بينما أصوات مبحوحة من العالم الحر تدافع عن قضايانا العادلة.. بعض مشايخ العالم الإسلامي يتصارعون في اختلافات فقهية فرعية

أ. محمد مصطفى حابس جنيف/سويسرا/ أثبت التاريخ – لنا ولغيرنا – مرارًا وتكرارًا، أن الحرب لا ولن تحل المشكلات الجوهرية قط، بل تفاقمها، وتطيل أمدها، وتخلق مشكلات جديدة وجراحا عديدة، غالبًا ما تكون لمدة أجيال صعبة العلاج وغير قابلة للإصلاح الا بعد زمن. ودائمًا ما يدفع المدنيون، والأبرياء، والأطفال، والنساء، والأسر، الثمن الباهظ. لأن سفك …

يونيو 24, 2025 - 15:14
 0
بينما أصوات مبحوحة من العالم الحر تدافع عن قضايانا العادلة.. بعض مشايخ العالم الإسلامي يتصارعون في اختلافات فقهية فرعية

أ. محمد مصطفى حابس
جنيف/سويسرا/

أثبت التاريخ – لنا ولغيرنا – مرارًا وتكرارًا، أن الحرب لا ولن تحل المشكلات الجوهرية قط، بل تفاقمها، وتطيل أمدها، وتخلق مشكلات جديدة وجراحا عديدة، غالبًا ما تكون لمدة أجيال صعبة العلاج وغير قابلة للإصلاح الا بعد زمن. ودائمًا ما يدفع المدنيون، والأبرياء، والأطفال، والنساء، والأسر، الثمن الباهظ. لأن سفك الدماء وإزهاق الأرواح لا يمكن أن يكونا حلًا للصراعات التي لا يتم حلها إلا بالعدالة وعبرالحوار والرغبة الصادقة في السلام.
عقب عمليات عسكرية صهيونية متهورة على جيرانها في فلسطين المحتلة ولبنان وسوريا واليمن، واليوم تنتقل النيران لإيران، يجب على المجتمع الدولي الرد بحزم على هذا العدوان غير القانوني ، المدعوم من طرف قوى الاستعمار الجديد والولايات المتحدة تحديدا، الذي يُشكل انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. وبالتالي بات قصف الأراضي الإيرانية الامنة أمرا غير مقبول ويستحق إدانة واضحة وجماعية لا لبس فيها ولا مراء!!
على ضوء هذه القناعة، والحرب الجوية الإسرائيلية الظالمة على أهلنا في إيران تدخل أسبوعها الثاني، وسط توسع رقعة العمليات العسكرية من الطرفين وارتفاع غير مسبوق في عدد الضحايا من الجهتين، في صراع بات يهدد الاستقرار الإقليمي بل والقاري، ويثير قلقا دوليا متزايدا، يسعى من جهة أخرى المسؤولون الأوروبيون إلى إقناع طهران بالجلوس إلى طاولة المفاوضات هذه الأيام في جنيف العاصمة الدولية لحقوق الانسان، وذلك بعد أن قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن القرار بشأن التدخل الأمريكي المحتمل في هذه الحرب المجنونة سيتخذ في غضون أسبوعين، على حد تعبيره.
طبعا لا يجب أن ننتظر من الرجل أي شيء جديد، وهوالذي يدعم علنا وليس سرا إسرائيل !! وللتذكير فقط فإن إسرائيل دولة نووية ليس لها رقيب ولا حسيب، بل حق لها أن تدمر ما يحلولها، لا يجب أن ننسى أنه خلال عام ونصف العام الأخير في فلسطين، حسب إحصائيات موثقة قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 75,000 شخص، منهم 25,000 طفل على الأقل في غزة وحدها.
وبينما تُباد عائلات بأكملها، وتُقصف المستشفيات، ويُستخدم الجوع كسلاح ضد سكان فلسطين، يقف العالم متفرجًا دون أن يحرك ساكنًا بما فيها أمريكا ومنافقو العالم العربي والغربي!!
رغم ذلك الحيف والجور وهذا الخذلان ما انْفَكَّت هيئات خيرية وإنسانية تدعوإلى التحرك عاجلاً من أجل وقف فوري لإطلاق النار، ورفع الحصار عن غزة، وإدانة جرائم الحرب إدانة صريحة قاطعة صارمة، واستئناف ادخال المساعدات الإنسانية فورًا، لكن لا حياة لمن تنادي!!
ونحن في هذه الوقفة، ليست لنا كل المعطيات للجزم بما سيكون عليه الوضع في الشرق الأوسط بعد أيام، أوبعد ساعات !! لكنني حسب معرفتي المتواضعة بالسياسات الغربية، أنه من الناحية الدبلوماسية والقدرة على فنون الحوار والاقناع مقارنة بالدول العربية، فهناك بون شاسع بين طهران وجيرانها من دول الخليج، وأنا لا أقول هذا دفاعا عن سياسة طهران التي قد يقول قائل انها تبعد عنا آلاف الاميال الضوئية في كثير من الأمور – وهي حاليا ضعيفة ومستضعفة مقارنة بما تملكه الدولة العبرية وزبانيتها من ترسانات فتاكة – ، لكنني أجزم أنه لا قدر الله لوتسقط إيران فإنه حتما حبات عقد الدول العربية ستتناثر هنا وهناك، وأوراق التوت ستسقط سريعا وتكشف عورات العديد من ساسة عالمنا الإسلامي وتصبح لا قدر الله قيادات شعوبنا قطيعا هملا مطبعا دون استثناء، وتكتشف قناعات بعضهم الواهية التي لا تسمن وتغني من جوع، دولنا العربية مكشوفة لا يعول عليها في نصرة شعوبها ومقدساتها مخافة على كراسيهم الزائلة، متناسين المقولة الشهيرة «لودامت لغيرك ما وصلتك»، حتى يبعث الله أجيالا أخرى ترد للأمة كرامتها وعزتها، وما ذلك على الله بعزيز..
ولأني ازعم جازما أني أعرف بعض الشيء من سياسات دولنا العربية والغربية، ولا أبوح سرا، أني منذ بضع سنوات خلت وأنا أداوم في جلسات ولقاءات ملفات حقوق الانسان بمقر مبنى الأمم المتحدة، وأعرف تصرف ممثلي دولنا العربية في عمومهم، وكيف يرفع سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية عقيرته استثناء، أمام غطرسة ممثلي أمريكا وزبانيتها، قائلا في مستهل كل تدخلاته «باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين..»، بلسان عربي مبين، الأمر الذي لا يجرؤ سفراء العديد من الدول العربية على قوله، بل كثيرا ما لاحظت أن السفير الإيراني، يوم كلمته يأتي باللباس المميز والرسمي لبلده كانه خطيب جمعة، ويوجه كلمته للسفيرة الأمريكية مستغربا بقوله: «لا أدري لماذا أمريكا لم تتعظ بعد، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية، دولة قوية ذات سيادة وليست عضوا ملاحظا في هذه القاعة مثل الجمعيات الإنسانة والمنظمات الحقوقية المحترمة التي تحضر معنا هذه الدورات !!.».. في حين نلاحظ أن العديد من سفراء الدول العربية، لا يجرؤ حتى على قول البسملة في بداية كلمته، بل فيهم حتى من يفضل أن يتكلم بلغة أجنبية لا يجيدها تماما، علما أن اللغة العربية هي إحدى اللغات الرسمية والمعتمدة في الأمم المتحدة، ناهيك عن أمور شرعية أخرى قد نعود لها في مقال خاص.
أمام ، ضعف وهوان دولنا العربية، شعوبنا لا زالت تنبض بالخير والعطاء والعمل الصالح، وحتى جاليتنا المسلمة في الغرب على قلة عدتها وعتادها، نجدها واقفة في المسيرات والتعبئة نصرة لقضايانا العادلة بالمستطاع، لم لا وهي حاضرة هذه الأيام رفقة أحرار العالم في التجمعات نصرة للقضية الفلسطينية ولبنان واليمن وسورية وأخيرا حتى إيران !!
أما بالنسبة لهذه الأخيرة – أي القضية الإيرانية – فقد وقفت جاليتنا موقفا إنسانيا مع المظلوم وهوالشعب الإيراني، ضد المتغطرس العبري، الكيان الصهيوني وربيبته أمريكا، ناهيك عن الخونة والمتخاذلين العرب.

أصوات الأحرار على تعدد معتقداتهم وأصولهم وأجناسهم تستنفر للقضايا العادلة
الشيء الذي قد يغيب على بعض المتفلسفين في عالمنا العربي، أن جاليتنا المسلمة على تعدد مذاهبها الثمانية موحدة وتصلي في نفس المسجد، وتقوم بجل العبادات والاعياد مجتمعة لا فرق بين هؤلاء وأولئك، مما وحد صفوف أصوات جاليتنا المسلمة في الانتخابات وحتى في المسيرات والتظاهرات بعيدا عن كل تمزق مذهبي طائفي داخلي، رفقة أصوات احرار العالم على تعدد معتقداتهم وأصولهم. هذه الوحدة أرغمت أخيرا وزير خارجية سويسرا على الاعتذار عن التقصير علنا في حق غزة وأهل غزة، وأُرغم على الذهاب لإسرائيل هذا الأسبوع للتهدئة، وحتى الضغط رغم وزنه الخفيف «وزن الذبابة» مقارنة بأوزان كبيرة كالنظام الأمريكي وحلفائه، نفس الشيء قد يقال عن وزير خارجية فرنسا ودول أوروبية أخرى في بعض تفاصيل القضية الإيرانية هذا الاسبوع.
من هذه الأصوات الشعبية المبحوحة التي قد نخصص لها لاحقا ترجمة مطولة لبعض مقاطع بياناتها ونداءاتها، هذا الأسبوع، نقرأ منها هذه القطوف: «الجالية الإيرانية المثقفة في الخارج»، في رسالة متداولة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيوغوتيريش، وقادة العالم المُقدّرين للسلام وحقوق الإنسان، تحت عنوان: نداء عاجل لوقف العدوان العسكري الإسرائيلي على إيران والحفاظ على السلام الإقليمي والعالمي، كتبت تقول: «نحن، الموقعين أدناه من أبناء الجالية الإيرانية في الخارج، نُخاطبكم بقلق بالغ وشعور عميق بالمسؤولية تجاه مصير وطننا، والحفاظ على السلام الدولي، والحاجة المُلحة لمنع تفاقم الأزمة الإقليمية والعالمية .. حيث شنّ النظام الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، عملا عدوانيا صارخا ومُدانا بشدة، بضربات عسكرية مباشرة على الأراضي الإيرانية، مُنتهكًا بشكل صارخ سيادة دولة مُستقلة ذات سيدة وعضوفي الأمم المتحدة».
ثم أردفت تقول: «إن هذا العدوان العسكري، يشكل تهديدًا خطيرًا ومباشرًا للسلم والأمن الإقليميين والعالميين. إن استمرار هذه الأعمال العدائية يُهدد بإشعال صراع أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط المضطرب أصلًا، بل يُقوض بشدة الأمن الجماعي والاستقرار السياسي في جميع أنحاء المنطقة»!!
مبينين أن إيران تُعتبر واحدة من أقدم مراكز الحضارة الإنسانية في العالم، لها تاريخ مُسجل لأكثر من ثلاثة آلاف عام، وقد لعبت دورًا أساسيًا في تشكيل القيم الإنسانية والعلمية والقانونية والثقافية للعالم، وبالتالي، فإن تراثها يستحق الاعتراف والحماية من المجتمع الدولي.. وإن الهجوم على إيران ليس مجرد عمل عسكري ضد دولة قومية؛ بل إنه اعتداء على ركن أساسي من أركان الحضارة العالمية وإرث ثقافي مشترك للبشرية.

أوقفوا العدوان الإسرائيلي على إيران ودول المشرق !!
وتحت عنوان: «أوقفوا العدوان الإسرائيلي على إيران – دعوة إلى تعبئة دولية فورية»، كتب زميلنا الصيدلي وحيد خوشيده رئيس الجمعية الإسلامية والثقافية لأهل البيت في جنيف، مناشدة بقوله: (..)» تتبع إسرائيل استراتيجية تصعيد إقليمي قائمة على العنف، كما يأتي هذا الهجوم على إيران على خلفية إبادة جماعية مستمرة في غزة، وقصف متواصل في الدول المجاورة، وتجاهل صارخ لقرارات الأمم المتحدة وقرارات المحكمة الجنائية الدولية. هذا السلوك يُهدد السلام الإقليمي ويشكل تهديدًا متزايدًا للاستقرار العالمي.. وإن الصمت المتواطئ للعديد من الحكومات تجاه جرائم الدولة العبرية هذه يُعدّ تخليًا أخلاقيًا وسياسيًا. لم يعد بالإمكان تبرير هذا التقاعس، كما يجب على المنظمات الدولية، وخاصةً تلك التي تتخذ من جنيف مقرًا لها، إدانة التدخل العسكري في السيادة الإيرانية، والمطالبة بفرض عقوبات على موردي الأسلحة لإسرائيل، وتفعيل جميع الآليات القانونية الدولية المتاحة لإنهاء الإفلات من العقاب وانتهاكات القانون الدولي!!.

وفي بيان آخر قالت منظمة حقوقية أخرى :
(..)» ندعوإلى تعبئة فورية ومنسقة، تتجاوز الانتماءات الدينية أوالوطنية، كما يجب على المواطنين والمنظمات غير الحكومية والنقابات والأكاديميين والصحفيين والمسؤولين المنتخبين وشخصيات المجتمع المدني الأوروبي المطالبة بإجراءات ملموسة، منها خاصة تعليق التعاون العسكري والاقتصادي مع إسرائيل، وتنسيق الضغط الدبلوماسي، وتقديم الدعم الفعال للسكان المدنيين المتضررين.»..» كما يطلب من مواطني البلدان التي لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، المطالبة بمراجعتها، أوحتى قطعها، باسم مبادئ العدالة والسيادة واحترام القانون الدولي.»

كما استطردت منظمة دولية أخرى بقولها:
(..) « ما هوعلى المحك اليوم ليس مجرد قضية إقليمية أوجيوسياسية، بعيدة عن أوروبا، إنه نضال عالمي – نضال من أجل السلام الحقيقي، ومن أجل الكرامة الإنسانية، ومن أجل الدفاع عن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام الدولي، كاحترام القانون، وحماية المدنيين، ورفض الإفلات من العقاب.

الغرب ألوان وأشكال ، فيه وعليه !!
كما نظمت ندوات تحسيسية تشرح الوضع في عمومه وخصوصه، تصب جميعها في تبيان معاني المناصرة والدعم للقضايا العادلة مهما كانت معتقداتها وألوان راياتها، وأن الغرب ليس واحدا بل متعدد ومتشعب، فنحن ينبغي أن نتنبه إلى حقيقة أن الغرب ليس شيئاً واحداً، لا على المستوى الأفقي ولا على المستوى الرأسي. ذلك أن الولايات المتحدة غير أوروبا، والأمزجة متفاوتة في أوروبا ذاتها، فانجلترا غير فرنسا، والبلدان مختلفان عن ألمانيا وإيطاليا وسويسرا.. وهكذا، فإذا لاحظنا أن مشكلة الحجاب مثلاً مثارة في ألمانيا وفرنسا، في حين أن انجلترا سمحت للمتحجبات بالانخراط في سلك الشرطة، وصممت لهن غطاء رأس خاصاً، فإن ذلك يعكس تفاوت الرؤى والمواقف الذي نشير إليه وفي داخل كل بلد هناك نخبة سياسية وهناك مؤسسات علمية وبحثية ودينية، وهناك جماهير ورأي يعبئه الإعلام في هذا الاتجاه أوذاك، في هذا الخضم الواسع فإن الغرب الذي نعنيه هوالنخبة القابضة على السلطة، في الولايات المتحدة بوجه أخص باعتبارها صاحبة اليد الطولى الآن فيما أسمته بالحرب ضد الإرهاب، وبالسياسة التي تتبعها والضغوط التي تمارسها على أوروبا، فإنها تعد بمثابة القاطرة التي تجر وراءها بقية الدول الأوروبية، أوأغلبها إن شئت الدقة

الديمقراطية في الغرب ولدت وترعرعت وفقاً لفكر وفلسفة معينين.
كما يظن البعض خاصة في عالمنا العربي، أن الديمقراطية في الغرب ولدت وترعرعت وفقاً لفكر وفلسفة معينين. أما الذي يمعن أويدقق في التاريخ الأوروبي فيجدها نظاماً تشكل عبر عملية تاريخية متنوعة من الصراعات والمساومات في ما بين مصالح الطبقات المختلفة أوبين القوى المتنافسة في الفئات العليا المتنازعة على الحكم.. وهذا ما يمكن أن يقرأ من خلال متابعة التاريخ البريطاني والأمريكي والفرنسي، ولا يختلف الأمر في التجربة الأمريكية بعد حركة الاستقلال والحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، أوفي التجربة الفرنسية منذ الثورة الفرنسية مروراً بدكتاتورية نابليون ولوي فيليب إلى الجمهورية الرابعة.
ولعل هذه الأمزجة والصراعات الداخلية رسخت لديهم قناعات أن الحل لأي صراع يجب أن يناقش بهدوء، لأن جر الشعوب بقوة قد يعطي نتائج عكسية لا تحمد عقباها، والله ناصر المستضعفين ولوبعد حين.