محمد بودية.. كيف نشحذ السّيف من جديد؟
أن تكون مناضلاً ثوريّاً محنّكاً، وأديباً رهيفاً حسّاساً مبدعاً أمرٌ نادرُ الحدوث إلى حدٍّ ما، فالجمع بين الصّلابة واللّين وبين الواقع بقسوته والخيال بجماليته ليس أمراً طوع البنان، لكن عند محمد بوديّة ظهر هذا الأمر بصورةٍ طبيعيّةٍ جداً لا تترك مساحةً للاستغراب، لأن الفن والأدب والثّقافة معجونان بروحه، وما يحمله الأدب الحقيقي من مبادئ جعلت […] The post محمد بودية.. كيف نشحذ السّيف من جديد؟ appeared first on الشروق أونلاين.


أن تكون مناضلاً ثوريّاً محنّكاً، وأديباً رهيفاً حسّاساً مبدعاً أمرٌ نادرُ الحدوث إلى حدٍّ ما، فالجمع بين الصّلابة واللّين وبين الواقع بقسوته والخيال بجماليته ليس أمراً طوع البنان، لكن عند محمد بوديّة ظهر هذا الأمر بصورةٍ طبيعيّةٍ جداً لا تترك مساحةً للاستغراب، لأن الفن والأدب والثّقافة معجونان بروحه، وما يحمله الأدب الحقيقي من مبادئ جعلت بوديّة غير قادرٍ إلّا على نصرة المظلوم والوقوف بجانبه من خلال كلمته وسلاحه أيضاً، فبعد استقلال الجزائر 1962 تفرّغ لنصرة القضيّة الفلسطينيّة ودفع حياته ثمناً لذلك، واليوم في ظلّ ما تعيشه غزة نتذكّر بوديّة في ذكرى استشهاده ونحتاجه مناضلاً حكيماً أخلص لمبادئه حتى النّهاية.
ربما يعرف الكثيرون محمد بوديّة المناضل والشّهيد، لكنّهم يغفلون عن بودية الأديب والشّاعر المميّز والصِّحافيّ أيضاً، وأنا كنت مثلهم حتّى سمعت محاضرةً للرّوائي والمترجم والطّبيب سليم عبادو عن بوديّة، وكان ذلك ضمن فعاليات مهرجان أدب المقاومة الذي عُقد في الجزائر العاصمة العام الفائت، وقد قام مشكوراً بجمع النّصوص الأدبية لمحمد بوديّة وترجمتها ونشرها تحت عنوان “لا مكان تحت الشّمس) شعر مسرح قصص مقالات، وبذلك حقّق رغبة محمد بوديّة –كما ذكر ابنه مراد بوديّة- بأن يكتب باللّغة العربيّة، وكانت تراوده فكرة الذّهاب إلى سوريا ودراسة العربيّة التي كان يدافع عنها بشراسة ويصفها باللغة الشّعرية الرّائعة رغم أنّ كلّ كتاباته كانت بلغة موليير، وهنا واحدة من نصوصه الشّعريّة:
“يلزم الكثير من الوقت..
الكثير من أجمل ما فينا..
ليُصبِح الرُّمحُ خُبزًا..
ليُصبِح السّيفُ حياةً..
لتصدَح البنادقُ بالسّعادة..
وكلّ شيء يُحطَّمُ..
ويحرقُ..
سيستمرّ في تنشيط عضلاتنا..
الطّامعة في أنْ تضمّ الحبّ إلى الأبد”.
اكتشف بوديّة موهبته وعمره 13 عاما تقريباً، وفي مكان غريب وهو مركز بئر الخادم للأحداث، على إثر عمله لدى تاجر يهودي –بعد وفاة والده- وقد رفض منحه أجرته، فأخذها محمد بوديّة لوحده، مما جعل التّاجر اليهودي يتهمه بالسّرقة، وقضى فترةً هناك كانت مؤثرة للغاية في حياته إذ صعد خشبة المسرح لأول مرة، وبعد خروجه من المركز عمل على صقل موهبته المسرحية والأدبية، فعمل بالتمثيل والإخراج المسرحي.
وبعد بدء ثورة التّحرير التحق بصفوفها، وفي عام 1956 انتقل إلى فرنسا مناضلاً في فيدرالية جبهة التّحرير هناك، وأوكلت إليه قيادة الفرقة الخاصة التي قامت بتفجير خزّانات النّفط قرب مرسيليا، فاعتقلته القوات الفرنسية وسُجِن في سجن فران 1958 وهناك كانت فترة خصبة من النّواحي الفنيّة والفكريّة والسياسيّة أيضاً، فكتب مسرحيتين “ولادات” و”الزّيتونة” وترجم مسرحيات لموليير إلى العربية ليتمكّن السّجناء من تلقيها واستيعابها، وبعد ثلاثة أعوام تمكّن من الهرب بمساعدة أصدقاء لثورة التّحرير كانوا معه في السّجن وقدّموا ندوات فكريّة مثل فرانسيس جونسون، فوصل إلى بلجيكا ثم سويسرا ليستقر في تونس حيث التحق بالفرقة الفنيّة لجبهة التّحرير وبقي هناك حتى إعلان الاستقلال.
الآن يستطيع بوديّة التّفرّغ للمسرح، فأسّس برفقة مجموعة من المثقفين المسرح الوطني الجزائري الذي صار مديرَه لاحقاً، وله الفضل في تأسيس مدرسة الفنون الدراميّة.
وأسّس أيضاً صحيفة “الجزائر هذا المساء” وأشرف على صحيفة “نوفمبر” التابعة لجبهة التّحرير، وقد أطلق “القطار الثقافي” الذي جال المدن الجزائرية الدّاخلية ناشراً الفنّ والمسرح.
عاد إلى فرنسا بعد انقلاب بومدين على بن بلة في 19 جوان 1965، واهتمّ بالمسرح فشغل مدير نشاطات لمسرح غرب باريس وعمل على جعله مسرحاً شعبياً كمسرح الجزائر لأن من يرتادونه كانوا من المغاربة.
التقى بفرنسا صديقه القديم المجاهد بشير بومعزة وسافر برفقته إلى هافانا عاصمة كوبا حيث التقيا هناك بقائد الجناح العسكري للجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين، وانخرط بوديّة من يومها في مقاومة الظّلم في العالم والكيان الصّهيوني المحتلّ للأرض العربية وكان في المقدّمة فلُقّب بأبي الثّورتين –ثورة التّحرير الجزائرية والثّورة الفلسطينية- واتخذ لقبا حركيّا وهو “أبو ضياء”.
وما فعله ليس غريباً على الجزائريين، فمنذ قرون ويد “سيدي أبو مدين شعيب” المدفونة في القدس تلوّح لهم حتى اليوم، فنجد أنظارهم مشدودةً نحو الأقصى طوال الوقت.
التحق بجامعة “باتريس لومومبا” في موسكو بتوصية من وديع حدّاد أبرز قادة الجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين، وذلك لتعزيز قدراته العسكريّة والاستراتيجيّة، وهناك تعرّف على الكثير من الثّوار الشّباب ومنهم الفنزويلي إيليتيش سانشيز راميريز والذي عرف لاحقاً باسم “كارلوس الثّعلب” الذي صار لاحقاً رمزاً للنضال ضد الإمبرياليّة، ونجح بوديّة بتجنيده لخدمة القضيّة الفلسطينيّة.
أنشأ بوديّة علاقةً مميّزةً مع منظمة “أيلول الأسود”، وخطّط للكثير من الأعمال مستفيداً من علاقاته الواسعة وأصدقائه المنوّعين بين مغاربة وفرنسيين ولاتينيين.
التقى بفرنسا صديقه القديم المجاهد بشير بومعزة وسافر برفقته إلى هافانا عاصمة كوبا حيث التقيا هناك بقائد الجناح العسكري للجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين، وانخرط بوديّة من يومها في مقاومة الظّلم في العالم والكيان الصّهيوني المحتلّ للأرض العربية وكان في المقدّمة فلُقّب بأبي الثّورتين –ثورة التّحرير الجزائرية والثّورة الفلسطينية- واتخذ لقبا حركيّا وهو “أبو ضياء”.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post محمد بودية.. كيف نشحذ السّيف من جديد؟ appeared first on الشروق أونلاين.