأمر للقتل، وهنا ورد جزاء الحرابة في قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ… أَنْ يُقَتَّلُوا أَويُصَلَّبُوا﴾ [المائدة: 33، فما أبشع جريمة الخطف وأفظع!
أليس الخاطف معتديا؟!
أليس الخاطف جانيا؟!
بلى والله، والخاطف مع ذلك كله مفسد في الأرض، يستحق أن تنزل به أشد العقوبات لما تسبب به من إرعاب للآمنين، وإرهاب للمطمئنين، واعتداء على أمن وسلامة المواطنين.
وبناء على ما تقدم ذكره فإن معالجة هذه الظاهرة الخطيرة معالجة شاملة، نستأصل من خلالها جذور الفساد ونواجه فيها بغي وعدوان بعض العباد، فعلينا أن نتعرف ابتداء على الدوافع الباعثة عليها، والأسباب المؤدية إليها.
أولًا: معرفة الأسباب
1. ضعف الإيمان وغياب الخوف من الله.
2. الجهل بشرع الله.
3. غياب التربية الأسرية والمدرسية.
4. الطمع وحب المال.
5. تأثر الشباب بالإعلام المنحرف وألعاب العنف.
6. البطالة وتعاطي المخدرات.
وأيا كانت هذه الدوافع والأسباب وتأثيرها في العملية الإجرامية، فقد وضع الإسلام نظاما واقيا مانعا، وعلاجا شافيا جامعا من أجل الحد من آثار هذه الجرائم البشعة على مستوى الأفراد والمجتمعات، ويتجلى في بناء الانسان المؤمن الواعي أحكام دينه وتعاليم شرعه من خلال تعزيز الإيمان في النفوس منذ الصغر، فالقلب الموصول بالله لا يُقدم على سفك الدماء البتة، وكذا نشر الوعي الشرعي ببيان حرمة الاعتداء على الناس مع الحرص على تطبيق الحدود الشرعية الرادعة التي هي حياة وفيها إنقاذ للأحياء من شر المجرمين، دون أن نغفل دور الأسرة المحوري في التربية والمتابعة والتوجيه، بالإضافة إلى تفعيل دور الأئمة والمعلمين في التوعية وبناء الوعي المجتمعي.
ثانيًا: الوقاية والعلاج
– تعزيز الإيمان منذ الصغر، فالقلب الموصول بالله لا يقتل.
– نشر الوعي الشرعي، وإحياء حرمة الدماء في النفوس.
– تطبيق العقوبات الشرعية الرادعة، ففيها حياة كما قال الله تعالى.
– دعم الأسرة في دورها التربوي، ومتابعة الأبناء.
– تفعيل دور الأئمة والمربين في التوعية المجتمعية.
– إصلاح بيئة الشباب: بتوفير العمل، والأنشطة المفيدة، والبدائل الآمنة.
وفي الأخير يمكننا القول بأن ظاهرة القتل والخطف ليست مجرد أحداث في نشرات الأخبار، وتنبيهات على شبكات التواصل، بل هي ناقوس خطر يهزّ الضمير الإنساني، ويستوجب منا مزيدا من تقوية الوازع الديني وتنمية الوعي القانوني، واليقظة والانتباه في تصرفاتنا وحياتنا. وديننا الإسلامي الحنيف لم يكتفي بتجريم الفعل، بل سعى لاجتثاث أسبابه، وبناء الإنسان على أساس من الإيمان، والعدل، والرحمة، ولاحسان، وستظل حماية النفس البشرية، وصون حريتها وحفظ أمنها من أهم الفرائض الشرعية، والمقاصد المرعية التي جاء بها نظام الإسلام ليعمر بها الأرض، ويحمي من الأفراد والمجتمعات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويحفظ به الإنسان من هوى النفس وسوسة الشيطان، ومن غدر أخيه الإنسان.
* أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الوادي