“الجواسيس” يجرّون علاقات باريس مع الجزائر إلى “المجهول”!

تتواصل الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، حيث اختارت الأخيرة مجدّدًا سياسة الهروب إلى الأمام، بدلًا من الاعتراف بمسؤوليتها في توتير العلاقات مع الجزائر، معلنةً على لسان وزير خارجيتها جان – نويل بارو عن طرد دبلوماسيين جزائريين في خطوة انتقامية تعبّر عن حالة ارتباك غير مسبوق في التعاطي مع الجزائر، الشريك التاريخي الذي طالما طالبت باريس […] The post “الجواسيس” يجرّون علاقات باريس مع الجزائر إلى “المجهول”! appeared first on الجزائر الجديدة.

مايو 14, 2025 - 17:10
 0
“الجواسيس” يجرّون علاقات باريس مع الجزائر إلى “المجهول”!

تتواصل الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، حيث اختارت الأخيرة مجدّدًا سياسة الهروب إلى الأمام، بدلًا من الاعتراف بمسؤوليتها في توتير العلاقات مع الجزائر، معلنةً على لسان وزير خارجيتها جان – نويل بارو عن طرد دبلوماسيين جزائريين في خطوة انتقامية تعبّر عن حالة ارتباك غير مسبوق في التعاطي مع الجزائر، الشريك التاريخي الذي طالما طالبت باريس بتعاون “ندّي”، دون أن تلتزم به فعليًا.

وأعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان – نويل بارو عبر محطة “BFM TV“، أمس الأربعاء، أن “فرنسا استدعت القائم بالأعمال الجزائري في باريس، للتنديد بالقرار الذي وصفه بـ”غير المبرر وغير المفهوم” الذي اتخذته الجزائر بطرد دبلوماسيين فرنسيين، وإبلاغه بأن باريس سترد بإجراء مماثل قائلاً في هذا الصّدد: “ردنا فوري وحازم ومتناسب في هذه المرحلة (…) سيرحّل حاملو جوازات سفر دبلوماسية الذين لا يحملون تأشيرة حاليا، إلى الجزائر”.

كما أفاد مصدر دبلوماسي فرنسي، بأن “الأشخاص المعنيين هم موظفون في مهام إسناد مؤقتة، من دون تحديد عددهم أو متى ينفذ قرار طردهم”، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.

يأتي هذا التصعيد الفرنسي في أعقاب قرار الجزائر السيادي بطرد عدد من الموظفين الفرنسيين، رصدت تجاوزاتهم في إطار نشاطهم الدبلوماسي (جوسسة لصالح الأمن الفرنسي الداخلي)، وهو ما وصفته باريس بـ”القرار غير المبرر”، محاولة بذلك قلب الحقائق وطمس الأسباب الحقيقية التي دفعت الجزائر إلى اتخاذ هذا الإجراء وهو دخول الأراضي الجزائرية بجوازات دبلوماسية مزوَّرة ومحاولة لتنفيذ مهام استخباراتية غير معلنة، ما دفع الجزائر إلى تطبيق الإجراءات القانونية الدولية بصرامة، وإعلان الشخصَين “غير مرغوبَين فيهما”، وترحيلهما فورًا إلى باريس.

وأكد الإعلامي فيصل مطاوي، المكلّف بمهمة لدى رئاسة الجمهورية، خلال استضافته ببرنامج تلفزيوني على قناة الجزائر الدولية (AL24)، أن وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، أوفد شخصين يحملان جوازَي سفر دبلوماسي إلى الجزائر، غير أنهما في الحقيقة ينتميان إلى إدارة الأمن الداخلي الفرنسي، وقد تم رصدهما من طرف الجهات الأمنية الجزائرية التي تأكدت من عدم احترام الجانب الفرنسي للإجراءات والتنسيقات الدبلوماسية اللازمة.

 

استدعاء القائم بالأعمال الجزائري

 

في هذا السياق، لم تتردد الخارجية الفرنسية في استدعاء القائم بالأعمال الجزائري، ملوحة باتخاذ “إجراءات إضافية”، السلوك الذي يعكس انزلاقًا خطيرًا نحو التصعيد غير العقلاني، بدل الاحتكام إلى القنوات الدبلوماسية الرصينة.

ورغم أن فرنسا حاولت تلطيف موقفها بإصدار دعوة “لاستئناف الحوار البناء”، فإن هذه الدعوة تبدو جوفاء ولا تنسجم مع السلوك العدائي الممارس ميدانيًا، إذ لا يمكن الحديث عن نوايا بناءة في ظل عمليات طرد متبادلة سببها الأصلي عدم احترام الطرف الفرنسي لقواعد التعامل الدبلوماسي، ومحاولاته المتكررة التدخل في الشأن الداخلي الجزائري تحت مسميات مختلفة.

وكانت السلطات الجزائرية قد طالبت القائم بالأعمال في السفارة الفرنسية لدى الجزائر، خلال استقباله، الأحد الماضي، بمقر وزارة الشؤون الخارجية، بترحيل فوري لجميع الموظفين الفرنسيين الذين تم تعيينهم في ظروف مخالفة للإجراءات المعمول بها. وتحوم شكوك حول طبيعة ومهام الموظفين الدبلوماسيين الفرنسيين، الذين كانوا في السابق يحملون جوازات سفر لمهمة، وأسندت إليهم جوازات سفر دبلوماسية قصد تسهيل دخولهم إلى الجزائر، مما يعني ممارسة نشاطات ذات طبيعة أمنية وتجسسية تحت غطاء دبلوماسي، وهذا ما يعد خرقًا صارخًا للاتفاقيات الدبلوماسية القائمة بين الدول.

وأوضحت وكالة الأنباء الجزائرية أنها علمت من مصادر مطلعة بأن “القائم بالأعمال في سفارة الجمهورية الفرنسية لدى الجزائر، قد تم استقباله، في 11 ماي 2025، بمقر وزارة الشؤون الخارجية”، وتمت مطالبته بضرورة ترحيل 15 موظفًا دبلوماسيًا فرنسيًا، تم تعيينهم دون التقيّد بالإجراءات المعمول بها. ويأتي هذا الاستدعاء “في أعقاب تسجيل تجاوزات جسيمة ومتكررة من قبل الجانب الفرنسي، تمثلت في الإخلال الصريح بالإجراءات المعمول بها والمتعارف عليها في مجال تعيين الموظفين ضمن التمثيليات الدبلوماسية والقنصلية الفرنسية المعتمدة لدى الجزائر”.

 

نتيجة حتمية لسلوكيات فرنسا المفتعلة بالجزائر

 

المتابعون للشأن الفرنسي الجزائري يرون أن الأزمة الراهنة لم تكن سوى نتيجة متوقعة لسلسلة من السلوكيات الفرنسية المتعالية، التي فشلت في مواكبة تحوّلات الجزائر الجديدة، التي تؤكد يومًا بعد آخر تمسكها بسيادتها الكاملة، علاوة على رفضها أن تدار علاقاتها الخارجية وفق منطق الوصاية أو التبعية. كما أن توالي الأزمات المفتعلة من الجانب الفرنسي، سواء عبر القنوات الرسمية أو من خلال الحملات الإعلامية الممنهجة يكشف في جوهره عن مأزق عميق في العقل الدبلوماسي الفرنسي، العاجز عن الاعتراف بتغيّر موازين القوى، وعن بناء علاقة شراكة تحترم الطرف الجزائري.

وتدهورت العلاقات “الجزائرية الفرنسية” لتبلغ مستويات “غير مسبوقة”، مدفوعة بملفات وقضايا عديدة محل خلافات، بدايتها كان انقلاب موقف باريس الرسمي إزاء الصحراء الغربية لصالح مقترح الحكم الذاتي المغربي، ليتفاقم الوضع أكثر مع تنامي حملات العداء والتصعيد التي قادها اليمين المتطرف الفرنسي ومواليه، ضد الجزائر، في مقدمتهم وزير الداخلية برونو روتايو، الوزير الأول فرانسوا بايرو، وغيرهم، بعد توقيف الكاتب الجزائري الفرنسي، بوعلام صنصال، أزمة المهاجرين، التأشيرات، لتصل حد طرد الجزائر 12 دبلوماسيًا فرنسيًا من أراضيها، وقابله قرار فرنسي مماثل، بعد اعتقال دبلوماسي جزائري بباريس تحت ذريعة التورط في اختطاف ناشط “متهم بالإرهاب“.

ويرى محللون أن باريس، وبعد سلسلة من الخطوات غير المحسوبة، بدأت تدرك أن الجزائر لم تعد تقبل بلعب دور الطرف “الأضعف”، بل أصبحت تفرض شروط العلاقة من موقع الند للند، ومن هذا المنطلق، لم يكن مستغربًا أن تختار فرنسا، في خضم الأزمة، أن توجّه دعوة للحوار بدل التصعيد، إدراكًا منها بأن خسارة الجزائر كشريك موثوق ومؤثر في المنطقة، ستكون باهظة الثمن سياسيًا واقتصاديًا. عبدو.ح

 

The post “الجواسيس” يجرّون علاقات باريس مع الجزائر إلى “المجهول”! appeared first on الجزائر الجديدة.