المرأة الجزائرية بين الطموح الشخصي والالتزام العائلي
أ.د. زبيدة الطيب/ مع انفتاح المجتمع الجزائري على تعليم المرأة وخروجها للعمل، بدأت المرأة الجزائرية تبحث عن استقلاليتها وشخصيتها المفقودة بفعل فقدانها لأهم عنصر يؤهلها لذلك، ونعني به التعليم على وجه الخصوص. ومن هذا المنطلق يمكن القول أن غالبية البنات تلج أبواب المدرسة، وهي تحمل أحلاما وطموحات تحقق استقلاليتها وتوازنها الشخصي؛ لأنه لا مجال ولا …

أ.د. زبيدة الطيب/
مع انفتاح المجتمع الجزائري على تعليم المرأة وخروجها للعمل، بدأت المرأة الجزائرية تبحث عن استقلاليتها وشخصيتها المفقودة بفعل فقدانها لأهم عنصر يؤهلها لذلك، ونعني به التعليم على وجه الخصوص.
ومن هذا المنطلق يمكن القول أن غالبية البنات تلج أبواب المدرسة، وهي تحمل أحلاما وطموحات تحقق استقلاليتها وتوازنها الشخصي؛ لأنه لا مجال ولا طريق لتحقيق ما تصبو إليه إلا عبر التعلم والمدرسة ثم الجامعة، حيث تكبر الأحلام وتتوسع الطموحات مع التدرج في التعليم العالي والخروج إلى العمل.
في غالب الأحيان يكون تحقيق الأحلام متاحا في بيت الوالدين وبصفة واسعة نسبيا؛ إلا أن انكسار تلك الطموحات وذهاب الأحلام أدراج الرياح يبدأ في معظم الأوقات بمجرد انتقال الفتاة إلى بيت الزوجية حيث تصبح زوجة مسؤولة وأُمًّا وفردا تجب عليه التزامات عائلية واسعة. وتبدأ التحديات والمشاكل مع اصطدام الحلم والطموح بالواقع وإصرار الزوجة على تجسيد ما خططت له من باب أنه حقها، وإصرار الزوج في المقابل على التوقف، على أساس أن ذلك يعد تجاوزا وتفريطا بالالتزامات والواجبات التي تمليها الشريعة وتفرضها الأعراف ومتطلبات الحياة الأسرية؛ ليتحول بيت الزوجية إلى جحيم ينتهي إما باستسلام أحد الزوجين لرغبة الآخر مع بقاء حالة الجحيم، ويستمر التمثيل في ممارسة أدوار الزوج والزوجة والأسرة (المنسجمة) ظاهريا واجتماعيا، أو أنها تنتهي إلى النهاية المريرة التي لم تعد تخيف غالبية كبيرة من الطرفين، ولم تعد تشكل مصدر إحراج أو توجس شرعي أو عرفي أو حتى نفسي لكليهما، وهو الانفصال بأحد الطريقين إما الطلاق وإما الخلع.
هنا يطرح السؤال: هل بات هذان الطريقان هما الخيارين اللذين لا ثالث لهما؟ وهما خياران أحلاهما مر؟ هل ضاقت الثقافة الإسلامية المدعمة والمطعمة بالروح والعقل والشرع والقيم والأعراف الراقية لتحشر الحلول في هذه المساحة الانتحارية؟ ألا يمكن أن يكون الطموح مشتركا والحلم يتقاسمه الاثنان؟
يجتهد الكثير من الباحثين والمختصين في الإجابة عن تلك التساؤلات وغيرها، والذي ينبغي لفت الانتباه إليه أن تلك الأفكار والممارسات التي تفسد حالات الانسجام والوفاق والتكامل داخل الأسر هي ليست أفكارا بنيوية في تكوين المجتمع أو في المرأة أو في الرجل ممن ينتمون إلى الثقافة الإسلامية؛ إنما هي أفكار دخيلة وطارئة، والأصل في الأفكار الدخيلة أنها لا تتمتع بالقدر الكافي من التعلق الذي يمنحها قوة الرسوخ والتجذر؛ أي أنه بقدر انتشارها وتمكنها إلا أن التخلص منها ممكن وغير مستحيل، مع الإقرار بصعوبته في ظل الضغط الفكري والثقافي الذي يخنق الخصوصيات الثقافية للمجتمع الإسلامي ويعمل على إقصائها من المشهد حتى لا يكون لها تأثير في التربية والتوجيه، فالمسألة هي مسألة إرادات ووعي ندرك به أن الأسرة هي في قلب الصراع الحضاري، وأن استعادة القيم الأسرية وتفعيلها هي معركة طويلة الأمد وأن أسلحتها وأدواتها (أي أدوات المعركة) ينبغي أن تكون ضمن الدائرة الحضارية الإسلامية وأهدافها وعناصرها، وليست أدوات أو خلفيات تزيد في تغريب الذات وتعميق أزمتها.
من هنا نقول أن العمل والتركيز يجب أن يكون على استعادة الإنسان المسلم لذاته كمسلم منوط به حمل رسالة الإسلام بكل أبعادها؛ لأن حالة الفصام التي نعيشها ومنطق الأخذ ببعض الكتاب وترك البعض، والتحايل على البعض وتغليب الأنانية والمصلحة الشخصية لا المعتبرة شرعا، هو في الواقع تعبير عن خلل عقدي كبير؛ يشوش على المسلم دينه وشريعته ويسحب منه الثقة والإيمان في مخزونه وإرثه الحضاري؛ بوصفه مصدرا للحلول الاجتماعية والأسرية على وجه الخصوص؛ فالأمة اليوم لا تشكو ندرة في الأحكام والفتاوى والقوانين الشرعية التي تنظم العلاقات الأسرية؛ بقدر ما تشكو غياب الفرد الذي يلتزم بها ويفعلها إيمانا واحتسابا حتى تتحقق أحلام وطموحات الأمة برمتها.