لن ننسى جرائم فرنسا

أ. عبد العزيز كحيل/ لعلنا نحن الجزائريين أعرف الناس بفرنسا ونستطيع الجزم أنها كانت وما زالت أول الشر وأوسطه ومنتهاه رغم أنها – ضمن الفضاء الغربي – أم الآداب والفنون -، كيف لا وهي تستهين بالنفس الإنسانية المقدسة في جميع الأديان إلى درجة أن تقتل في يوم واحد 45000 إنسانا كلهم عزّل من السلاح ذنبهم …

مايو 12, 2025 - 13:43
 0
لن ننسى جرائم فرنسا

أ. عبد العزيز كحيل/

لعلنا نحن الجزائريين أعرف الناس بفرنسا ونستطيع الجزم أنها كانت وما زالت أول الشر وأوسطه ومنتهاه رغم أنها – ضمن الفضاء الغربي – أم الآداب والفنون -، كيف لا وهي تستهين بالنفس الإنسانية المقدسة في جميع الأديان إلى درجة أن تقتل في يوم واحد 45000 إنسانا كلهم عزّل من السلاح ذنبهم الوحيد أنهم خرجوا هنا وهناك مطالبين باستقلال بلادهم وذلك في ذات اليوم الذي تحتفل فيه فرنسا بتحريرها من الاحتلال الألماني، مع العلم أن الأمريكان والإنجليز هم الذين حرروها بينما استسلمت هي للألمان في 1940 دون مقاومة وأصبح معظم الفرنسيين عملاء للاحتلال متعاونين معه كما يؤكد التاريخ الذي تحاول فرنسا إخفاءه بصعوبة.
نحن نتألم أشد الألم لما يصيب إخواننا في غزو من إبادة، وأرواح شهدائهم عزيزة علينا، ولعلّ مما يهوّن علينا وعليهم المصاب أنه قد استشهد منهم 50000 في سنة ونصف بينما استشهد نفس العدد عندنا في يوم واحد…أسوق كل هذا حتى لا ننسى جرائم فرنسا في حقنا كما لا ننسى جرائم الصهاينة، مع العلم أن بين فرنسا والصهيونية العالمية صلة وثيقة، فبعد أن كانت فرنسا ابنة الكنيسة البكر أصبحت حاضنة الصهيونية وحاميتها و مركز نفوذها في أروبا…تخلت عن مسيحيتها لكنها لم تتخل عما تستصحبه من حقد على الإسلام والمسلمين فاجتمعت فيها عداوة النصارى وكيد اليهود، وها هي الجزائر تحت طائلة هذه العداوة وهذا الكيد، يتدفقان عليها من الشمال والغرب وصولا إلى الجنوب المسلم لكن المعضلة الكبرى تكمن في أقلية تغريبية إيديولوجية معادية لثوابتنا تعيش بيننا بل تتحكم فينا تسيّرها المرجعية الفرنسية والمصالح الفرنسية تريد أن ينسى الشعب الجزائري جرائم فرنسا ويهيل التراب على تاريخها الأسود في حقه وذلك باسم فتح صفحة جديدة، لكن هذا خيانة للذاكرة والتضحيات الجسام التي امتدت طيلة 132 سنة من الاحتلال والظلم والحرب الضروس على كل ما هو جميل في هذه البلاد من البشر إلى الطبيعة إلى الهوية العربية الإسلامية، وقد أوصانا من عرفوا فرنسا عن قرب ومن الداخل وخبروا حقيقتها وعانوا من جورها في أنفسهم وأهليهم وأعز ما يملكون أن نعيش على بغضها وأن نحمل بغضها في قلوبنا إلى قبورنا…لكن في الواقع أصبح لزاما على الجزائريين أن ينحازوا مُكرَهين إلى المشروع الفرنسي التغريبي الذي تؤمن به الأقلية الإيديولوجية المتنفذة، وأن يهللوا له باسم الحتمية التاريخية وإلا غدوا مصنفين إعلاميا في خانة الظلاميين الجامدين المتحجّرين الذين يفرّخون الارهابيين و يشكلون بالضرورة خلفية الإرهاب ومحضنه ومشروعه، إنه زمن الهجمة على ثوابت الأمة ومحاولة التطبيع الناعم مع الصهاينة عبر النفوذ الفرنسي والارتماء الكامل في أحضان المشروع التغريبي الذي تقوده باريس ويجد له أعوانا متحمسين بيننا…إنه مشروع باريس على أنقاض مشروع باديس…كيف ننسى جرائم فرنسا؟ كيف ننسى 8 ماي 1945؟ كيف نرضى أن يجري تغريب المجتمع على قدم وساق، ودعاتُه يسخرون الإعلام والقدوات السيئة الخبرات الأجنبية لمسخ الانسان بدءا بالمرأة والأسرة والمناهج الدراسية، و يستثمرون من أجل ذلك في الغزو الفكري بتيسير سبله وبالتنصير والإلحاد بذريعة حرية المعتقد لبثّ البلبلة الفكرية وتصعيد الخصومة بين مكونات المجتمع، كما عمدوا إلى محاولة تجفيف منابع التدين – بعد تحييدهم للمسجد بأكثر من وسيلة – بتغيير المناهج الدراسية لتخلو بصفة شبه تامة من الروح الاسلامية والتنشئة على المرجعية الأصيلة بل بدأ حشو عقول الصغار بنظرية دارون…وقد اعتادت الأقلية التغريبية استيراد مختلف المناهج والبرامج السياسية والايديولوجية رغم أنف الأغلبية، وزادت على ذلك بموقف لا يتغيّر هو قصف من ينتقد خياراتها بوابل من التهم الخطيرة الباطلة من غير أن تمكن خصومها من طرح آرائهم ووجهات نظرهم بحرية عبر وسائل الاعلام الثقيلة فضلا عن أن تقبل مناقشتهم … وها هو د. محمد الأمين بلغيث يعيش التجربة المرة.
لو عاد من استشهدوا في ماي 1945 وقبله وبعده لقرّت أعينهم بعلم يرفرف و نشيد يعزف ورجال ونساء أصحاب مبادئ مازالوا على درب الوفاء والعمل الجادّ من أجل استكمال المشروع الأصيل الذي يصلح كل ما أفسده الاستعمار ويعيد العزة لشعب مؤمن لا يذلّ لغير الله عز وجل، ولكن فرحتهم كانت تكون محدودة وهم يجدون عمدة الأوطان – الشباب – يتحوّلون من صناعة التاريخ إلى احتقاره أو الاكتفاء بقراءته – في أحسن الأحوال – ويحمل أكثرهم فكر الأزمة، هو غذاؤهم ومعيارهم في الحكم على الأحداث والأشخاص والمؤسسات، لا يلتزم إلا القليل منهم بالمجاهدة الفكرية والقراءة الواعية لتحريك آليات التغيير في المجتمع، فعجزت الأمة عن الامتداد بالاستقلال ووقفت عند محطات عاطفية تكتفي بالنظر عن الفعل وبأمجاد الماضي عن صناعة الحياة، بل سيجد هؤلاء العائدون أن نجوم المجتمع وقدواته ليسوا هم العلماء في مختلف التخصصات ولا الدعاة ولا المصلحين إنما هم أهل الطرب واللعب، فقد أصاب فساد الذوق اللسان والسمع والأدب الرفيع وأداء الإنسان في الحياة وحسّن القبيح وقبّح الحسن … وخلف كل هذا – في الغالب – اليد الفرنسية الظاهرة أو الخفية والروح الفرنسية التي ما زلنا لم نتخلص منها رغم التضحيات.