الحرب تشتد وأيام الحسم تقترب!
أ. عبد الحميد عبدوس/ بعد أسبوع من العدوان الإسرائيلي على جمهورية إيران الإسلامية الذي بدأ يوم الجمعة 13 جوان الجاري، أظهرت الوقائع أن الشعب الإيراني تجاوز بنجاح صدمة الضربة الأولى الغادرة، التي استهدفت القضاء على القيادة الإيرانية وتدمير البرنامج العلمي النووي، وإحداث أكبر قدر من الضرر والألم في أوساط المواطنين الإيرانيين لدفعهم إلى التمرد على …

أ. عبد الحميد عبدوس/
بعد أسبوع من العدوان الإسرائيلي على جمهورية إيران الإسلامية الذي بدأ يوم الجمعة 13 جوان الجاري، أظهرت الوقائع أن الشعب الإيراني تجاوز بنجاح صدمة الضربة الأولى الغادرة، التي استهدفت القضاء على القيادة الإيرانية وتدمير البرنامج العلمي النووي، وإحداث أكبر قدر من الضرر والألم في أوساط المواطنين الإيرانيين لدفعهم إلى التمرد على القيادة والضغط عليها لرفع الراية البيضاء والاستسلام للإملاءات الإسرائيلية الأمريكية. العدوان الإسرائيلي الذي سمي «ضربة استباقية» كان مزيجا متفجرا من التضليل الإعلامي والتضليل السياسي الذي مارسته إدارة الرئيس دونالد ترامب بالتنسيق المسبق مع حكومة الكيان الصهيوني لخداع القيادة الإيرانية ومنعها من الاستعداد الكامل لرد العدوان الغادر. تسمية العدوان الغادر «الضربة الاستباقية»، هو تضليل واضح ومتعمد لما وقع، لأن الضربة الاستباقية تعني توجيه ضربة للعدو يعتزم أن يوجه لك ضربة مقبلة، لكن واقع الحال هو أن إيران كانت منخرطة في جولات مفاوضات حول برنامجها النووي، وكانت على بعد يومين فقط من استئناف جلسة جديدة من المفاوضات المعلنة.
وقائع الصراع المسلح الإيراني الإسرائيلي أثبتت أن إيران لا تملك السلاح النووي، ولكنها تملك عقيدة راسخة، وعمقا تاريخيا، وقوة الصبر، وطول النفس، ورصيدا ثمينا من تجارب متراكمة في التعامل مع تداعيات الحروب المباشرة، والحروب السرية ضد الجواسيس والعملاء، وقدرة على استيعاب الضربات الاستباقية كما حدث في الحرب مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي. في المقابل، تمتلك إسرائيل القنابل الفتاكة، بما فيها القنابل النووية، والتكنولوجية المتطورة، والتفوق الجوي، والدعم الغربي، والتحيز الإعلامي العالمي. كان المتوقع من الهجوم الإسرائيلي هو إشعال انتفاضة شعبية ضد النظام، بعد تدمير قدراته العسكرية والاقتصادية. بعد سويعات فقط من شن العدوان الإسرائيلي ضد إيران، دعا رئيس الحكومة الإسرائيلية المجرم، بنيامين نتنياهو، الشعب الإيراني إلى التمرد ضد قيادته قائلا: «حان الوقت لكي يتوحّد الشعب الإيراني حول علَمه وإرثه التاريخي، بالانتفاض من أجل تحرركم من النظام القمعي والشرير». مضيفا: «بينما نحقق هدفنا فإننا نمهد أيضا الطريق أمامكم لتحقيق حريتكم». لكن بعد مرور أسبوع من العدوان الإسرائيلي المسمى «الأسد الصاعد»، المدعوم أمريكيا، طالت موجات القصف الإيراني ضمن عملية «الوعد الصادق 3» أغلب المدن الفلسطينية المحتلة التي استولت عليها إسرائيل من الشمال إلى الوسط إلى الجنوب،وانتقل الإسرائيليون من نشوة النصر إلى خيبة الذعر، وخرجت، يوم الجمعة 20 جوان الجاري، جموع الآلاف المؤلفة من جماهير الشعب الإيراني إلى شوارع المدن الإيرانية ، تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على بلادهم، وتأييدا لقادتهم، وتسفيها لدعوات أعدائهم للانسياق في نهج الخيانة والتمرد ضد بلدهم.
المجرم بنيامين نتنياهو، لم يعد يتكلم بغطرسة المنتصر، وأصبح يحول ندواته الصحفية إلى استعراضات مصورة لقدرته على قلب الحقائق واختلاق الأكاذيب والتلاعب بالرأي العام، والتملق لسيد البيت الأبيض دونالد ترامب. لقد حوٌل إصابة مبنى مستشفى «سوروكا» بمنطقة بئر السبع بشظايا صاروخ إيراني يوم الخميس 19 جوان الجاري، إلى مناحة إعلامية وبكائية سياسية ، واعتبر إصابة المستشفى «جريمة حرب صادمة تستهدف الأبرياء».. لم يكن المجرم نتنياهو وحده هو من ندد بإصابة مستشفى «سوروكا»، فقد سار على نهجه وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، ووزير الخارجية، جدعون ساعر، الذي طالب بـ«ملاحقة دولية لطهران»، ووزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، الذي وصف الإيرانيين: بـ «النازيين الذين يطلقون الصواريخ على المستشفيات وكبار السن والأطفال»، ووزير الثقافة والرياضة ،ميكي زوهار،الذي قال: « لا يجرؤ على إطلاق الصواريخ على الأطفال والمرضى وكبار السن في أسرتهم سوى أحقر الناس على وجه الأرض.» أما وزير التعليم الإسرائيلي، يوآف كيش، فقد اتهم إيران بأنها «استهدفت روضة أطفال قرب مستشفى سوروكا».
كل هؤلاء المسؤولين الصهاينة الذين نددوا بأشد العبارات بقصف إيراني مزعوم لمستشفى «سوروكا»، هم أعضاء في حكومة إسرائيلية يعتبر رئيسها بنيامين نتنياهو مجرما متهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بقرار من محكمة الجنايات الدولية، رغم أن وزير الخارجية الإيراني قال إن القصف المذكور «استهدف مقر القيادة والاستخبارات الكبرى للجيش الإسرائيلي الواقع قرب مستشفى سوروكا في بئر السبع، وإن الأضرار التي لحقت بالمستشفى سطحية وفي جزء صغير منه، وإن المستشفى كان قد تم إخلاؤه إلى حد كبير في وقت سابق».
قبل شهر من إصابة مستشفى «سوروكا» العسكري الذي يعالج الجنود الإسرائيليين المصابين في الحرب على غزة،كانت إسرائيل قد قصفت، في شهر ماي الماضي المستشفى الأوروبي في خان يونس في قطاع غزة، برر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قصف المستشفى بكونه: «يستخدم كمخبأ لعناصر حماس يوفر غطاءً للأنشطة العسكرية تحت الأرض»، أما وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، فقد قال: «لن نسمح لحماس باستخدام المستشفيات ومرافق الإغاثة كملاجئ ومقرات إرهابية». وكانت إسرائيل قد قصفت عشرات المرات المستشفيات الفلسطينية وحولتها إلى مقابر مفتوحة. قبل يومين فقط من إصابة مستشفى «سوروكاّ» العسكري الإسرائيلي، كانت إسرائيل قد قصفت مستشفى «الفارابي» في كرمانشاه يوم الاثنين الماضي (16جوان الجاري) ودمرت وحدة العناية المركزة بالمستشفى، وأفادت وسائل إعلام إيرانية تضر ر6 مستشفيات في مدن مختلفة من إيران. وتفاخرت إسرائيل بقصف مبنى التلفزيون الإيراني وهي مؤسسة مدنية، وبرر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، هذا القصف بقوله: «تم استهداف هيئة البث التابعة للنظام الإيراني، المسؤولة عن الدعاية والتحريض». وسبق لإسرائيل أن قصفت مبنى الهلال الأحمر الإيراني،دون أن يثير ذلك اهتمام الصحافة الدولية ولا سخط المنظمات الدولية. وبالتزامن مع هذه الحرب الجديدة تتواصل حرب الإبادة الإسرائيلية ضد سكان قطاع غزة، التي ذهب ضحيتها أكثر من 56 ألف شهيد و125 ألف مصاب، ولا يمر يوم واحد على غزة، دون أن يخلف العدوان الإسرائيلي عشرات الشهداء ومئات الجرحى من المدنيين الفلسطينيين. رغم ذلك إسرائيل مازالت تحظى بحماية أمريكية تضعها فوق القوانين الدولية والمساءلة القانونية على أفعالها الإجرامية. من ذلك أن العالم الغربي الذي يصر على أنه ليس من حق إيران امتلاك السلاح النووي، هو الذي ساعد دولة الإجرام الصهيوني على امتلاك السلاح النووي، وهو يتستر على سلاحها النووي ويمنع أية جهة من طرح هذه المسألة الخطيرة والمهددة للسلام العالمي على طاولة البحث والتفتيش في الوكالة الأممية لحظر انتشار الأسلحة النووية، أو نقاش المسألة في مجلس الأمن الدولي.
لقد اعترف المستشار الألماني فريدريتش ميرتس بتأييد الغرب الكامل لإسرائيل، واعتبرها بمثابة ذراعه لتنفيذ المهمات القذرة نيابة عنه، واصفا عدوانها على إيران بأنه: «مهمة قذرة تؤديها إسرائيل نيابة عنا جميعا.» إسرائيل مازالت تستقوي بقوة الغرب، ومع ذلك، فهي تبدو مرعوبة من إمكانية خسارتها للمواجهة مع إيران . يقدر الخبراء العسكريون أن إسرائيل لا تستطيع الحفاظ على تفوقها الجوي في حربها على إيران سوى 12 يوما دون مساعدة خارجية،كما أنها لن تتمكن من خوض حرب طويلة مفتوحة، لأنها تعودت على إنهاء حروبها الخاطفة والاستباقية في أوقات قصيرة وفترات محدودة إضافة إلى إن كلفة الحرب ستزيد من الضغط على الحكومة الإسرائيلية، لذلك فهي تراهن على الولايات المتحدة الأمريكية وتبذل قصارى جهودها لتوريط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المشاركة المباشرة والتدخل السافر في حربها العدوانية الظالمة ضد إيران،لكن موقف الرئيس الأمريكي مازال مترددا وغامضا، ويبدو أن الرئيس الامريكي أصبح مقتنعا أن دخول الحمام ليس كالخروج منه، فبعد أن كان يقول في اليوم الخامس من الحرب: «نحن نحظى الآن بالسيطرة الكاملة والشاملة على أجواء إيران»، ويطالب القيادة الإيرانية بالاستسلام «غير المشروط»، عاد بعد يومين من هذا التصريح ليقول إنه سينتظر لمدة أسبوعين ليقرر هل سيقصف مفاعلات إيران النووية أم لا؟
يبدو أن الرئيس دونالد ترامب يقيم وزنا كبيرا للرأي العام الأمريكي الداخلي، الذي يعارض تورط بلادهم في حرب لا تعنيهم بصفة مباشرة،كما أن هنالك جزءا مهما من قاعدته الانتخابية الذين انتخبوبه لرئاسة الولايات المتحدة على أساس شعار «أمريكا أولا ّ ووعود ه بإنهاء الحروب في العالم وتحقيق السلام، وكثيرا من أصدقاء الرئيس يحذرونه من مغبة تكرار الخطأ الذي ارتكبه سلفه الرئيس الأسبق، جورج ولكر بوش، قبل 22 سنة بتوريط أمريكا في حرب العراق التي استنزفت موارد البلد، وأسالت دماء الأمريكيين، وأساءت إلى سمعة بلادهم لدرجة كبيرة. صحيفة «نيو يورك تايمز» الأمريكية الشهيرة قالت» في مقال لها: «يجمع مراقبون أن قصف فوردو (أهم مفاعل نووي إيراني) لن يكون مجرد ضربة عسكرية في منشأة تحت الأرض، بل سيكون تحولا زلزاليا في ميزان القوى الإقليمي والدولي. وإنه اختبار للردع، ولحدود صبر إيران. وفي حال تم تنفيذ الضربة، فالعالم لن يواجه فقط خطر التلوث، بل حافة حرب إقليمية مفتوحة، قد تمتد آثارها إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط».
اليوم ،يقف العالم على حافة هاوية خطيرة، وقرار الرئيس الأمريكي هو الأمر الحاسم في دفع العالم نحوها أو إبعاده عن السقوط فيها، والكل يترقب هل سيتصرف الرئيس دونالد ترامب كزعيم لدولة تقود العالم وتتزعم مجلس الأمن الدولي، أم يتصرف كزعيم لعصابة إجرامية، وبلطجي يملك القوة ويستعملها لقهر الضعفاء؟