هدم الأقصى حلم متطرف وخطة قيد التنفيذ؟

علي إبراهيم يُمكن وصف العدوان على الأقصى بالتزامن مع ذكرى “خراب المعبد” في 3/8/2025، بأنه “الأعنف والأشد قسوة” منذ بداية اقتحامات الأقصى، وقد تخلله أداء علنيّ للطقوس التوراتيّة، من قبل المستوطنين والسياسيين الإسرائيليين على حدّ سواء، وانتهاءً بالرقص والغناء وغيرها من مظاهر العدوان التي تتكرر مع كل اقتحامات مركزية للمسجد الأقصى، وفي خضّم هذا التحريض، …

أغسطس 9, 2025 - 22:02
 0
هدم الأقصى حلم متطرف وخطة قيد التنفيذ؟

علي إبراهيم

يُمكن وصف العدوان على الأقصى بالتزامن مع ذكرى “خراب المعبد” في 3/8/2025، بأنه “الأعنف والأشد قسوة” منذ بداية اقتحامات الأقصى، وقد تخلله أداء علنيّ للطقوس التوراتيّة، من قبل المستوطنين والسياسيين الإسرائيليين على حدّ سواء، وانتهاءً بالرقص والغناء وغيرها من مظاهر العدوان التي تتكرر مع كل اقتحامات مركزية للمسجد الأقصى، وفي خضّم هذا التحريض، نشر متطرفون صورة تُظهر آلات ضخمة تحيط بمصلى قبة الصخرة كُتب فوقها كلمة “قريبًا” في إشارة إلى العمل على هدم المسجد وبناء “المعبد” المزعوم، وفي هذا السياق نحاول في هذا المقال مناقشة قضية هدم الأقصى وهل يمضي الاحتلال قدمًا فيه، في ظل محاولته حسم مختلف الملفات الحالية، وعدم وجود أي ردود فعل حقيقيّة تقف في وجه الاحتلال وتوقفه‪.‬‬

هدم الأقصى هدفٌ مركزيّ للمنظمات المتطرفة

شهدت السنوات الماضية تصاعداً في نشاط “منظمات المعبد”، وهي الجهة القائمة على اقتحامات الأقصى وتعمل على حضّ جمهور المستوطنين على المشاركة في هذه الاقتحامات، وتصعيد العدوان على المسجد وعلى مكوناته البشرية، وتحمل “منظمات المعبد” هدفاً بعيد المدى يتمثل بهدم الأقصى كاملاً وإقامة “المعبد الثالث” مكانه، إلى جانب أهدافٍ مرحلية أُخرى تتمثل يتمثّل بتهويد المسجد، وفرض الوجود اليهوديّ داخله من خلال تكثيف اقتحاماته وخاصّة في الأعياد اليهوديّة‪.‬‬
ولم يقف سلوك هذه المنظمات عند الأهداف فقط، بل عمل بعضهم على تحقيق فكرة هدم الأقصى أو أجزاء منه بالقوة، ففي عام 1984، كشفت شرطة الاحتلال مخططًا لأعضاء من منظمة “غوش إيمونيم” الاستيطانية، تستهدف تفجير مصلى قبة الصخرة في المسجد الأقصى عبر استخدام إحدى الحفريات أسفل المصلى، في محاولة من هؤلاء الأعضاء إلى إطلاق “حرب إقليميّة” تنتهي باستيلاء الاحتلال على الأقصى، إلا أن اعتقال عدد من أعضاء المنظمة، أشعل نقاشات حادة لدى مستويات الاحتلال المختلفة حول طبيعة هذه الحركة، وكان أحد أسباب تلاشيها، إلا أن مثل هذه الأفكار بقيت موجودة لدى قطاع واسع من المستوطنين‪.‬‬

تحريضٌ مستمر على الهدم

وعلى الرغم من أن الاستراتيجية الحالية لهذه المنظمات، تتركز على نقل كل الشعائر المرتبطة بـ”المعبد” إلى الأقصى، بالتوازي مع حشد المزيد من المستوطنين للمشاركة في اقتحام الأقصى، إلا أن التحريض على هدم المسجد لم يغب البتة، ففي استقراء هذه المطالبات التحريضيّة نجد جملةً من المحطات من بينها ما نشره رئيس “ائتلاف منظمات المعبد” حينها الحاخام يعقوب هايمن في 5/11/2021، فقد نشر صورةً على حسابه في فيسبوك، وهو بجانب مصلى قبة الصخرة، وأعلن عن حاجته إلى مهندس متخصص في هدم المنشآت والمباني، وكتب الحاخام المتطرف “أبحث عن مهندس متخصص في هدم المنشآت والمباني، وتقديم اقتراح لإزالة هذا المبنى ونقله إلى الخارج، نرجو أن نحظى قريبًا بافتتاح المعبد‪”.‬‬
وشهد العدوان على قطاع غزة تسخيرًا لفكرة “المعبد” وربطًا متزايدًا ما بين العدوان على الفلسطينيين والإبادة الجماعية، وما بين بناء “المعبد” المزعوم، في ربطٍ متزايد ما بين بنائه وتحقيق “الخلاص الإلهي”، فقد ربطت هذه المنظمات ما بين العدوان على غزة وبناء “المعبد” بل أشارت في العديد من المرات إلى أن تحقيق النصر في غزة سيوصل إلى هدم الأقصى وبناء “المعبد”، ومن أبرز هذه المحطات ففي 31/10/2023 نشرت “منظمات المعبد” تصميما يُظهر صورة لدبابات الاحتلال على أحد شواطئ غزة، وكأنها تسير قُدما نحو مجسم “المعبد”، وكتب عليها “قريبا في جبل المعبد”، وفي 24/2/2024 نشرت مواقع غربية مقطعًا للحاخام اليهودي إليشا ولفنسون يخاطب عددًا من مقتحمي المسجد الأقصى، ويقول لهم: “عندما تسقط غزة، يأتي الخلاص، وسيقام المعبد المقدس”. وأضاف: إن الجنود الإسرائيليين “يقاتلون في غزة من أجل المعبد‪”.‬‬
هذه نماذج منتقاة من عشرات النماذج التي ربطت ما بين العدوان على غزة، وجنوب لبنان، وما بين تحقيق أسطورة بناء “المعبد”، وهو ما دفع عددًا من أذرع الاحتلال إلى الترويج إلى فكرة إحراق الأقصى أو تدميره باستخدام القوة، ومن أمثلة ذلك ما نشرته منظمة “أبناء جبل موريا” في نهاية شهر أوت 2024 نشرت مقطعًا مصورًا يُظهر قصف المسجد الأقصى بصاروخ حربيّ، ومن ثم مراحل بناء “المعبد” مكانه، وفي 12/9/2024 نشرت مقطعًا مصورًا يُظهر حريقًا كبيرًا في المسجد الأقصى، حيث تأكل النيران مصلى قبة الصخرة، وأرفقته بعبارة “قريبًا في هذه الأيام”. وأخيرًا المقطع المصور الذي تداولته حسابات المستوطنين، ويصور إحراق المسجد الأقصى وظهور “المعبد” مكانه، والصورة الأخيرة التي أشرنا إليها في مقدمة المقال، والتي نشرها المستوطنون بالتوازي مع اعتداءات ذكرى “خراب المعبد‪”.‬‬

بن غفير وأحلام بناء “المعبد‪”‬‬

ولا شك بأن هناك رعاية سياسية للعدوان على الأقصى، وما يتصل بتأمين الاقتحامات وغيرها، ففي مساء 2/8/2025 قبل اقتحامات “خراب المعبد” شارك بن غفير في مسيرة المستوطنين التي انطلقت من شطر القدس الغربي وصولًا إلى حائط البراق، وفي سياق إجابته عن سؤال أحد الصحفيين، قال بن غفير بأنه يحلم ببناء “المعبد” وإعادة الاستيطان في غزة. وليست هذه المرة الأولى التي يُفصح فيها بن غفير عن هذه الأحلام، وبطبيعة الحال تمثل ما يريده جمهورٌ كبير من المستوطنين، وقد سبق هذا التصريح في 26/8/2024 عندما سُئل بن غفير في سياق حديثه لإذاعة محلية، إن كان يمانع بناء كنيس داخل المسجد الأقصى، فأكد بأنه لا يمانع ذلك أبدًا، وأشار مجددًا إلى أن سياسته “تتيح لليهود الصلاة هناك”، وما أشرنا إليها في مقالٍ سابق عن دوره المركزي
في تثبيت الرقص والغناء بإشارة مباشرة منه‪.‬‬
أخيرًا، وأمام استمرار العدوان على غزة، وكل فلسطين، ومع تصاعد حضور تيار الصهيونية الدينية وقدرته على التأثير في الأحداث الحالية، فإن المخاطر المحدقة بالمسجد الأقصى ستتصاعد من دون شك، ومع وجود محاذير أمنية من قبل المستوى الأمني الإسرائيلي تجاه تحقيق خطوات متصلة بهدم الأقصى، إلا أن السيناريو المرجح هو المضي قدما نحو استنساخ أنموذج المسجد الإبراهيمي في الخليل، وهو الأنموذج الذي يحقق أطماع الجماعات المتطرفة في هذه المرحلة، وخاصة تخصيص أجزاء من الأقصى ضمن استراتيجية التقسيم المكاني، تمهيدًا للخطوة التالية المتمثلة بهدم الأقصى -لا قدر الله-، وهو واقع تختبر أذرع الاحتلال ردود الفعل تجاهه، خاصة أمام حالة الغياب الفلسطيني والعربي والإسلامي عن التطورات، إن في غزة، أو في القدس والأقصى‪.‬‬
ولا يمكن بحال من الأحوال التغاضي عن هذه المخاطر، خاصة أن أذرع الاحتلال لم تعد تخفي رغباتها في تصعيد العدوان على الأقصى، والوصول إلى النقطة التي تفرض عليه سيطرته بشكلٍ كامل، وإن لم يقوموا بهدمه، فإن إقامة “المعبد” معنويًا، وأداء الطقوس اليهوديّة داخل المسجد جزء رئيسي من مخططات الاحتلال لتحقيق الإحلال الديني، وهو المقدمة لأي هدمٍ معنويّ أو حقيقي لثالث المساجد في الإسلام، ولقبلة المسلمين الأولى‪.‬‬