مداهمة مثيرة للجدل تطال الصحافي الفرنسي بيار جوفانوفيتش… هل تحوّلت فرنسا إلى دولة بوليسية؟
تعرّض الصحافي والكاتب الفرنسي المعروف بيار جوفانوفيتش لمداهمة مفاجئة لمنزله ومقر عمله، نفذتها فرق أمنية فرنسية، بينها وحدة مختصة في مكافحة الإرهاب وتحرير الرهائن، في واقعة مثيرة للجدل تطرح علامات استفهام كبرى حول واقع الحريات في فرنسا. المداهمة تمت على الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، في ظروف غامضة ومثيرة للريبة، ما دفع الكاتب إلى اتهام …

تعرّض الصحافي والكاتب الفرنسي المعروف بيار جوفانوفيتش لمداهمة مفاجئة لمنزله ومقر عمله، نفذتها فرق أمنية فرنسية، بينها وحدة مختصة في مكافحة الإرهاب وتحرير الرهائن، في واقعة مثيرة للجدل تطرح علامات استفهام كبرى حول واقع الحريات في فرنسا.
المداهمة تمت على الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، في ظروف غامضة ومثيرة للريبة، ما دفع الكاتب إلى اتهام السلطات بمحاولة ترهيبه ومنعه من إصدار كتابه الجديد، الذي يتناول ما يصفه بـ”المؤامرة الكبرى” خلف الأزمة المالية العالمية عام 2008.
عملية أمنية “غير مسبوقة”.. بحجة “الانتحار”
بحسب رواية الكاتب، فإن المداهمة تمت دون سابق إنذار، وفي ساعة غير معتادة، حيث اقتحمت الفرق الأمنية منزله ومقر دار النشر التي يمتلكها، دون إذن قضائي معلن، مبررة العملية بأنها تهدف إلى “منع الكاتب من الانتحار”، وهي حجة وصفها جوفانوفيتش بأنها “سخيفة ومهينة، لا تُخفي الهدف الحقيقي وهو التخويف السياسي”.
الصحافي الفرنسي، الذي يعتبر من الأصوات الجريئة في المشهد الإعلامي، عبّر عن صدمته من حجم القوات الأمنية التي شاركت في العملية، متسائلاً إن كان نشر كتاب بات يُصنَّف ضمن الجرائم التي تستوجب تدخّل فرق مكافحة الإرهاب.
تفتيش شامل بحثاً عن “نص مزعج”
اللافت في العملية أن عناصر الأمن لم تكتفِ بتفتيش منزل الكاتب، بل امتد التدخل إلى مقر دار النشر التابعة له، حيث تم تمشيط المكان بالكامل، بحثاً عن النص الأصلي لكتابه المنتظر، بعد أن فشلت في العثور عليه بمنزله. ويؤكد جوفانوفيتش أن هذه التحركات الأمنية لم تكن عشوائية، بل تحمل طابعاً “مخابراتياً منظماً” هدفه الرئيسي منع خروج الكتاب إلى النور.
أصابع الاتهام نحو قصر الإليزيه
في تصريحات صادمة، لم يتردد جوفانوفيتش في توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى مسؤولين داخل قصر الرئاسة الفرنسي، مؤكداً أن أوامر تنفيذ المداهمة جاءت من “مستويات عليا”، لأن محتوى كتابه القادم “يهدد صورة النظام”، حسب تعبيره.
وقال الصحافي صراحة: “أعلم جيداً أن ما أكتبه في كتابي الجديد يزعج جهات نافذة، وفي مقدمتها الرئيس ماكرون نفسه، الذي كان سنة 2008 يشغل منصب مصرفي لدى عائلة روتشيلد. الكتاب يكشف أكبر عملية سرقة مالية في التاريخ الحديث، ولن يمر بسهولة في دولة تتحول تدريجياً إلى دولة بوليسية.”
كتاب “2008”: قنبلة سياسية قبل صدورها
الكتاب الجديد، الذي اختار له عنوان “2008”، يتناول تفاصيل ما يصفه بـ”المؤامرة العالمية” التي فجّرت الأزمة المالية عام 2008، ويتهم فيها لوبيات مصرفية كبرى، وشخصيات نافذة في العالم المالي والسياسي، بالتورط في أكبر عملية نقل غير شرعي للثروات العامة إلى الأيدي الخاصة.
ويعتقد الكاتب أن ما يقدمه في هذا العمل من وثائق وتحليلات سيكون كفيلاً بـ”هزّ صورة النظام المالي العالمي، وتحديداً في فرنسا، حيث ماكرون نفسه كان في قلب اللعبة”، في إشارة إلى عمل الرئيس الفرنسي الحالي كمصرفي آنذاك.
تساؤلات عن الحريات في فرنسا
القضية أثارت ردود فعل قوية في الأوساط الحقوقية والإعلامية، حيث اعتبرها كثيرون انتهاكاً صارخاً لحرية التعبير، وعودة لممارسات تعود إلى زمن الرقابة البوليسية. وطرح محللون تساؤلات عن مدى انزلاق فرنسا، التي ترفع شعار “حرية الصحافة”، إلى نمط سلطوي حين يتعلق الأمر بمصالح النخبة السياسية والمالية.
ويخشى مراقبون من أن تتحول هذه الواقعة إلى سابقة خطيرة، تفتح الباب أمام قمع كل كاتب أو صحافي يتناول قضايا “محظورة سياسياً”، تحت غطاء مبررات واهية كـ”الوقاية من الانتحار” أو “الأمن القومي”.
الكاتب يتحدى: “الكتاب سيصدر.. ولو من تحت الأنقاض”
رغم الضغوط والمداهمات، أعلن بيار جوفانوفيتش تمسكه بنشر كتابه، ولو اضطر إلى طباعته خارج فرنسا. وكتب في منشور على صفحته: “لن يمنعني شيء من كشف الحقيقة. حتى لو صادروا نسخ الكتاب، سأعيد كتابته. حتى لو أغلقوا دار النشر، سأفتتح أخرى. هذا ليس مجرد كتاب، إنها معركة من أجل الحقيقة.”
ويؤكد الكاتب أن النسخة الأصلية من الكتاب محفوظة خارج فرنسا، تجنباً لأي محاولة مصادرة. وأضاف أن محاميه يدرس حالياً إمكان رفع دعوى ضد الدولة الفرنسية، بتهمة “التدخل غير المشروع في الحريات الشخصية، واقتحام الملكية الخاصة دون مبرر قانوني حقيقي”.
في انتظار الكتاب.. تصاعد التوتر
بينما تتصاعد موجات الغضب في مواقع التواصل وبين النخب الثقافية، ينتظر كثيرون صدور الكتاب بفارغ الصبر، خصوصاً بعد أن باتت المداهمة “أفضل حملة دعائية مجانية له”، كما عبّر أحد المدونين الفرنسيين.
وقد تعرّضت وسائل الإعلام الفرنسية الكبرى لانتقادات شديدة بسبب صمتها عن الحادثة، وسط اتهامات بـ”التحالف مع السلطة لكتم أصوات الصحافيين غير المرغوب فيهم”.
وفي انتظار ما سيكشفه كتاب “2008”، يبقى السؤال مفتوحاً: هل بات الصحافي الحر خطراً على الأمن القومي؟ أم أن فضح النظام المالي العالمي صار جريمة في “بلاد النور”؟